قمة بين الرئيسين الصيني والامريكي لاعادة بناء الثقة
قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، إن الموجة غير المتوقعة من اللقاءات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين، والتي تمثلت في عقد اجتماعات بين الجانبين هذا الأسبوع، تدل على رغبة الطرفين في علاقات مستقرة بينهما، خصوصاً بعد أشهر من التوترات.
وقالت الصحيفة إن الإجابة على السؤال حول كيفية تحقيق الاستقرار في العلاقات، وما سيتبعه، يعد سؤالاً أكثر صعوبة بسبب المستويات العالية من حالة “عدم الثقة” بين بكين وواشنطن، وخاصة حين يتعلق الأمر بالقضايا الأكثر حساسية مثل تايوان.
وعقد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان محادثات استمرت أكثر من 8 ساعات مع كبير الدبلوماسيين الصينيين وانج يي، على مدار اليومين الماضيين في فيينا هذا الأسبوع، كما التقى السفير الأميركي في بكين، نيكولاس بيرنز، بوزير الخارجية الصيني تشين جانج، ووزير التجارة وانج وينتاو، في بكين، خلال الأيام الماضية.
وجاء في بيانين منفصلين عن البلدين بعد الاجتماعات التي أجريت، أن الجانبين اتفقا على “إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة بين سوليفان ونظيره الصيني وانج يي”، ما يشير وفق “وول ستريت جورنال” إلى “رغبة الجانبين في إجراء المزيد من المحادثات”.
كما ناقشت الحكومتان، الزيارات المحتملة إلى الصين، من قبل وزيرتيْ التجارة والخزانة جينا ريموندو وجانيت يلين.
ونقلت الخارجية الصينية عن تشين جانج، قوله، إن واشنطن “يجب أن تفكر بعمق وأن تعود إلى العقلانية، عندما يتعلق الأمر بالعلاقات بين البلدين”.
“خطر تقسيم العالم”
وفي هذا الصدد، قال دينج دينج تشن، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جينان الصينية، إن الاجتماعات التي عقدت هذا الأسبوع مهمة لـ”كسر الجمود” بين الجانبين.
وأضاف: “يريد البلدان تحقيق استقرار في العلاقة، لا يريد أي من الطرفين بالتأكيد الاستمرار في تدهورها. والسؤال هو كيف نفعل ذلك؟”
ورأت “وول ستريت جورنال” أن المخاطر التي ينطوي عليها الوضع الحالي كبيرة، فإلى جانب كونهما أكبر اقتصادين في العالم، يلعب كلا البلدين أدواراً حاسمة في حل التحديات العالمية مثل قضية تغير المناخ.
وتتزايد المخاوف من أن الفتور الدبلوماسي المطول بينهما يمكن أن “يقسم العالم إلى كتل جيوسياسية”، كما حدث خلال الحرب الباردة، رغم أن كلا البلدين يقولان إن هذا ليس ما يريدانه.
وتشير الروايات الرسمية للاجتماعات الأخيرة إلى أن الجانبين لا يزالان متباعدين بشأن القضايا الجوهرية، إذ تلقي الصين باللوم على الولايات المتحدة في تدهور العلاقات.
وأعطت إدارة بايدن أولوية لمحاولة تجاوز الاضطرابات الأخيرة لاستعادة قنوات الاتصال، وقال مسؤولون أميركيون إن هذا الجهد هو في جزء منه استجابة لمناشدات من الحلفاء والشركاء الذين يخشون تداعيات الاحتكاك بين القوتين، كما يهدف إلى محاولة تجنب الصراعات غير المقصودة بين الجيشين.
وترى الصحيفة أن المحادثات هدفها إزالة التوترات المتراكمة منذ مطلع العام الجاري، بعد أن أسقطت الولايات المتحدة ما قالت إنه “منطاد تجسس صيني” في فبراير الماضي، إلى جانب لقاء رئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي مع رئيسة تايوان تساي إنج ون في أبريل، متحدياً تحذيرات بكين.
وعزز حادث المنطاد المخاوف في واشنطن بشأن التجسس الصيني، ودفع إدارة الرئيس جو بايدن إلى إلغاء زيارة نادرة لوزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى بكين، فيما رأت الأخيرة في الغضب الذي أثاره المنطاد دليلاً على جهود الولايات المتحدة لاحتواء صعودها كقوة عالمية.
قمة محتملة
وقالت “وول ستريت جورنال” إن من بين أهداف كسر ذلك الجمود، دوافع بكين، بشأن حضورها القمة السنوية لقادة آسيا والمحيط الهادئ، والمقرر عقدها في سان فرانسيسكو نوفمبر المقبل، إذ قال مسؤولون صينيون إن بكين تريد تمهيد الطريق أمام الرئيس الصيني شي جين بينج لحضور التجمع وعقد قمة منفصلة مع بايدن.
وتجري التحركات الدبلوماسية المتجددة بين الولايات المتحدة والصين، على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ قوبلت محاولة الصين تقديم نفسها كصانع سلام في الصراع، بشكوك غربية بسبب علاقات بكين الوثيقة مع موسكو، رغم أن مسؤولين أميركيين وأوروبيين أشاروا في الآونة الأخيرة إلى استعداد الصين للعب دور أكبر في المساعدة على إنهاء الأزمة.
وأدرجت كل من الروايات الصينية والأميركية للاجتماعات في فيينا، الغزو الروسي كأحد أبرز ما جاء في المناقشات، دون تقديم مزيد من التفاصيل.
ورغم التوترات الواضحة بين واشنطن وبكين، فإن الاجتماعات الشخصية هذا الأسبوع تظهر على الأقل أن الدبلوماسية بين قوتين عظميين في العالم بدأت في العودة مجدداً، بعد أن قطعت جائحة فيروس كورونا، الاتصال بالكامل تقريباً لمدة ثلاث سنوات.
كما أن أهم مصدر للتوتر بين البلدين هو قضية تايوان، الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي والتي تطالب بها بكين، ففي حين أن الولايات المتحدة لا تعترف رسمياً بالحكومة في تايبيه، إلا أنها تقدم دعماً عسكرياً للجزيرة.
وترى بكين، أن الدعم الأميركي لتايوان يقترب من انتهاك الترتيب بشأن تايوان والذي تم التوصل إليه، عندما أقامت الولايات المتحدة والصين علاقات دبلوماسية في عام 1979.
وتقول بكين إن أي اعتراف بالحكومة في تايوان أو تشجيع استقلالها سيتجاوز خطوطها الحمراء الأكثر حساسية ويدفع العلاقات بين البلدين إلى منطقة خطرة.
وقُطعت العديد من الاتصالات بين الجانبين مطلع عام 2020، عندما فرضت الصين ضوابط صارمة على الحدود وتوقفت الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين بالكامل تقريباً.
وفي حين أعيد فتح حدود الصين الآن، لا تزال الرحلات الجوية بين الولايات المتحدة والصين قليلة، وقد يلوح في الأفق تحد جديد، حيث تكثف الصين حملة الأمن القومي لمنع الوصول الأجنبي إلى المعلومات التي تعتبرها بكين حساسة.