ميدل إيست مونيتور: انضمام السعودية لـ بريكس يعنى نهاية البترودولار
رجح تحليل لموقع “ميدل إيست مونيتور” البريطاني، أنه في حال قبول عضوية السعودية في مجموعة “بريكس” الاقتصادية فسيُنظر إلى هذه الخطوة كضربة قوية للدولار الأمريكي ونهاية لسياسة إعادة تدوير “البترودولار”.
ولفت محمد حسين، في تحليل للموقع ، إلى أنه قبل نصف قرن كان الدولار والعملات البارزة الأخرى مدعومة بالذهب، وكان ذلك الأصل الآمن والمستقر إلى حد كبير من التقلبات والانهيارات الشديدة.
كان ذلك حتى فك الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون ارتباط الدولار بالذهب عام 1971، في خطوة ضمنت تفوق واشنطن في الاقتصاد العالمي على الأقل حتى الآن، بحسب حسين.
وتابع: “جزء كبير من هذا النظام وهيمنة واشنطن عليه، بالطبع، كان “البترودولار”، أي الدفع عالميا بالدولار لشراء النفط من السعودية والدول الأخرى الأعضاء بمنظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، وذلك عبر اتفاقية أبرمتها واشنطن والرياض في 1974”.
وبيّن أن هذه الصفقة لم تؤمن الدفاع العسكري للسعودية عبر ضمانات من الولايات المتحدة فحسب، بل ضمنت أيضا شراء الرياض لسندات الخزانة الأمريكية والديون، وهي استراتيجية لإعادة تدوير “البترودولار” إلى واشنطن عبر احتياطيات الدولة الخليجية.
عملات محلية
لذلك عندما تم الكشف العام الماضي، كما أضاف حسين، عن أن السعودية تفكر في تداول نفطها مع الصين باليوان، لم يكن ذلك بالأمر الهين أو التحول الطفيف، لكن محليين مؤيدين للغرب قللوا من الأمر باعتباره مجرد لفتة رمزية أو تكتيك للضغط على واشنطن أو إرسال رسالة سياسية.
وأردف أن بعد مرور عام تقريبا، يبدو أن المملكة جادة في تلك النوايا المحتملة، فخلال مؤتمر دافوس في يناير/ كانون الثاني الماضي، كشف وزير المالية السعودي محمد الجدعان عن استعداد الرياض للتداول ليس باليوان فحسب، بل بمجموعة متنوعة من العملات الأخرى.
كما أبرم حلفاء آخرون للولايات المتحدة، مثل الهند وباكستان والإمارات، صفقات مع روسيا أو الصين لدفع ثمن النفط أو سلع أخرى بعملاتهم المحلية، وفي فبراير/ شباط 2023 أعلن العراق أنه يخطط لتنظيم التجارة الخارجية مع بكين باليوان.
مقامرة أمريكية
واعتبر حسين أن قرارات تلك الدول، المتوقع أن ينضم إليها عدد كبير قريبا، مثلت تحولا كبيرا نحو نظام نقدي عالمي أكثر لامركزية بعديا عن الدولار، ويرجع ذلك أساسا إلى سوء تقدير كبير من واشنطن في عقوباتها الشديدة ضد روسيا في بداية غزوها لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022.
وأوضح أنه يبدو أن الولايات المتحدة سجلت هدفا ذاتيا مدمرا مقابل عملتها، حين حظرت روسيا من نظام “سويفت” (SWIFT) العالمي للمدفوعات، وجمدت أكثر من 350 مليار دولار من احتياطياتها من الذهب والعملات الأجنبية.
وأدت هذه الخطوة وحدها، وفق حسين، إلى تقليل الثقة في النظام النقدي القائم على الدولار بشكل كبير بين العديد من الدول، لا سيما تلك الموجودة في الجنوب العالمي التي طالما كانت متشككة في الهيمنة الأمريكية، مما جعلها تتساءل عن الجدوى والمخاطر.
وتابع: “هذا بالضبط سبب كون حرب أوكرانيا قضية محورية، إنها مقامرة الولايات المتحدة على استعداد لخوضها لإعادة تأمين ثروات الدولار، ولديها القدرة على استعادة الثقة به كعملة مستقرة تستحق أن تظل الاحتياطي العالمي المهيمن، إذا فازت أوكرانيا وهُزمت روسيا، لكن إذا خسرت كييف، فسيعني ذلك كارثة أخرى على الدولار”.
نادي البريكس
في تلك المعادلة، لا تنوي السعودية الاعتماد على نتيجة الحرب لتحديد سياساتها الخارجية والاقتصادية، فهي تصر على الحفاظ على علاقات ممتازة مع الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه توسع علاقاتها مع روسيا والصين وقوى أخرى في الشرق، بحسب حسين.
ورجح أن السعودية ستستمر في التداول بالدولار إلى حد كبير في المستقبل المنظور، لكنها ستكون منفتحة على قبول العملات الأخرى، حتى لو كان ذلك على حساب واضح للهيمنة الأمريكية ويمثل خرقا لاتفاقية “البترودولار”.
واعتبر أن اهتمام المملكة بالانضمام إلى مجموعة “بريكس”، وهي كتلة اقتصادية مكونة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، هو جزء من هذه النظرة السياسية، إلى جانب إيران وتركيا والجزائر ومصر التي تهدف أيضا للانضمام إلى الكتلة.
فبدلا من كونه ناديا حصريا للاقتصادات الأسرع نموا في العالم النامي، تابع حسين، فإنهم ينظرون إلى الـ”بريكس” كفرصة لبلدان الجنوب العالمي للالتقاء معا، إما لمضاهاة هيمنة الدولار أو تأمين مكان في محاولة القيام بذلك.
وأضاف أنه من المقرر أن تتخذ “بريكس” قرارا العام الجاري بشأن العضوية المحتملة هذه الدول، وإذا جرى قبول السعودية، فسيتم الترحيب بها كضربة قوية للدولار ونهاية لإعادة تدوير البترودولار، حيث ستكون المملكة بعد ذلك أكثر ارتباطا اقتصاديا مع أمثال الصين والهند.
تغيير الاحتياطات
يتكهن محللون واقتصاديون، وفق حسين، باحتمالية بيع الدول لاحتياطياتها من الدولار، لا سيما مع الآثار المترتبة على إغراق كميات كبيرة من جانب بعض الحائزين البارزين.
وأوضح أن الصين مثلا، صاحبة أكبر احتياطيات بقيمة 3.184 تريليون دولار، والهند بـ573.7 مليار دولار، والسعودية بـ457.66 مليار دولار، إذا قررت بيع حتى جزء بسيط من احتياطياتها، خاصة في جهد منسق، فسيؤثر ذلك بشدة على قوة الدولار.
ودعم تحليله بالقول إن هناك سببا وجيها وراء شراء البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم العام الماضي لأكبر قدر من الذهب على الإطلاق منذ 1950، في محاولة لمكافحة التضخم المتزايد وعدم الاستقرار المالي، فهم يدركون هشاشة النظام النقدي غير المستقر، ويهدفون إلى تثبيت أنفسهم بالأصول التي ستظل ذات قيمة إلى الأبد.