التصعيد ضد الفلسطينيين.. نتنياهو يجر إسرائيل للحرب إرضاء لوزرائه
يبدو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية التي تعد الأكثر تطرفًا في تاريخ دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، لا يرغب بأن تنتهي ولايته إلا وأن يُشعل بيديه كل خيوط التوتر داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، لضمان كسب الأصوات وبقائه على كرسي رئاسة الحكومة التي تترنح يومًا بعد يوم.
فنتنياهو الذي لا يملك إلا أوراق التصعيد السياسي والعسكري، وترحيل الأزمات الداخلية التي تحط على رأسه من كل جانب، يحاول خلال الأسابيع الأخيرة ومن خلال خطوات تصعيدية “خطيرة” إرضاء الوزراء المتطرفين في حكومته، وأن يحصل على بعض التأييد عله يكمل سيره حتى لو كان ضعيفًا في طريق البقاء بالسلطة.
للتذكير، سبق لنتنياهو أن استخدم في الماضي سلاح التوتر الأمني، وذلك في صيف 2012، عندما هبّت ضده جماهير غفيرة رفعت شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، على خلفية أزمة السكن، والتي بلغ الحضور فيها 400 ألف متظاهر.
ويومها اتخذ قرارين؛ الأول هو تشكيل لجنة لمعالجة مشكلة السكن والأوضاع الاقتصادية، والآخر المبادرة إلى اغتيال أحمد الجعبري القائد في كتائب “القسام” الذراع العسكرية لحركة “حماس”، التي رد عليها الفلسطينيون بإطلاق الصواريخ وردّ الجيش الإسرائيلي بعملية حربية ضد قطاع غزة.
أسفرت الحرب حينها عن إطلاق 1506 صواريخ باتجاه إسرائيل سقطت منها 109 في مناطق مأهولة (مقابل 1600 غارة إسرائيلية على غزة)، كانت حصيلتها ارتقاء 2203 فلسطينيين شهداء مقابل مقتل 68 إسرائيلياً، وتشرد 350 ألف فلسطيني عن بيوتهم.
وقد حقق نتنياهو حينها الهدف، فالجمهور الإسرائيلي الذي تأكله الصراعات الداخلية، يتحدّ في مواجهة الخطر الخارجي، فأوقفوا الاحتجاجات تماماً.
لكن حرباً كهذه، في غزة أو الضفة الغربية، في هذا الوقت بالذات، ليست متوفرة له. وذلك لأن “حماس” غير معنية بالحرب، ولا تحقق له حجة يتذرع بها، والجيش الإسرائيلي على خلاف مع نتنياهو بسبب الاتفاقيات الائتلافية التي تنص على سحب صلاحياته في الضفة الغربية، ولا يستعجل في التبرع لتقديم هذه الخدمة له.
وكذلك، لأن حكومته تتعرض لحملة معارضة واسعة في المجتمع الدولي، ولأنه يخوض حملة دبلوماسية لتحسين موقعه في مواجهة التحدي الإيراني، على الساحتين الدولية والإقليمية.
ومع ذلك، فإن نتنياهو يرأس حكومة يمينية متطرفة تجعله في مهب الريح، فلديه حلفاء في اليمين العقائدي، الذي يعدّ هذه الحكومة فرصة تاريخية لإجهاض مشروع التسوية السياسية على أساس حل الدولتين.
وقد تعهد لهم بتحقيق كثير من المطالب التي تصبّ في هذا الاتجاه ومنحهم مناصب حكومية تجعلهم أصحاب قرار في تحقيق هذه الفرص حتى على حساب الجيش وصلاحياته، فمنحهم منصب وزير في وزارة الدفاع يشوش عمل الوزارة في كل ما يتعلق بالضفة الغربية.
كما وعدهم بمنح الشرعية للبؤر الاستيطانية وتوسيع المستوطنات القائمة، ومنحهم مسؤولية الأمن القومي، بما يشمل الشرطة وحرس الحدود ومصلحة السجون ووافق لهم على تشكيل ميليشيا مسلحة لفرض السيادة على المواطنين العرب في إسرائيل (فلسطينيي 48).
قرارات تصعيدية
المراقبون، الذين يلاحظون أن “نتنياهو” بات يفقد الكثير من بريقه، وأصبح أضعف من ذي قبل، يقولون، إنه في هذه الدورة يعتمد على الصلوات والتمنيات أكثر من اعتماده على الذكاء والدهاء السياسي في إدارة شؤون البلاد، وقد ينجرّ إلى التصعيد، حتى لو لم يكن يخطط له في هذه المرحلة.
أبرز قرارات التصعيد ما اتخذته الحكومة قبل أيام، كرد على سلسلة عمليات المقاومة النوعية التي شهدتها مدينة القدس المحتلة، وكان آخرها عملية الدهس التي أدت لمقتل 3 إسرائيليين واستشهاد المنفذ، فأعلنت رسميًا عن تحويل 9 بؤر استيطانية إلى مستوطنات معترف بها وإمدادها بالبنى التحتية، والمسارعة في انعقاد مجلس البناء الأعلى للمصادقة على بناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة.
وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن البؤر التي تحولت إلى مستوطنات هي “شحاريت، جفعات أرنون، أفيغل، عشهئيل، جفعات هرئيل، وجفعات هروئيه، ملآخي هشالوم، متسبيه يهودا، بيت حوغلا، وسديه بوعاز”.
مسلسل القتل والعربدة والاعتداءات باتت تعرض حلقاته يومًا، إلى جانب التصعيد الميداني وزيادة وتيرة الاقتحامات لمخيمات الفلسطينيين في الضفة، حيث ارتفع عدد الشهداء منذ بداية العام الحالي لأكثر من 50 شهيداً.
