الانتخابات التركية.. من يفوز بالرئاسة أردوغان أم منافسوه ؟
تدرك أطراف الصراع السياسي في تركيا، حكومة ومعارضة، أهمية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 14 أيار/مايو الجاري، ولاستقطاب أكبر عدد من الناخبين، يقدم كل طرف في برنامجه الانتخابي وعودا تدغدغ طموحاتهم، ما يجعل الاستحقاقات المقبلة مفتوحة على كل الاحتمالات في ظل متغيرات كثيرة داخلية وخارجية.
ويشكك خبراء في الوعود الكبيرة، خاصة التي تطلقها المعارضة لاسيما وأن البلاد لم تختبرها منذ 21 عاما، على عكس الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية المسيطرين على مقاليد الحكم منذ عام 2002، عبر الفوز بجميع الانتخابات منذ ذلك التاريخ.
وأمام واقعية وعود الحكومة بما لا يثير شكوكا شعبية كبيرة، تأمل المعارضة في مجاراة إنجازات ووعود الحكومة عبر حشد جميع أعضاء الأحزاب المنضوية داخل تحالف الشعب (الطاولة السداسية)، بالإضافة إلى رئيسي بلديتي إسطنبول أكرم إمام أوغلو وأنقرة منصور ياواش.
ويتنافس على الرئاسة 4 مرشحين هم: الرئيس أردوغان عن التحالف الجمهوري، وكمال كليتشدار أوغلو عن تحالف الشعب، ومحرم إنجه رئيس حزب البلد، وسنان أوغان مرشح تحالف أتا.
فيما يتنافس في الانتخابات البرلمانية 24 حزبا بواقع 5 تحالفات بالإضافة إلى 151 مرشحا مستقلا. وفي حال لم تُحسم الانتخابات الرئاسية في 14 مايو/أيار الجاري بحصول مرشح على 50% زائد واحد، ستُجرى جولة ثانية في 28 من الشهر نفسه. وتبلغ فترة ولاية كل من الرئيس والبرلمان 5 سنوات.
“قرن تركيا”
برنامج الرئيس أردوغان الذي أعلنه في 11 أبريل/نيسان الماضي، يتضمن مواضيع اقتصادية وسياسية واجتماعية وشبابية، مع تركيز على المواضيع الاقتصادية والمشاريع الكبرى نظرا لما يتعرض له من انتقادات في مجال الاقتصاد.
ووعد أردوغان بالعمل على “رفع حجم التجارة الخارجية إلى تريليون دولار بالتركيز على الإنتاج والاستثمار والتصدير، وجذب 90 مليون سائح، مع إيرادات 100 مليار دولار سنويا بمعدل نمو سنوي 5.5% تزيد من الدخل القومي إلى 1.5 تريليون دولار، ثم إلى 2 تريليون دولار، وبفضل معدلات النمو ستوفر الحكومة 6 ملايين وظيفة جديدة في 5 سنوات، وستخفض معدل البطالة إلى حدود 7%”.
كما يهدف إلى “رفع نصيب الفرد من الدخل القومي إلى 16 ألف دولار سنويا ثم إلى مستويات أعلى، وسيُخرج البلاد من مشكلة التضخم عبر خفضه مجددا إلى خانة الآحاد، مع إنشاء بنك الأسرة والشباب من عائدات الغاز الطبيعي والنفط”، وفقا للبرنامج.
وأكد “عزم الحكومة إنشاء خط قطار فائق السرعة بين العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول. والهدف من بناء خطوط ومشاريع السكك الحديدية الجديدة هو ربط 52 ولاية مع بعضها البعض”.
أردوغان تطرق إلى مسألة النظام الرئاسي الراهن الذي يثير انتقادات المعارضة بالقول إنه “سيعيد هيكلة النظام الرئاسي (الذي حَوَّلَ البلاد إليه بعد أن كان برلمانيا) استنادا لتجربة السنوات الخمس الماضية، وفق الاحتياجات المتغيرة بما يجعله أكثر إسهاما في تحقيق أهداف (رؤية) قرن تركيا”.
