حجب أشعة الشمس.. هندسة مناخية تنذر بحرب عالمية
يبدو الأمر وكأنه خيال علمي..
بلد يعاني من ارتفاع الحرارة أو الفيضانات أو تلف المحاصيل يقرر بمفرده إرسال أسطول من الطائرات لرش رذاذ ناعم يحجب أشعة الشمس في الغلاف الجوي للأرض، مما يقلل درجات الحرارة ويوفر الراحة لـلسكان العطشى، غير أن دولا أخرى تعتبره تهديدا لمواطنيها وتستعد للرد العسكري.
بتلك العبارات بدأت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية تقريرا عن هندسة المناخ وتداعياتها المحتملة، حيث يقول العلماء إن التكنولوجيا اللازمة لاختراق الغلاف الجوي ليست معقدة، حيث سترش طائرات مادة الكبريت في السماء على علو شاهق، وستتكثف المادة مما يعكس جزءا من أشعة الشمس ويحمي الأرض.
وهذه الممارسة، المعروفة باسم الهندسة الجيولوجية الشمسية، ممكنة نظريا، ويقول علماء وصناع قرار إن أكثر الفئات السكانية ضعفا في العالم تعاني بشكل أكثر حدة من ارتفاع درجات الحرارة، وفق التقرير.
ومن المرجح، بحسب الصحيفة، أن يتعرض صناع القرار العالميون لضغوط شديدة لنشر هذه التكنولوجيا، مقارنة بالطرق الأخرى لمكافحة آثار تغير المناخ، فمن المحتمل أن تكون أرخص وأسرع.
مخاطر كبيرة
لكن بعض العلماء، وفق الصحيفة، يحذرون من أن المخاطر قد تكون كبيرة، فالتغييرات في الغلاف الجوي ربما تؤدي إلى تغيير أنماط الطقس وتسبب الجفاف.
كما أنه يمكن للشمس الأقل شدة أن تخفض المحاصيل وتؤدي إلى الجوع، وهناك أيضا مخاوف من أن تتراكم درجات الحرارة، ثم إذا توقف الرش، تطلق الشمس موجة حر كارثية في جميع أنحاء العالم.
وأضافت الصحيفة أن مسؤولين في الاستخبارات الأمريكية وآخرين في الأمن القومي كانوا قلقين العام الماضي بما يكفي للتخطيط لكيفية تجنب حرب يمكن أن يثيرها هذا النوع من هندسة المناخ.
ونظرا إلى أن هذه التقنية يمكن أن تضعف قوة الشمس في جميع أنحاء العالم، وليس فقط فوق أي دولة قررت نشرها، فإن المسؤولين الأمنيين قلقون بشأن إمكانية اندلاع صراع، حيث يمكن لعاصمة واحدة اتخاذ قرارات تحدد مصير العالم بأسره.
حتى الآن، تحتل الولايات المتحدة موقع الصدارة في مجال البحث، لكن الصين والهند ودول أخرى تعمل على ذلك أيضا، والبيت الأبيض بصدد تطوير خطة بحثية واستراتيجية مدتها خمس سنوات لإدارة التكنولوجيا، بناء على طلب من الكونجرس أصدره العام الماضي، بحسب الصحيفة.
غياب التنسيق العالمي
وأفادت الصحيفة بأن الافتقار إلى التنسيق العالمي بشأن الهندسة الجيولوجية يؤدي إلى زيادة القلق بشأن مخاطر الخلافات.
وحذر تقدير استخباراتي يركز على تغير المناخ من عام 2021، وهو استخلاص لتقييمات وكالات الاستخبارات الأمريكية حول المخاطر الكبرى التي تواجه الولايات المتحدة، من أن غياب اللوائح قد يعني أن “الجهات الحكومية أو غير الحكومية سوف تطور أو تنشر التكنولوجيا بشكل مستقل، ربما سرا، بطريقة تنطوي على مخاطر اندلاع صراع إذا ألقت دول أخرى باللوم عليها في كارثة الطقس التي يعتقدون أنها ناجمة عن الهندسة الجيولوجية.
رواية مفضلة لأوباما
ويركز بعض مسؤولي الاستخبارات الأمريكية الآن على فهم مثل هذه التحديات. ومن بين الكتب المفضلة للقراءة رواية عام 2020 “وزارة المستقبل” لكيم ستانلي روبنسون.
وفي هذه الرواية يتصور مستقبلا قريبا تقرر فيه الهند من جانب واحد نشر الهندسة الجيولوجية الشمسية في تحدٍ لحظر عالمي بعد أن قتلت موجة الحر 20 مليونا من مواطنيها.
واعتبر الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما (2009-2017) هذه الرواية أحد الكتب المفضلة له في ذلك العام.
مسؤولية تغير المناخ
ويقول بعض صانعي السياسة إنه مع تطور المناقشة يمكن أن تتفاقم التوترات الحالية بين الدول الصناعية المسؤولة عن الجزء الأكبر من انبعاثات الكربون التاريخية (المسببة لتغير المناخ) والدول الأقل تصنيعا والتي غالبا ما تكون الأكثر تضررا من تغير المناخ.
وحذر المستشار العلمي للحكومة الهندية أجاي سوود، في مؤتمر يركز على المناخ بنيودلهي في وقت سابق من الشهر الجاري، من الهندسة الجيولوجية للطاقة الشمسية يمكن أن ” تحدث صراعات دولية”.
وأضاف أن “هذه التكنولوجيا قد تنتهي بتركيز القوة في الدول الغنية أو الجهات الفاعلة غير الحكومية في شمال العالم”.