الغضب الأعمي.. بقلم: الشربيني عاشور
في كتابه “الحضارة” يشير الدكتور حسين مؤنس إلى ما يسميه “الغضب غير المستبصر”، وأنه لا ينتج غير الفوضى العارمة والتراجع؛ لأن أي تغيير تاريخي ينبغي أن يسبقه أو يلازمه استعدادٌ حضاري للتغيير من جانب الجماهير الغاضبة من جهة، وتصورٌ لما هو قادمٌ من جانب النخب القائدة.
فإذا لم يكن هناك سوى الغضب (الأعمى)، ولم يكن هناك استعدادٌ حضاري للتغيير، ولا تصورٌ لما هو قادم. فإن حركة الجماهير الغاضبة ستصبح قفزة في الفراغ، ما يؤدي إلى الانتكاسة.
ويضرب الدكتور مؤنس مثالًا تاريخيًا على ذلك، فيشير إلى الغضب من حكم بني أمية، وكيف أن الغاضبين لم يكن لديهم استعداد حضاري للتغيير، وامتلاكٌ لتصور حضاري لما بعد الأمويين. والنتيجة أن الجماهير الغاضبة والغاضبة فقط، رهنت نفسها للعباسيين الذين لم يكن لديهم تصور لطبيعة الحكم، ومن ثم فقد لجأوا إلى الماضي، واستدعوا وصية “أردشير” الملك الفارسي إلى ابنه كدستورٍ غير مكتوب، وبذلك فقد انتكسوا سياسيًا بالركون إلى مبادئ الأكاسرة الفرس الذين قوَّض الإسلام دولتهم ومبادئهم السياسية في سعيه إلى القضاء على النظم البالية وإقرار نظامه الجديد!
ملاحظة أخرى يشير إليها الدكتور مؤنس وهي: أنه على الرغم من تقدم المسلمين في بعض المجالات أثناء حكم الدولة العباسية إلا أن جمود العباسيين السياسي، بل وعودتهم إلى الوراء، لم يوفر الإطار الذي يحمي التقدم الحاصل والهش في بعض المجالات، ومن ثم كانت نهايتهم نهاية لمجد الأمة الإسلامية وسقوطها المريع.