وتابع أنه “سيرفع الإنتاج الزراعي إلى 132 مليون طن، والمنتجات البحرية إلى 750 ألف طن، وسيقَّيمون الموارد الطبيعية للبلاد بمنظور مستدام يركز على أهداف التنمية الخضراء ويعزز موقع تركيا عالميا، مع التركيز على تطوير المناطق بناءً على الميزات والفرص المتاحة لها”.
كما أطلق أردوغان وعودا، خلال تجمعات انتخابية وافتتاح مشاريع، منها إعلانه مجانية فاتورة غاز شهرية في البلاد مع ربط غاز البحر الأسود المستخرج بالشبكة الوطنية نهاية شهر رمضان الماضي، وتخصيص 25 مترا مكعبا مجانيا للاستخدام المنزلي لمدة عام، ولاحقا أعلن عن اكتشافات نفطية.
ونالت مناطق الزلازل المدمر، الذي ضرب جنوبي تركيا في 6 فبراير/شباط الماضي، نصيبا كبيرا من وعود أردوغان وأهمها تجهيز وتسليم المنازل المنهارة في أسرع وقت ممكن وهو عام.
وبالفعل تم تسليم أول منازل للقرى الذكية في منطقة نورداغ بولاية غازي عنتاب خلال عيد الفطر الماضي. كما طرح مشروع التحول العمراني لإعادة بناء المنازل المهددة بالزلازل، حيث تعهد بتقديم الحكومة 50% من تكاليف هذه العملية وإقراض بقية المبلغ وتسهيل إعادته خلال سنوات طويلة.
ويكثف التحالف الحاكم حملة إعلامية تذَّكر الشارع التركي بالإنجازات التي تحققت، خاصة المشاريع الاستراتيجية من جسور وطرقات سريعة وصناعات دفاعية، ولاسيما الطائرات بدون طيار والأسلحة المختلفة برا وبحرا وجوا، وإنتاج سيارة “توغ” الكهربائية محلية الصنع.
برنامج المعارضة
أما تحالف الشعب المعارض، الذي يضم 6 أحزاب؛ هي: الشعب الجمهوري، والجيد، والسعادة، ودواء، والمستقبل، والديمقراطي، فقدم في 30 يناير/كانون الثاني الماضي برنامجا انتخابيا يضم 9 عناوين رئيسية و75 عنوانا فرعيا تعد بتغييرات كبيرة عن الوضع الراهن.
ويتألف البرنامج من 240 صفحة، ومن عناوينه الحقوق والعدالة والقضاء، القطاع العام، مكافحة الفساد، الرقابة والشفافية، الاقتصاد والتوظيف، العلوم، التطوير، التحول الرقمي، التعليم السياسات الاجتماعية والسياسة الخارجية.
البرنامج يركز على إلغاء كثير من مشاريع وسياسات أردوغان، بحسب مراقبين، إذ يتضمن بيع الطائرات الرئاسية وعودة إدارة الحكم إلى قصر تشنكايا الرئاسي السابق في أنقرة بدلا عن القصر الذي يستخدمه أردوغان حاليا.
وتحت عنوان الحقوق والعدالة والقضاء، يتضمن البرنامج نقاط أهمها العودة إلى النظام البرلماني وتعزيز صلاحيات البرلمان وسلطاته الرقابية واستعادة الصلاحيات من رئيس الجمهورية ومنها الاتفاقيات الدولية، وسحب صلاحيات الرئيس في النقض على القوانين وحصرها في إعادة القوانين إلى البرلمان للنظر بها.
كما يشتمل على إلغاء صلاحيات الرئيس بإصدار المراسيم الجمهورية، وأن فترة حكمه تمتد 4 سنوات يقطع خلالها علاقته بالحزب الذي ينتمي إليه، وبعد انتهاء حكمه لا يمارس أي عمل سياسي، وكذلك إلغاء صلاحية إصدار قانون الطوارئ من جانب الرئيس وفي حال فرضها برلمانيا تنخفض مدتها من 6 أشهر إلى شهرين فقط.
وتعد المعارضة بإلغاء تعدد نقابات المحامين، وإعادة هيكلة هيئة التلفزيون الرسمي “TRT” ووكالة الأناضول الرسمية لتكون حيادية بحسب قولها، وخفض العتبة البرلمانية لدخول البرلمان إلى 3% (حاليا 7%)، وفتح الطريق أمام دعم الدولة للأحزاب التي تحصل على أكثر من 1% من الأصوات في الانتخابات.
