البيت الأبيض يخفف لهجته تجاه الصين عشية قمة شي وبوتين
خفف البيت الأبيض من حدة خطابه بشأن إمكانية تزويد الصين روسيا بمساعدات عسكرية حاسمة قصد استخدامها في أوكرانيا، بحسب ما نقلت شبكة “NBC NEWS” الأميركية عن مسؤولين في الإدارة الأميركية.
وجاءت الخطوة ضمن جهود واشنطن للحد من التوترات المتصاعدة مع بكين، خاصة قبل اللقاء المرتقب بين الرئيس الصيني شي جين بينج ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، بحسب 4 مسؤولين حاليين في الإدارة الأميركية و3 مسؤولين سابقين، من دون أن تكشف الشبكة عن هوياتهم.
وقال مسؤولون إن أحد المخاوف التي دفعت واشنطن إلى اعتماد نبرة أكثر ليونة أن الخطاب الأكثر حدة تجاه الصين بشأن هذه القضية قد يأتي بنتائج عكسية في هذه اللحظة، إذ قد يدفع الرئيس الصيني إلى زاوية يشعر فيها بأنه مضطر لإرسال مساعدات “فتاكة” إلى روسيا، بدلاً من ردعه عن اتخاذ هذه الخطوة.
وقال أحد مسؤولي الإدارة: “لا نريد دفع الصين إلى طريق مسدود”.
وبعد شهر من إعلان واشنطن للمرة الأولى عن معلومات استخباراتية تشير إلى أن الصين تفكر في إرسال أسلحة إلى روسيا، يقول البيت الأبيض إن الولايات المتحدة لم تشهد أي إشارات تشير إلى أن الصين قررت القيام بذلك. ولكن في الوقت ذاته، لا توجد أي إشارات أيضاً إلى أن شي أزال الفكرة من الطاولة، وفقاً للبيت الأبيض.
مخاوف من إحراج شي
وأثار الاجتماع المنتظر بين بوتين وشي في موسكو مخاوف لدى إدارة بايدن من أنه قد يؤدي إلى اتخاذ الصين خطوة نحو المساعدة في تسليح روسيا، من خلال تزويد موسكو بالأجزاء التي تحتاجها لتسريع قاعدتها الصناعية العسكرية، وفقاً للمسؤولين.
واضطرت روسيا إلى استخدام أشباه موصلات مأخوذة من غسالات الصحون والثلاجات لإصلاح معداتها العسكرية المعطوبة في أوكرانيا، بعدما قيدت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى تصدير أشباه الموصلات والمكونات الإلكترونية الأخرى المصممة للاستخدام العسكري لروسيا على خلفية غزوها لأوكرانيا.
ويشعر مسؤولو الإدارة بالقلق من أن الصين يمكن أن تقدم لروسيا مساعدة مثل تلك الرقائق، وفقاً للمسؤولين.
وقال مسؤولون إن جزءاً من استراتيجية البيت الأبيض في محاولة تخفيف حدة الخطاب حول إمكانية نظر الصين في إرسال أسلحة لروسيا يتضمن قراراً من كبار المسؤولين، بعد بعض النقاش الداخلي، بعدم الكشف علناً عن المعلومات الاستخباراتية التي تقول الولايات المتحدة إنها يجب أن تدعم هذا الادعاء.
وأضافوا أن الإدارة قد تقرر رفع السرية عن المعلومات الاستخباراتية ونشرها في وقت لاحق، لكن التركيز في الوقت الحالي ينصب على محاولة خاصة لإقناع الصين بعدم تزويد روسيا بمساعدات فتاكة.
وقال مسؤول كبير سابق في الإدارة إن “هناك شعوراً بأن الإعلان عن ذلك سيجعل شي في موقف حرج، وسينتهي به الأمر إلى توفير الأسلحة ببساطة حتى لا يبدو ضعيفاً”.
فبعد إصدار تحذيرات صارمة للصين في البداية من تزويد روسيا بالمساعدات الفتاكة، بما في ذلك التهديد بالانتقام بفرض عقوبات اقتصادية، يتخذ كبار المسؤولين في الإدارة الآن تكتيكاً عاماً أكثر اعتدالاً.
نبرة جديدة
ويتضمن نهج التراجع هذا أن الإدارة لا تعتقد أن من مصلحة الصين توفير الأسلحة، ورفض المسؤولون الخوض في التفاصيل حول كيفية رد الولايات المتحدة إذا حدث ذلك.
ففي الشهر الماضي، على سبيل المثال، رد جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، على أسئلة حول احتمال قيام الصين بتزويد روسيا بالأسلحة من خلال توضيح أنه “ستكون هناك عواقب” مع مناشدة بكين عدم اتخاذ مثل هذه الخطوة.
وتحدث وزير الخارجية أنتوني بلينكن بنبرة مماثلة وتعهد برد أميركي صارم.
