مؤتمر ميلكن.. السعودية تبحث عن استثمارات أمريكية لمستقبل ما بعد النفط
قدم حجم الوفد السعودي بالمؤتمر العالمي لمعهد ميلكن الأمريكي في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأمريكية مؤشرا على التزام الحكومة السعودية بتحويل المملكة النفطية إلى اقتصاد متنوع عبر بوابة التقنية المتقدمة، إذ شارك 4 مسؤولين و3 من رجال الأعمال البارزين بندوات المؤتمر الذي استقطب حوالي 3500 مشارك، وانتهى أمس الأربعاء.
وقالت الباحثة بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن، كريستين سميث ديوان، إن النخبة السعودية لا تزال متشككة في القيادة السياسية الأمريكية بعد فترة طويلة من العلاقات المتوترة بين البلدين، إلا أنها لا تزال تريد استثمارات أمريكية، حسبما تقرير نشرته صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” وترجمه “الخليج الجديد”.
وأضافت: “كانت هناك جهود متضافرة للوصول إلى ما وراء واشنطن، من أجل التكنولوجيا، والترفيه. إنهم يريدون جذب المواهب والاستثمارات العالمية وأن يروا أين تتجمع هذه النخب”.
ويعد جذب المستثمرين والمواهب التقنية إلى السعودية أمرًا بالغ الأهمية لأن المملكة تسعى إلى تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030، وهي خطة طموحة لتوسيع القطاع الخاص، وإشراك المزيد من النساء والشباب إلى القوى العاملة، وتطوير الترفيه والسياحة، والابتعاد عن الاعتماد على عائدات النفط الحكومية.
التنويع الاقتصادي
وفي هذا الإطار، قال وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي، فيصل الإبراهيم، خلال المؤتمر: “التنويع الاقتصادي هو التحدي الأكبر الذي نواجهه”، مضيفا: “هذا ما تستهدفه رؤية 2030 بشكل أساسي اليوم (..) لا يزال لدينا المزيد من الطرق لنقطعها”.
وبعد 7 سنوات من التحول الذي روج له ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، يساهم القطاع الخاص بما يزيد قليلاً عن 40% في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، والهدف هو رفع هذا الرقم إلى 65%، بحسب الإبراهيم.
وتدرك المملكة، التي يبلغ عدد سكانها 35 مليون نسمة، أنها لا تستطيع الاعتماد بشكل دائم على عائدات النفط والمنح الحكومية، وتحتاج إلى توفير وظائف في القطاع الخاص لشباب يتزايد عددهم من أجل تحقيق هذا التحول، خاصة أن 63% من السكان تقل أعمارهم عن 30 عامًا.
وفي هذا الإطار، قال الإبراهيم: “لذلك ما نريده [هو] التأكد من.. أننا نستثمر في الشباب بطريقة تستمر في تمكينهم من أن يكونوا قادرين على المنافسة”.
المشروع التكنولوجي الأبرز للسعودية اليوم هو نيوم، وهو مشروع تطوير مستقبلي يقارب حجم بلجيكا في شمال غربي السعودية، ومن المفترض أن يستوعب 9 ملايين شخص.
وتتضمن خطط المشروع إنشاء مدينة يبلغ طولها 106 أميال، على محور طولي واحد، بدون طرق أو سيارات، ومنطقة تصنيع وتكنولوجيا، بالإضافة إلى وجهات سياحية ومحميات طبيعية.
وتقدر الحكومة تكلفة بناء المشروع المجاور للبحر الأحمر بنحو 500 مليار دولار، بتمويل من الحكومة والمستثمرين من القطاعين العام والخاص وغيرهم. ومن المقرر افتتاح سندلة، وهي جزيرة منتجع فاخر في البحر الأحمر، ضمن المشروع، في العام المقبل.
ونوه الأستاذ المساعد في برنامج دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بجامعة تولين، أندرو ليبر، إلى نتائج الجهد الطموح لتحويل اقتصاد المملكة النفطية إلى “حقيبة متنوعة”، مشيرا إلى وجود تحديات أمام جذب الاستثمار الأجنبي.
فقد تم تقليص الاستثمار في جميع أنحاء العالم خلال الوباء ومؤخرًا بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا وارتفاع أسعار الفائدة.
وقالت الباحثة في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، كارين يونج، إن الإدارة الأمريكية “أشارت إلى أن الأبواب مفتوحة، وأن هناك علاقة جديدة ناشئة”، فيما يتعلق بالعلاقة مع السعودية، بعد فترة من التوتر بين البلدين، “وبالتالي فإن هذا يشير إلى مجتمع الأعمال بأنه قد بدأ في التقدم بكامل قوته”.
وينصرف اهتمام الحكومة السعودية بالاستثمار التكنولوجي إلى اتجاهين: فهي تضخ الأموال في شركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة وعلى مستوى العالم، بينما تسعى في الوقت نفسه إلى الاستثمار الأجنبي المباشر.
استثمارات سيادية
وفي هذا الإطار، قام صندوق الاستثمارات العامة السعودي (السيادي) بتحويل 45 مليار دولار إلى صندوق سوفت بانك فيجن التابع لشركة ماسايوشي سون، والذي يمتلك حصصًا في شركة “بايت دانس” المالكة لتيك توك وشركة التكنولوجيا المالية الرائدة “شيم”، التي باعت حصتها في أوبر العام الماضي.
وفي الشهر الماضي، أصدرت سنابل، الذراع الاستثماري لصندوق الثروة السيادية، قائمة باستثماراتها، التي تضمنت أسماء بارزة مثل Peter Thiel’s Founders Fund وAndreesen Horowitz وعملاق الأسهم الخاصة KKR. ومن بين الاستثمارات المباشرة شركة بيرد لصناعة السكوتر في سانتا مونيكا.
ويسعى معهد مبادرة مستقبل الاستثمار السعودي إلى استثمارات بيئية واجتماعية وحوكمة متطورة في جميع أنحاء العالم، حيث تتعرض شبه الجزيرة العربية لمزيد من الحرارة وسط تغير المناخ، وتطور المملكة مصادر الطاقة المتجددة وتقنيات أخرى.
وفي السياق، قال ليبر: “بينما تحتاج الحكومة السعودية إلى استثمارات أجنبية مباشرة لخلق فرص عمل لمواطنيها، فإن أسعار النفط المرتفعة منحتها الكثير من رأس المال للاستثمار خارج البلاد – مع توقع أكثر من مجرد عائد مالي”.
وأضاف: “أعتقد، على المدى الطويل، أن هناك أملًا في أن بعض هذه الاستثمارات التقنية الكبرى التي يحاولون القيام بها الآن يمكن أن تتراجع في النهاية نحو تشجيع نوع من الاستثمار في المملكة العربية السعودية”.