كما تعد بإلغاء مؤسسات أقرها أردوغان وفق النظام الرئاسي الجديد منها إلغاء جميع المؤسسات والمكاتب المرتبطة برئاسة الجمهورية وصلاحياتها ونقلها إلى الوزارات المعنية، وإلغاء صندوق الممتلكات الفردية، وإلغاء مناصب نواب الوزراء ليعود العمل بمناصب المستشارين، وإنهاء حق تعيين الوكلاء القانونيين على البلديات.
وتعتزم المعارضة تقليل الطائرات المخصصة للرئيس، وإيقاف مشروع قناة إسطنبول المائية وتخصيص مواردها لمشاريع زراعية وتعزيز توفير فرص العمل للشباب والنساء، وتعزيز شركات القطاع العام بالصناعات الدفاعية لتكون ذات مواصفات عالمية، ومنها شركات أسيل سان وتوساش، وإلغاء خصخصة شركة إنتاج عجلات وسلاسل الدبابات في ولاية سكاريا (شمال غرب).
كذلك تعهدت المعارضة بإعادة مطار أتاتورك الدولي للطيران في إسطنبول والذي تحوله الحكومة حاليا إلى حديقة وطنية بعد افتتاح مطار إسطنبول الجديد قبل سنوات، وبيع الطائرات الرئاسية لتعزيز أسطول إطفاء الحرائق، وتوزيع الحليب والماء والطعام في المدارس، وتغيير نظام التعليم ليصبح 5 سنوات ابتدائي و4 إعدادي و3 ثانوية بدلا عن 4 سنوات لكل مرحلة حاليا، إلى جانب إلغاء مجلس التعليم الأعلى، ومنح الجماعات الحرية الأكاديمية.
كما وعد كليتشدار أوغلو بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم خلال عامين، وتشكيل فريق اقتصادي مدعوم بخبراء من الخارج، وجلب استثمارات بـ300 مليار دولار، وزيادة الرواتب والأجور.
استكمال المرحلة
وفقا للكاتب الصحفي حمزة تكين، في حديث لـ”الخليج الجديد”، فإن “ملامح برنامج الحزب الحاكم تحمل عناوين استكمال المرحلة الماضية من التنمية والنهضة، فعلى مدى عقدين من الزمن ساهم حزب العدالة والتنمية في تحقيق نقلة نوعية على الأصعدة السياسية والاقتصادية والتنموية والتكنولوجية والتعليمية والصناعية والعسكرية والاستخباراتية”.
وتابع: “بالتالي العنوان العريض للعدالة والتنمية في هذه الانتخابات هو استكمال المشروع التنموي والنهضوي الضخم جدا، حيث يسعى الحزب، بعد فوزه في الانتخابات المقبلة، إلى أن تصبح تركيا ضمن الدول الكبرى الأكثر تقدما والتي لها مكانة متقدمة جدا في النظام العالمي الجديد”.
تكين أردف: “لذلك رفع العدالة والتنمية شعار قرن تركيا، وبالتالي هذا العنوان وهذا الوعد مبني على المرحلة السابقة ويعتمد على البنية الأساسية التي بناها الحزب في المرحلة الماضية”.
واستطرد: “وبالتالي يريد الحزب استكمال هذه النهضة، والدليل على مصداقية الحزب وإمكانية تحقيق هذه العناوين الكبرى هو ما قام به من خطوات وإجراءات على مدى العشرين عاما الماضية”.
تكين ضرب مثالا بـ”الصناعات الدفاعية التي عُرقلت في تركيا على مدى سنوات طويلة جدا، لكن العدالة والتنمية نهض بها ونرى الآن قوتها وتطورها. ومَن حقق هذا النجاح سينجح فيه أكثر وأكثر، والأمر نفسه ينطبق على المجالات الأخرى”.
