“سيناء خالية من الإرهاب”.. المقاربة المصرية بين الواقع والمأمول

أكدت إشارات ألمح إليها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أثناء تكريمة لجنود ومقاتلي شرق القناة لمكافحة الإرهاب،

قدرة أجهزة الأمن المصرية في مواجهة جماعات العنف والتطرف، ليس ذلك فقط ولكن قدرة الدولة عبر المقاربة الأمنية والفكرية معًا في تفكيك منظومة الإرهاب التي ضربت البلاد خلال العقد الأخير.

وظهر الرئيس السيسي قبل أيام قليلة مع الضباط والجنود المتمركزين في شرق قناة السويس بصحبة عدد من شيوخ القبائل السيناوية ليُعلن قرب إعلان سيناء خالية من الإرهاب في احتفال كبير، ووجه الشكر خلاله لكل الضباط والمقاتلين ولأهالي سيناء ولكل الشعب المصري الذي وقف بجوار الدولة في هذه الحرب.

كما أكد الرئيس المصري أثناء لقاء عددا من مقاتلي وقيادة قوات شرق القناة لمكافحة الإرهاب ومقاتلي الجيشين الثاني والثالث الميدانيين في الأول من إبريل/نيسان الجاري أن الاحتفال القادم سوف يخصص بالإعلان عن سيناء خالية من الإرهاب، وأنه لن يكون احتفالًا رسميًا ولكنه سوف يكون احتفالًا شعبيًا بانتصار المصريين جميعًا.

وعد سلط الضوء للحديث على المقاربة المصرية في مواجهة جماعات العنف والتطرف، وحجم الجهود التي بذلتها الدولة في هذا السياق، فضلًا عن إمكانية استنساخ التجربة المصرية لمواجهة جماعات العنف والتطرف الذي ضرب أغلب دول العالم، واستدعى قراءة تفاصيل المشهد المصري بعد الإعلان عن خلو سيناء من تنظيم داعش الأكثر تطرفًا.

طبيعة الإرهاب في سيناء
خاضت الدولة في مصر حربًا ضد جماعات العنف والتطرف بعد العام 2013، فواجهت الدولة هذه التنظيمات في كل المحافظات المصرية بلا استثناء، وكان في مقدمتهم الجزء الشمالي من المحافظة الحدودية سيناء، وكما أبلت أجهزة الأمن بلاء حسنا في مواجهة هذه التنظيمات في هذه المحافظة، فقد كان أداؤها لا يقل براعة في مواجهة هذه التنظيمات في سيناء عن أدائها في مواجهة باقي هذه التنظيمات في باقي محافظات الدلتا.

ربما كانت الطبيعة الجغرافية أحد الأسباب التي دفعت تنظيم ما يُسمى “أنصار البيت المقدس” للتمركز في محافظة شمال سيناء؛ إما وسط مزارع الزيتون التي تبلغ مساحتها قرابة 20 كيلومترا أو في الأنفاق تحت الأرض التي تملأ سيناء، وهو ما كان يُصعب المعركة على أجهزة الأمن؛ فهؤلاء المتطرفون كانوا ينتشرون وسط الأهالي، فهدف أجهزة الأمن الأول والأخير هو الحفاظ على المدنيين، وكانت تراعي هذه الأجهزة ما بين ضرورة مواجهة الإرهاب والإرهابيين وحتمية الحفاظ على المدنيين.

ولعل سياسة هؤلاء المتطرفين الذين تمركزوا قبل العام 2011 في جبل الحلال، وبالتالي كانت القوات الجوية تقوم باستهدافهم عبر الضربات الجوية، فضلًا عن العمليات الخاصة، ويبقى أن مسرح العمليات في الصحراء التي كانوا يتواجدون فيها سمح لأجهزة الأمن باستهدافهم، ولكنهم بعد العام 2013 قاموا بتغيير استراتيجيتهم حيث تواجدوا وسط الأهالي، اتخذوا من الأسر السيناوية جدارًا بشريًا هدفه تعريض حياة هؤلاء المدنيين للخطر وحتى يوقفوا عمليات استهدافهم!

