صخب القاهرة في العشرينيات.. الحياة الليلية كما لم ترها من قبل
مشهد الحياة الليلية في العاصمة المصرية القاهرة كان من بين الأكثر تميزًا حول العالم، خلال فترة عشرينيات القرن الماضي، وخصوصًا أن مصر كانت نقطة التقاء العديد من الشعوب والثقافات المختلفة من السودانية إلى المجرية.
وتميزت القاهرة بالملاهي الليلية “الكباريه”، والأجواء المفعمة بالحيويّة، والموسيقى، والشخصيات التي تعلو المسرح بإطلالاتها الأنيقة.
ووصف الأستاذ المساعد باللغة العربية في جامعة “دورهام” بالمملكة المتحدة، الدكتور رافاييل كورماك، نفسه بأنه محب للحياة الليلية.
وخلال دراسته للمسرح المصري، وقراءة أعمال العديد من الأدباء مثل فرح أنطون، وطه حسين، وتوفيق الحكيم، قال كورماك إنّ “الثقافة العربيّة تتمتع بقصّة لا يعرف عنها الغرب أي شيء”، مضيفًا: ويمكنني سرد قصّة مختلفة تمامًا عن الشرق الأوسط تتمحور حول المرح، والتّرفيه، والإبداع بدلاً من الحرب”.
ويعرض كورماك الحياة الليلية في القاهرة كما لم ترها من قبل في كتابه “Midnight in Cairo: the Divas of Egypt’s roaring ’20s”.
الحياة الليلية كما لم ترها من قبل
وأوضح كورماك: “عادةً ما يركّز تاريخ مصر متعدّد الجنسيّات على المجتمعات الأوروبيّة في الإسكندرية، ولكن في القاهرة، كان هناك مجتمع عالمي ضخم يتحدث باللغة العربيّة، لا سيما في مشهد الحياة الليلية”.
وأشار إلى أنه: “كان يمكنك سماع مزيج من اللغة العربية، والفرنسيّة، والإنجليزية، وتجمّع العديد من الأشخاص الذين يتحدثون لغات أخرى في النّوادي الليلية والحانات”.
وسلّط كورماك الضوء من خلال كتابه على العاملات في مجال التّرفيه، بحكم أنّ النسّاء كنّ “محوريات بشكلٍ كبير في الحياة الليلية خلال تلك الفترة”، بحسب ما ذكره.
وكانت النّساء يظهرن على واجهات النّوادي، ويُشرفن على فرق مسرحية خاصّة بهن. وجذبت المطربات والرّاقصات الجماهير.
وتضمّنت تلك الشّخصيات روز اليوسف المولودة في مدينة طرابلس اللبنانية في أواخر القرن الـ19.
ورُغم خلفيتها المتواضعة، شقّت اليوسف طريقها عبر مشهد الحياة الليلية في القاهرة، حيث أصبحت واحدة من أبرز الممثّلات في أواخر العقد الأول من القرن العشرين.
وخلال ذروة حياتها المهنيّة، توقّفت اليوسف عن التمثيل لتطلق مجلة فنيّة، وثقافيّة، وسياسيّة تحمل اسمها، وهي لا زالت موجودة إلى اليوم.
وقال كورماك: “عندما توفي زوجها، استولت (توحيدة) على النّادي، واستمرّت في الأداء لعدّة عقود حتّى وصلت لسن الشّيخوخة.. وتُلخّص نظرة الثّقة المُنبعثة منها (في الصورة) الكثير من هذه الفترة”.
واجهة أنيقة بجانبٍ مظلم
وسحرت هذه الفترة من الزمن الأشخاص لأسباب عديدة، ومنها الحس بالإمكانيّة.
وشرح كورماك: “لم تكن مثاليّة، ولكن بالنّسبة للأشخاص في مصر خلال عشرينيات القرن العشرين، بدت الأمور وكأنّها يمكن أن تتغيّر وتتحسّن. وبالنّسبة للنّساء على وجه الخصوص، كانت الآفاق ظاهرة للعيان”.
ورغم أنّ هذه الحياة كانت تبدو بمنتهى الرّوعة والفخامة، إلا أنّها لم تكن سهلة، وخصوصًا عندما يأتي الأمر للنّساء اللواتي لم ينجحن في هذا المجال، والنساء المنسيّات.
وفي هذه الفترة، حقّقت الحركة النسوية الكثير من التّقدم مع مشاركة النّساء في الحياة العامة أكثر من أي وقتٍ مضى، ولكنهن واجهن الكثير من التحديات.
وقال كورماك: “بالنّسبة للرّاقصات، والمغنّيات، والممثّلات، كانت هناك مخاطر قادمة من جميع الجوانب، سواءً من الرّجال المحافظين الذين اعتقدوا أنّه لا ينبغي للمرأة أن تكشف عن نفسها على خشبة المسرح، والرّجال الذين رأوا أنّ هؤلاء النّساء منفتحات على تقدمهن الجنسيّ والجسديّ غير المرغوب به”.
وقال كورماك: “قُتلت أكثر من راقصة في هذه الفترة، ومن بينهنّ امتثال فوزي”.
ورأى الكاتب أنّ فنانات تلك الفترة شققن الطّريق لغيرهن من النساء في صناعة الترفيه المصري اليوم، ولكنّه قال: “هذا لا يعني أنّ الأوضاع سهلة لفنّانات اليوم. ومن نواحٍ عديدة، ما زلنا نخوض المعارك ذاتها التي بدأتها النّساء في العشرينيّات”.