“عرقلة النهضة”
أما فيما يتعلق ببرنامج المعارضة، فقال تكين إن “أحزاب الطاولة السداسية هاجمت في تصريحاتها الانتخابية العديد من المشاريع التنموية التي نهض بها العدالة والتنمية خلال 20 عاما، ومنها الصناعات الدفاعية والطائرات المسيرة بالتحديد”.
وأردف: “اعتبروا أنه لا فائدة منها، كالجسور الكبرى ومطار إسطنبول الذي ينال كل شهرين أو ثلاثة تقريبا جائزة عالمية، وبالتالي هم ينتقدون هذه النهضة حتى قبل الانتخابات”.
وتابع: هم “مستمرون بنفس الانتقاد، وهدفهم الرئيسي هو عرقلة كثير من المشاريع التنموية، فكثير من الأطراف الخارجية غير راضية عن تطور وتطوير تركيا. مع الأسف إما عن جهل أو عدم إدراك، تعمل بعض أطراف المعارضة على عرقلة نهضة البلاد”.
وأضاف أن “المعارضة تقدم نفسها في برنامجها الانتخابي على أنهم سيبنون تركيا النهضة وسينقذونها من الديكتاتور وينقذون الشعب من وطأة الأزمات الاقتصادية.. وتلك الشعارات ليست معززة ببرامج حقيقية، بمعنى: ماذا ستفعل؟ كيف ستنقذ الشعب؟.. لا توجد إجابات. ما هو البرنامج الاقتصادي؟.. لا توجد إجابة على عكس العدالة والتنمية”.
واستطرد: “لذلك برنامج المعارضة الانتخابي غير واضح المعالم، هي فقط تريد العرقلة وإسقاط الرئيس أردوغان بأي ثمن، هذا هو العنوان العريض للمعارضة وأتوقع أن تفشل في إقناع الشعب ببرنامجها”.
مفاجآت الانتخابات
مقَّيما برنامجي الحكومة والمعارضة، قال الكاتب الصحفي التركي إبراهيم آباك لـ”الخليج الجديد” إن “بيانات الحكومة توضح أن العدالة والتنمية لديه تراكم في الحكم، ورغم خسارته بلديات كبرى في الانتخابات المحلية الأخيرة (إسطنبول وأنقرة)، لكنها كانت بمثابة تحذير له بتراجع الخدمات البلدية وخاصة في المدن الكبرى”.
وأضاف أن “إسطنبول تغيرت نتيجة الازدحامات وخدمات المواصلات (وسائل نقل الركاب) وهي حقيقة ملحوظة دفع الحزب الحاكم فاتورتها، وحاليا زاد الأمر سوءا ما يجعل بيان الحكومة أقوى في هذه الوعود من المعارضة”.
وتابع: “كما أن التعهدات التي أطلقها أردوغان ونفذها بعد الزلازل وفي الصناعات الدفاعية تجعله في موقع أفضل بشأن مصداقية تطبيق البرامج الانتخابية”.
ولفت آباك إلى “وجود مشاكل اقتصادية خلال العامين الماضيين وارتفاع في التضخم، وفي الوقت نفسه يوجد مَن لا يريد أن تواصل الحكومة الحكم، ولكن ما يحمله 14 مايو/أيار يبقى غير معلوم”.
وأردف: “رغم ارتفاع الأسعار الأساسية قبل عام وعامين فإن كل شيء متوفر ولم تحدث فوضى كما في دول أخرى.. مثل زيت عباد الشمس مثلا وارتفاع سعره قبل عام، حيث بات متوفرا بشكل كبير، وبالتالي حاولت الحكومة تلافي هذه الأمور في مسألة أسعار المواد الغذائية، وحاولت كشف أن هناك أطرافا تحاول اللعب على هذا الوتر”.
وبخصوص المعارضة، قال آباك إنها “تعاني من إنجازات الحكومة وقدرتها على تنفيذ الوعود والبرامج هو ما يصعب المهمة على المعارضة، فالخبرات التي تمتلكها الحكومة تجعلها في وضع أفضل وتجعل وعود المعارضة غير قابلة للتنفيذ”.
واستدرك خاتما حديثه بالقول: “رغم ذلك فإن الانتخابات ستكون مفصلية.. نظريا وضع الحكومة أفضل، ولكن المفاجآت هي عنوان الانتخابات التركية دائما”.