وقام تنظيم أنصار بيت المقدس الموجود في سيناء بعد ثورة 30 يونيو/حزيران عام 2013، بدعم جماعة الإخوان الإرهابية، كما قام أيضًا بإعلان مبايعته لتنظيم داعش الذي نجح في إقامة دولة له في الرقة والموصل في 29 يونيو/حزيران من العام 2014.

ولعل أحد قيادات جماعة الإخوان الإرهابية، محمد البلتاجي، ترجم هذه العلاقة عندما قال في لقاء مصور في العام 2013 أثناء اعتصامه بميدان رابعة العدوية، سوف يتوقف الإرهاب في سيناء في نفس اللحظة التي سوف يعود فيها الرئيس المعزول محمد مرسي للسلطة، وهو ما يؤكد أن التنظيم كان مناصرًا للإخوان وليس لبيت المقدس، كما جاء في كنيته.

قدرة الأمن على تفكيك الإرهاب في سيناء
يتواجد في محافظة شمال سيناء قرابة 11 تنظيمًا متطرفًا، اتحدت فيما بينها على مواجهة الدولة والشعب المصري في سيناء من خلال ما تم إعلانه من مجلس شورى أكناف بيت المقدس، وبدأت كل هذه التنظيمات تعمل في تنسيق تحت دعم جماعة الإخوان الإرهابية، سواء عبر صور الدعم اللوجستي أو الغطاء السياسي الذي وفرته جماعة الإخوان الإرهابية لهم أو عبر دعمهم من خلال المنصات الإعلامية التي كانت تصف هذه التنظيمات بأنها معارضة مسلحة وليست متطرفة.

مواجهة التنظيمات التكفيرية استمرت 10 سنوات كاملة، بدأت منذ اللحظة الأولى للثورة الشعبية في العام 2013 وحتى العام 2023، المتوقع أن يشهد احتفالًا بالانتصار على الإرهاب في هذه البقعة الطاهرة من الوطن، استخدمت في هذه المعركة كل الأسلحة من أجل إضعاف التنظيمات المتطرفة تمهيدًا للقضاء عليها تمامًا في ظل الدعم الذي كان يُقدم لها من قبل أجهزة استخبارات أجنبية كانت تُريد أن تظل الفوضى باقية داخل البلاد.

ونجحت أجهزة الأمن والمعلومات في رصد كل تحركات التنظيمات المتطرفة في سيناء، فضلًا عن عمليات الرصد التي استهدفت قيادة هذه التنظيمات، وتم التنسيق بين كل الأجهزة الأمنية العاملة في سيناء سواء كانت الشرطة الداخلية الموجودة في الكمائن والارتكزات أو القوات المسلحة التي تعمل على تأمين مداخل ومخارج المحافظة، فضلًا عن تواجدها في عدد من الكمائن وسط المحافظة، كما تم التنسيق بين الأفرع العاملة في كل جهاز أمني، بعدها تم الإعلان عن العملية الشاملة سيناء 2018، وها هي الدولة الآن تُحصد ثمار التنسيق والتضحيات التي قدمتها.

ولم يعد للتنظيمات المتطرفة في سيناء أي وجود واختفت العمليات الإرهابية داخل المحافظة، نظرًا لقتل العدد الأكبر من هذه القيادات، فلم يبق غير خلايا خاملة غير نشطة، يصل الأمن المصري إليها ويعمل على تفكيكها، وهي غير قادرة وغير مؤهلة في نفس الوقت في تنفيذ أي عمل إرهابي.

سيناء خالية من الإرهاب
الإشارات التي ألمح إليها السيسي كانت واضحة بخصوص نجاح الدولة في مواجهة جماعات العنف والتطرف، ولعل الرسالة وصلت بنجاح أجهزة الأمن في المهمة التي كلفهم بها الرئيس قبل 10 سنوات، من واقع التقارير التي ترفع من المحافظة والأجهزة العاملة فيها بخلوها من كل أشكال العنف، بعدما توقفت الحياة في السابق بسبب هؤلاء المتطرفين.

وتم القضاء على هؤلاء المتطرفين في سيناء فعادت الحياة إليها من جديد، ولعل الدولة قدمت نموذجا حيا من تجربة باتت مضيئة أمام العالم بأكمله، بل باتت مصدر إلهام لكل من يُريد أن يواجه الإرهاب، ولعل الاحتفال لم يقتصر على سيناء وإنما على مصر بأكملها، فسوف يتم الاحتفال بمصر خالية من الإرهاب.