لم يكتف المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية في إسرائيل “الكابنيت” بذلك، بل أقر إجراءات عقابية ضد السلطة الفلسطينية على خلفية توجهها لمحكمة العدل الدولية في لاهاي من بينها اقتطاع مبلغ 39.6 مليون دولار أمريكي من أموال الضرائب الفلسطينية.
كما شملت الإجراءات تجميد تصاريح البناء في منطقة (ج) الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة في الضفة الغربية، وسحب التسهيلات الممنوحة للشخصيات الفلسطينية (في أي بي).
وطالت عملية سحب التسهيلات وزير الخارجية والمغتربين “رياض المالكي”، بالإضافة لإلغاء تصاريح دخول 3 من قيادات حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” إلى إسرائيل وهم نائب رئيس الحركة محمود العالول، وعضو لجنتها المركزية عزام الأحمد، ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح، عقب زيارتهم الفلسطيني كريم يونس في بلدة عارة لتهنئته بالإفراج عنه بعد اعتقاله 40 عاما في السجون الإسرائيلية.
ولاحقا، تم إقرار قانون يسمح لوزير الداخلية بسحب الجنسية أو الإقامة من شخص أُدين بتنفيذ عملية، وحصل على مخصصات مالية من السلطة الفلسطينية وترحيله إلى الضفة الغربية المحتلة أو إلى قطاع غزة.
وجرى مؤخرا أيضا اتخاذ إجراءات تشمل حرمان عائلات منفذي العمليات مما يسمّى “التأمين الوطني”، وسحب بطاقات الهوية الخاصة بسكان القدس المحتلة من عائلات منفذي العمليات.
هذا فضلا عن تسريع وتيرة هدم منازل منفذي العمليات ضد الإسرائيليين، وتوسيع نطاق منح تراخيص حمل الأسلحة النارية للإسرائيليين، وتعزيز الإجراءات الأمنية في المستوطنات، وتعزيز وجود شرطة الاحتلال.
وصاحب ذلك السماح لوزير الأمن القومي الإسرائيلي “إيتمار بن غفير” باقتحام المسجد الأقصى من جهة باب المغاربة، تحت حماية مشددة من قوات الشرطة الإسرائيلية لدقائق معدودة، الأمر الذي قوبل بتنديد فلسطيني رسمي وشعبي.
وبعيدا عن الضفة، شن جيش الاحتلال غارات مكثفة على قطاع أكثر من مرة خلال الأيام الماضية، بحجة الرد على إطلاق صاروخ، الأمر الذي بعثر الأوراق كثيرًا، ويرسخ نظريه الاحتلال التي تعتمد على جر قدم المقاومة في القطاع لجولة تصعيد جديدة، قد تصل للحرب.
مخاوف من انتفاضة ثالثة
لكن مصر، وفق الإعلام العبري لا تزال تتحرك في الخفاء من أجل منع اندلاع الحرب، وكذلك كشفت مصادر عبرية، عن رسالة تحذيرية شديدة اللهجة وجهها رئيس الأركان المصري اللواء “أسامة عسكر” لرئيس الأركان الإسرائيلي “هرتسي هاليفي”، مفادها أن “انفجار الأوضاع من شأنه زعزعة استقرار المنطقة”.
حركات المقاومة في الضفة وغزة، اتفقت على أن “الصراع مع الاحتلال مفتوح وطويل”، و”المقاومة ستكون في مواجهة مفتوحة مع العدو إذا ارتكب أي حماقة ضد الشعب الفلسطيني”.
وأمام كل هذا التصعيد، يتوقع مراقبون أن العام الجاري سيشهد مزيدا من التصعيد الميداني، قد يصل إلى انتفاضة ثالثة في الضفة، حيث نقل تقرير موقع “إنتلجنس أونلاين” الاستخباراتي الفرنسي، مطالبات رئيسي جهازي “الشاباك” و”أمان” الحكومة باتخاذ “إجراءات معتدلة” مع الفلسطينيين.
جاءت هذه المطالبة بعدما رفع المستوى الأمني في إسرائيل من درجة التأهب، خشية وقوع انتفاضة ثالثة بالتزامن مع شهر رمضان في الأراضي الفلسطينية.
جاء الكشف عن مخاوف “الشاباك” و”أمان” من اندلاع انتفاضة ثالثة، بعد أيام من تحذير “ويليام بيرنز” مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي آي إيه” من اندلاع انتفاضة في الأراضي الفلسطينية، والذي شبه التوترات الحالية بتلك التي سادت قبل الانتفاضة الثانية عام 2000، وسط غياب أي مؤشرات على التهدئة رغم الدعوات الدولية التي أطلقت في الشأن.
يقول مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية “هاني المصري”، إن المجتمع الدولي يتخوف من أن حكومة “نتنياهو” إذا صارت كما هو في تطبيق برنامجها، فسيدفع الأمور للانفجار الكبير، ما سيؤثر على الأمن والاستقرار في المنطقة.
ويضيف “المصري” أن “حكومة نتنياهو تطرح برنامجا متطرفا يهدف إلى الضم والتهجير والتهويد ومصادرة الأراضي واستيطانها وتعميق الفصل العنصري والعدوان العسكري والمساس بالمقدسات، خاصة تغيير مكانة المسجد الأقصى”.
ويرى “المصري” أن “رد الفعل الفلسطيني القوي هو الخطوة الوحيدة القادرة على لجم الحكومة الإسرائيلية ويستدعي تدخلات دولية وأمريكية أكبر، ولكن إذا استمرت ردود الفعل الفلسطينية نمطية فسيدفع الشعب الفلسطيني الثمن”.