وقال بلينكن: “لن نتردد في استهداف الشركات أو الأفراد الصينيين الذين ينتهكون عقوباتنا أو يشاركون بطريقة أخرى في دعم المجهود الحربي الروسي”.
لكن كيربي عندما سئل مؤخراً عن رد أميركي محتمل إذا زودت الصين روسيا بأسلحة لأوكرانيا قال: “لا أعتقد أن من المفيد في الوقت الحالي افتراض العواقب التي قد تترتب على ذلك”.
وأشار إلى أن بلينكن “تحدث عن حقيقة أنه ستكون هناك تداعيات”، وأضاف: “أعتقد أن هذا ربما يكون أفضل إذا تركنا الأمر عند هذا الحد”.
ويأتي هذا التحول في اللهجة بعد أسابيع من التصريحات العدائية المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين بعد أن حاول الرئيس جو بايدن إصلاح العلاقات المتوترة من خلال الاجتماع مع شي في نوفمبر الماضي.
توتر متصاعد
ومع ذلك، بدأت التوترات تتصاعد بشكل كبير، عندما أطلقت الصين منطاداً تشتبه الولايات المتحدة في أنه للتجسس أوائل الشهر الماضي، ما دفع بلينكن إلى إلغاء رحلة مخطط لها إلى بكين في الوقت الذي كان من المقرر أن يغادر فيه، وبلغ ذلك ذروته بعد أسبوعين باتهام البيت الأبيض العلني بأن الصين تفكر في تقديم مساعدات فتاكة لروسيا لاستخدامها في أوكرانيا.
وقال مسؤولون إن الإدارة لا تزال تأمل إصلاح العلاقات المتوترة للغاية منذ أشهر.
وأوضح مسؤول ثانٍ في الإدارة: “نريد أن نحاول إيجاد أساس أفضل لهذه العلاقة”.
وذكر مسؤولون أنه إذا كانت الصين ستزود روسيا بمساعدات فتاكة، فمن الصعب أن نرى كيف يمكن أن تتحسن العلاقات في أي وقت قريب.
ورد متحدث باسم مجلس الأمن القومي على طلب من “NBC NEWS” للتعليق بالإشارة إلى تعليقات كيربي للصحفيين، الجمعة، عندما أكد مجدداً أن الإدارة لا تزال قلقة من أن الصين يمكن أن تزود روسيا بالأسلحة، لكنه لم يرَ أي مؤشرات على اتخاذ قرار.
وقال كيربي أيضاً قبل اجتماع بوتين وشي إن أي اقتراح من الصين لإنهاء الحرب الأوكرانية يخرج من تلك المحادثات يجب أن يقابل بالشك، واصفاً الخطة المكونة من 12 نقطة، التي طرحتها بكين مؤخراً، بأنها “أحادية الجانب” من حيث أنها تفيد موسكو.
مكالمة بايدن وشي
ويأتي اجتماع شي مع بوتين المرتقب في الوقت الذي لم تتأكد فيه خطط بايدن لإجراء مكالمة هاتفية مع الرئيس الصيني.
ومر أكثر من شهر منذ أن قال بايدن إنه يتوقع التحدث مع شي وأنهما “سيصلان إلى نتيجة” بشأن حادثة المنطاد، لكن كيربي قال، الجمعة، إنه لم يتم تحديد موعد لإجراء أي مكالمة وإن الجهود الرامية إلى إجراء مكالمة لم تبدأ بعد، لكنها قد تكون في الأيام المقبلة.
وكانت بكين قد اتهمت إدارة بايدن بالمبالغة في رد الفعل فيما يتعلق بحادث المنطاد. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينج إن الولايات المتحدة تنشر “معلومات مضللة” من خلال اتهام الصين بالتفكير في إرسال أسلحة إلى روسيا، ووصفها بالنفاق بالنظر إلى الدعم العسكري المقدم من إدارة بايدن لأوكرانيا.
وقالت الصين أيضاً إن الولايات المتحدة تسير على طريق “الخطر” من خلال عرض صفقة غواصة تعمل بالطاقة النووية بمليارات الدولارات مع أستراليا والمملكة المتحدة كجزء من محاولة للتصدي للصين في المحيطين الهندي والهادئ.
كما وجّه شي نفسه انتقاداً علنياً ومباشراً نادراً للولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، وقال إن “الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة نفذت احتواء وتطويقاً وقمعاً شاملاً للصين”.
ومع ذلك، فإن تخفيف حدة الخطاب قد لا يكون له تأثير كبير على شي، حسبما قال فيكتور تشا، نائب الرئيس الأول لآسيا وكوريا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره واشنطن العاصمة.
وقال تشا: “بغض النظر عما تقوله الولايات المتحدة، فإن شي سيفعل ما يريد القيام به بعد هذا الاجتماع المقبل (مع بوتين)”.