ونجحت أجهزة الأمن المصرية في تفكيك التنظيمات المتطرفة في سيناء وأيضُا في تفكيك الخلايا المنتشره في باقي المحافظات المصرية، هذا النجاح لابد أن يوازيه أدوار أخرى تقوم بها باقي المؤسسات المعنية بالمواجهة الفكرية، بحيث تكون مواجهة الأفكار المؤسسة تسير جنبًا إلى جنب بجوار مواجهة التنظيم حتى تغيب هذه التنظيمات عن الوجود.

ورغم ذلك نجحت الدولة في مصر في أن تسير كل المؤسسات في عملها تجاه المواجهة، فقامت المؤسسة الدينية بتفكيك أفكار هؤلاء المتطرفين، كما قامت المؤسسة التعليمية بإصلاح التعليم وتقديم ما يمكن أن يُساعد في تفكيك أفكار هؤلاء المتطرفين مع تجديد الخطاب الثقافي والتأثير في تهذيب مشاعر النّاس من خلال الدراما والفن عمومًا.

هذه الرؤية هي الأهم ربما في المستقبل، فبعد تفكيك التنظيمات المتطرفة، لابد أن يكون المشروع مركزًا على تفكيك ما تبقى من أفكار هؤلاء المتطرفين، ولذلك تعميق المقاربة لابد أن يكون من خلال تفكيك الأفكار المؤسسة للعنف بكل صوره وأشكاله.

وبات الواقع جميلًا والمأمول لابد أن يكون أجمل باستمرار هذه المواجهة حتى تقضي على الأفكار التي قد تظل مختبئة في عقول البعض من هؤلاء الذين يُشكلون خطرًا، فهم إرهابيون محتملون بسبب الأفكار التي يؤمنون بها، وهنا تبدو أهمية الوصول لهم ولأفكارهم والعمل على تفكيكها.

استنساخ التجربة المصرية في مواجهة الإرهاب
مصر لها تجربتان رائدتان في مواجهة الإرهاب، التجربة الأولى في تسعينات القرن الماضي، حيث نجحت الدولة في القضاء على كل ما يُعرف وقتها بالجماعة الإسلامية “المسلحة” وتنظيم الجهاد الإسلامي “المسلح” وكل منهما رفع السلاح على الدولة والمواطنين.

وواجهت الدولة هذين التنظيمين ورفضت أن تدخل معهما في تفاوض، فقد كانت سياسة الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك، لا تفاوض مع من تلوثت أيديهم بالدماء، وهنا جاءت المواجهة وحدث التطهير من هذه التنظيمات، ثم نجحت الدولة عبر أجهزتها بعد إلقاء القبض على عناصر هذين التنظيمين في رعاية المراجعات الفكرية والفقهية لهؤلاء المتطرفين داخل السجون.

ولا شك أن ثراء التجربة الأولى للدولة المصرية في مواجهة الإرهاب ساعد في نجاح تجربتها الثانية في مواجهة التنظيمات المتطرفة بعد العام 2013، مصر لها تجربة وخبرة في مواجهة هذه التنظيمات، عجل بنجاح المواجهة الثانية، بل وجعل مصر دائمًا تقدم الخبرة والنصحية والدعم لكل من يُريد أن يواجه الإرهاب شرقًا وغربًا.

وهنا تبدو أهمية الاستفادة من هذه التجربة دوليًا، النجاح الذي حققته مصر بمعركتها في مواجهة الإرهاب يدعو لتأمل هذه التجربة والعمل على تحقيق أقصى اسنتفادة منها، بل واستنساخها بالصورة التي تخدم كل من يحتاج إليها.

ولابد أن يكون للمجتمع الدولي بمؤسساته مثل الأمم المتحدة دور في رعاية التجارب الناجحة في مواجهة الإرهاب، كما لابد أن تقوم بأخذ ما يُناسب منها ويوضع ضمن استراتيجية للمواجهة تُناسب بقية دول العالم وتراعي ظروف الدول سواء العربية أو غير العربية نظرًا لعمق وقوة وعظمة التجربة المصرية في مواجهة الإرهاب في سيناء أو باقي محافظات الدلتا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى