7 مكاسب كبرى من قمة السعودية وايران اليوم
بيان مشترك و3 مشاهد لافتة خلال القمة الدبلوماسية التي جمعت وزيري خارجية السعودية وإيران في العاصمة الصينية ببكين، حملت رسائل عديدة.
رسائل تعكس في مجملها وجود إرادة مشتركة لتدشين صفحة جديدة في علاقات البلدين، تقوم على أسس وقواعد واضحة تضمن استدامة حسن الجوار وتصفير أزمات المنطقة، دعما لأمنها واستقرارها وتعزيز التعاون بين البلدين بما يصب في صالح شعبيهما وشعوب المنطقة.
واستضافت بكين اجتماعا، الخميس، بين وزيري الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان، تنفيذا لاتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية، الذي توصل له البلدان، برعاية صينية، 10 ماس/آذار الماضي، بعد قطيعة دبلوماسية استمرت 7 سنوات.
وكانت السعودية أعلنت في 3 يناير/كانون الثاني 2016 قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران إثر اعتداءات على سفارة الرياض في طهران وقنصليتها في مشهد على خلفية إعدام رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، بعد إدانته بعدة قضايا بينها الإرهاب.
إلا أنه بعد قرابة سبع سنوات من ذلك التاريخ وتحديدا في 10 مارس/آذار الماضي توصل البلدان إلى اتفاق بوساطة صينية، يقضي باستئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات بين البلدين في غضون شهرين.
خارطة طريق تفصيلية
وتنفيذا للاتفاق، تم عقد اجتماع اليوم الخميس بين وزيري خارجية البلدين صدر في ختامه بيان مشترك، تضمن خارطة طريق أكثر تفصيلا لتنفيذ اتفاق 10 مارس/آذار الماضي.
وأكد الجانبان، في بيانهما، أهمية متابعة تنفيذ اتفاق بكين وتفعيله، بما يعزز الثقة المتبادلة ويوسع نطاق التعاون، ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة.
وتم الاتفاق على عدة أمور بين الجانبين وهي :
– اتفق الجانبان على إعادة فتح بعثاتهما الدبلوماسية خلال المدة المتفق عليها ( شهرين بدأت في 10 مارس/آذار الماضي)، والمضي قدماً في اتخاذ الإجراءات اللازمة لفتح سفارتي البلدين في الرياض وطهران، وقنصليتيهما العامتين في جدة ومشهد.
– اتفق الجانبان على مواصلة التنسيق بين الفرق الفنية في الجانبين لبحث سبل تعزيز التعاون بين البلدين بما في ذلك استئناف الرحلات الجوية، والزيارات المتبادلة للوفود الرسمية والقطاع الخاص، وتسهيل منح التأشيرات لمواطني البلدين بما في ذلك تأشيرات العمرة.
– عبر الجانبان عن تطلعهما إلى تكثيف اللقاءات التشاورية، وبحث سبل التعاون لتحقيق المزيد من الآفاق الإيجابية للعلاقات بالنظر لما يمتلكه البلدان من موارد طبيعية، ومقومات اقتصادية، وفرص كبيرة لتحقيق المنفعة المشتركة للشعبين الشقيقين.
– أكد الجانبان استعدادهما لبذل كل ما يمكن لتذليل أي عقبات تواجه تعزيز التعاون بينهما.
– اتفق الجانبان على تعزيز تعاونهما في كل ما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وبما يخدم مصالح دولها وشعوبها.
– أكد الجانبان حرصهما على بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية، وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني بين البلدين، الموقعة في 17 أبريل/نيسان 2001، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة في 27 مايو/أيار 1998.
شكر ودعوات متبادلة
وفي ختام الاجتماع، عبر الجانبان عن شكرهما وتقديرهما للجانب الصيني على استضافة هذا الاجتماع، كما عبّر الجانبان عن شكرهما للحكومة السويسرية لمساعيها وجهودها المقدرة لرعاية المصالح السعودية والإيرانية خلال فترة القطيعة الدبلوماسية.
وجدد الأمير فيصل بن فرحان، وزير خارجية المملكة العربية السعودية، الدعوة الموجهة لنظيره الإيراني، لزيارة المملكة وعقد اجتماع ثنائي في العاصمة الرياض.
من جانبه رحب وزير الخارجية الإيراني بالدعوة، ووجه للأمير فيصل بن فرحان دعوة لزيارة بلاده وعقد اجتماع ثنائي في العاصمة طهران، ورحب هو الآخر بالدعوة.
بيان تضمن نقاطا مهمة بالجملة ترسم خارطة ليس فقط لاستئناف العلاقات الدبلوماسية، بل تطويرها وتعزيزها على مختلف الأصعدة الأمنية والاقتصادية والتجارية، في إطار تعاون بناء يصب في صالح جهود التنمية والازدهار والاستقرار في البلدين والمنطقة.
3 مشاهد لافتة
استبق صدور البيان 3 مشاهد لافتة وعدة مؤشرات كانت تنبئ بنجاح الاجتماع في تحقيق أهدافه، وهو ما توج بالفعل بصدور هذا البيان الهام.
وجمع وزيرا خارجية البلدين 3 مشاهد لافتة خلال الاجتماع، أولها كان خلال الاجتماع الثنائي الذي جمعهما، وظهر خلاله تبادل الابتسامات والترحاب الكبير وتبادل الأحاديث الودية التي تعكس وجود علاقات صداقة.
وظهر في مقطع فيديو تم بثه للقاء الثنائي، وزير الخارجية الإيراني متحدثا لنظيره السعودي كـ”صديق مقرب”، ليشكو له من طول الرحلة التي قطعها من طهران إلى العاصمة الصينية بكين.
إلا أن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أجاب عليه بأن “الرحلة بين الرياض وطهران تستغرق ساعتين فقط”، في قراءة تعكس بدورها قرب عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وعودة رحلات الطيران لاحقا.
المشهد الثاني كان خلال الاجتماع الموسع الذي ضم وفدي البلدين عقب الاجتماع الثنائي، والذي سادته أيضا أجواء ودية، ظهرت فيه الابتسامة التي لم تفارق وجوه وفدي البلدين خلال الاجتماع.
المشهد الثالث، كان خلال الصور التذكارية التي جمعت وزيري خارجية البلدين مع نظيرهما الصيني تشين قانغ والذي وضع فيها كل وزير كلتا يديه مع الآخر لتجتمع أياديهم معا فوق بعضها البعض، في صورة تعطي رسالة عن تدشين عهد جديد في تاريخ علاقات البلدين بوساطة صينية.
مؤشرات مهمة
وثمة مؤشرات عدة تنبئ بسعي البلدين بشكل حثيث في إنجاح الاتفاق الذي تم التوصل إليه، الأمر الذي يصب في صالح دعم أمن واستقرار وازدهار البلدين والمنطقة.
أول تلك المؤشرات عقد اجتماع الخميس بعد أقل من شهر من التوصل لاتفاق بكين، وهو ما يعكس النوايا الصادقة لتسريع تنفيذ بنوده، وبحث إزالة أية معوقات وعراقيل تقف في طريق تنفيذه، تمهيدا لفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين البلدين تقوم على الالتزام بمبادئ ومقاصد ميثاقي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والمواثيق والأعراف الدولية، وعلى رأسها احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها بما يعزز السلم والأمن الإقليمي والدولي.
ثاني تلك المؤشرات هو تمهيد الأجواء لعقد هذا الاجتماع عبر 3 اتصالات هاتفية جرت بين وزيري خارجية البلدين خلال الأيام القليلة الماضية، وضعت قواعد وأسسا ومبادئ عامة لهذا الاجتماع، تزامنت مع لقاءات عدة جمعت سفراء البلدين في دول عدة على موائد الإفطار.
ثالث تلك المؤشرات صدور بيان مشترك عن الاجتماع يتضمن بنودا وآليات واضحة لتنفيذ اتفاق بكين باستئناف العلاقات، أما رابع تلك المؤشرات فهي السياسة السعودية الحكيمة الهادفة لدعم وأمن واستقرار المنطقة، وتصفير الخلافات.
وأجرى الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي اتصالاً هاتفياً 28 ماس/آذار الماضي بالرئيس الصيني شي جين بينغ، أعرب خلاله عن تقدير المملكة للمبادرة الصينية لدعم جهود تطوير علاقات حسن الجوار بين المملكة وإيران.
جرى خلال الاتصال التأكيد على أهمية العلاقات الاستراتيجية التي تجمع بين السعودية وجمهورية الصين الشعبية.
ولطالما وصفت القيادة السعودية إيران بأنها “جارة للأبد”، وأكدت أهمية التعاون معها، شريطة تغيير سلوكها.
وسبق أن قال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، خلال الخطاب الملكي السنوي أمام مجلس الشورى في ديسمبر/كانون الأول 2021، إن إيران دولة جارة للمملكة، ونأمل أن تغير من سياستها وسلوكها السلبي في المنطقة، وأن تتجه نحو الحوار والتعاون.
في السياق نفسه، قال الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء، في تصريحات له في مارس/آذار 2022، عن إيران: “إنهم جيراننا، وسيبقون للأبد، ليس بإمكاننا التخلص منهم، وليس بإمكانهم التخلص منا، لذا فإنه من الأفضل أن نحل الأمور، وأن نبحث عن سُبل لنتمكن من التعايش”.
وكشف آنذاك عن مناقشات جارية بين البلدين للوصول لسبل التعايش، معربا عن أمله الوصول “لموقف يكون جيدا لكلا البلدين، ويشكل مستقبلا مشرقا للسعودية وإيران”
المؤشر الخامس هو الترحيب الإقليمي والدولي الواسع بالاتفاق. وسبق أن رحبت الأمم المتحدة باتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإيران، وصدرت بيانات من دول عدة ترحب بالاتفاق.
وأعرب المجلس الوزاري الخليجي في اجتماع 22 مارس/آذار الماضي عن أمله أن يشكل هذا الاتفاق خطوة إيجابية لحل الخلافات وإنهاء النزاعات الإقليمية كافة بالحوار والطرق الدبلوماسية، وإقامة العلاقات بين الدول على أسس التفاهم والاحترام المتبادل وحسن الجوار واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والالتزام بميثاقي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والقوانين والأعراف الدولية.
مكاسب بالجملة
تطبيق بنود الاتفاق على أرض الواقع، يعني تحقيق مكاسب بالجملة للبلدين والمنطقة والعالم، شريطة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، والذي يأتي على رأسه “احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”، و”بذل كافة الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي”.
وعلى الرغم من أن الطريق لتنفيذ الاتفاق ليس مفروشا بالورود، وستواجهه العديد من العوائق، إلا أن توافر النوايا الصادقة والإرادة الصلبة والرغبة المشتركة في بدء صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين البلدين، يمكن أن يزيل هذه العوائق، وتوفير فرصة للبلدين والمنطقة جني مكاسب الاتفاق، ومن أبرزها:
– تحسين العلاقات بين السعودية وإيران سيسهم في خفض أجواء التوتر في المنطقة وحل القضايا العالقة عبر الطرق الدبلوماسية وترسيخ مفاهيم حسن الجوار، الأمر الذي سيسهم في دعم أمن واستقرار المنطقة وتصفير الخلافات بها.
– عودة العلاقات بين البلدين ستسهم في تقريب وجهات النظر في القضايا المتباينة، وترجيح الحلول الدبلوماسية السلمية لأزمات المنطقة وعلى رأسها الأزمة اليمنية.
– ستسهم تلك الخطوة في دعم الاستقرار في العديد من الدول التي كانت تتأثر بخلافات البلدين.
– سيسهم مناخ حسن الجوار في استقطاب المزيد من الاستثمارات للمنطقة، بما يسهم في نشر الرخاء والازدهار في دول المنطقة.
– ترسل تلك الخطوة رسالة أمل للعالم حول أهمية تعزيز الحوار وإرساء السلام في توقيت يموج بالصراعات، لا سميا على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية التي دخلت عامها الثاني، وتلقي بتداعياتها على العالم أجمع.
– تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والتنموي بين دول المنطقة وإيران بما يصب في صالح ازدهار ورخاء شعوب دول المنطقة.
– نجاح وساطة الصين ترسل برسالة مهمة للمنطقة والعالم عن الدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه بكين في دعم الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، في عالم أضحت فيه تعددية الأقطاب أمرا لا رجعة عنه.