“ريا وسكينة”.. لماذا يصر المنتجون على تكرار القصة المستهلكة؟

وريا وسكينة علي همام، هما شقيقتان تعدان من أشهر السفاحين في مصر، حيث اشتهرتا بتكوين عصابة لاستدراج النساء وقتلهن من أجل السرقة في الفترة ما بين ديسمبر 1919 ونوفمبر 1920، مما تسبب في خلق حالة من الذعر في مدينة الإسكندرية في ذلك الوقت.

وتواصل “إرم نيوز” مع عدد من صناع ونقاد الفن لأخذ رأيهم في الإصرار على إعادة إنتاج “ريا وسكينة”.

أحد المسلسلات عن ريا وسكينة
الفنان أحمد فلوكس يعلن بداية تصوير فيلمه الجديد “براءة ريا وسكينة”

 

مليئة بـ “الدراما” وجاذبة للجمهور

قال الناقد الفني طارق الشناوي، إن قصة “ريا وسكينة” فيها كل مقومات العمل الفني، فهي قصة شيقة وفيها الكثير من “الدراما” ما يجعلها مادة خصبة ومطمعا لكل كتاب الدراما في مصر.

وأضاف الشناوي في تصريحات خاصة لـ”إرم نيوز”: “يجب أن نقول إن كل المقومات الفنية موجودة في (ريا وسكينة) لذلك هي أكثر قصة تم تقديمها في أعمال فنية، ففي السينما قدمت على الأقل 3 مرات، بالإضافة إلى المسرحية الشهيرة التي حققت نجاحًا كبيرًا، فضلا عن تقديمها مرات عديدة في التليفزون، كما تم عمل برنامج لها”.

وواصل الشناوي: “القصة عامل جاذب، وتحتمل القراءة من أكثر من وجه، بمعنى أنه من الممكن أن تقدمه في قالب تراجيدي، ومن الممكن تقديمه في قالب كوميدي، مثلما فعل حسين كمال وبهجت قمر في المسرحية”.

مؤسسة bbc كانت قد طلبت من الفنان الراحل عزت العلايلي تقديم عمل عن الوجه الآخر لـ ريا وسكينة، وأنهما كانتا تناهضان الاستعمار وتقتلان الجنود الإنجليز.

وأشار الناقد المصري إلى أن القصة رغم مرور عقود عديدة عليها إلا أنها ما زالت مادة خصبة وجاذبة لأي عمل فني، مضيفا: “القصة حدثت في منطقة الحضرة بالأسكندرية قبل 100 عام، وما زالت تجذب الجمهور حتى الآن”.

وكشف “الشناوي” أن مؤسسة bbc كانت قد طلبت من الفنان الراحل عزت العلايلي تقديم عمل عن الوجه الآخر لـ ريا وسكينة، وأنهما كانتا تناهضان الاستعمار وتقتلان الجنود الإنجليز.

وتابع: “حينما سألني العلايلي عن رأيي، أخبرته أنه لا توجد وثائق تدل على أن ريا وسكينة كانتا تقتلان الجنود بهدف وطني، لكن كل الأدلة تأخذنا إلى أنهما كانتا تقتلان بهدف السرقة، واعتذر الفنان العلايلي في حينها عن تقديم هذا العمل”.

وأردف الناقد الفني: “ما أقصده من هذا أن الجريمة نفسها ما زالت محل اهتمام العالم كله، وما زالوا يبحثون لها عن بواعث أخرى غير السرقة، لتقديم شكل مختلف منها لكونها حدثا جاذبا”.

القصة تفرض على الفن تناولها

أما الناقد أحمد سعد الدين فرأى أنه من الطبيعي تقديم أعمال عديدة عن قصة “ريا وسكينة” لكونها مليئة بـ”الدراما”، مشيرا إلى أن الفيصل هو “كيف سيتم تناولها”.

وأضاف سعد الدين لـ “إرم نيوز”: “في الحقيقة القصة فيها دراما كثيرة جدًا تصلح لأكثر من 10 أو 15 عملاً، ولكن الأهم كيف سيتناولها الكاتب، فمثلا الفيلم الأول الذي قدمه أنور وجدي كان مرعبًا ومخيفًا، وبعدها قدم إسماعيل ياسين فيلمًا آخر في قالب كوميدي، وبعده يونس شلبي، فيما تم تقديم المسرحية بشكل كوميدي كبير”.

وتابع: “القصة في الأصل واحدة، ولكن التناول هو المختلف من عمل لآخر، إذا القصة تعتمد في الأساس على براعة كاتبها”.

وأكد أحمد سعد الدين: “إذا التيمة الأساسية هي التي تفرض على الفن تناولها، وريا وسكينة ليست القصة الوحيدة التي تم تناولها في أكثر من عمل فني، فعلى سبيل المثال (هاملت) و(عطيل)، وأعمال شكسبير قدمت 1000 مرة، وفي كل مرة يتم تناولها من زاوية جديدة”.

أكد المخرج المصري جمال عبدالحميد أنه اطلع على تحقيقات الشرطة مع ريا وسكينة، والحقيقة هي أنهما كانتا تسرقان الجنود الذين يتم قتلهم من الفدائيين بمساعدة زوجيهما.

معظم الأعمال الفنية لم تنقل الحقيقة

وحرصنا على أخذ رأي أحد صناع الفن الذين قدموا هذه القصة، فتواصلت “إرم نيوز” مع المخرج المصري جمال عبدالحميد الذي قدم مسلسل “ريا وسكينة” من بطولة الفنانتين المصريتين عبلة كامل وسمية الخشاب، والذي حقق نجاحًا كبيرًا في حينها، إذ أكد أنه قدم حقيقة القصة في مسلسله بعيدًا عن الأخطاء التي قدمت في الأعمال الأخرى.

وأوضح جمال عبدالحميد: “ما جذبني لتقديم هذا العمل هي الحقيقة، وليست الأكاذيب التي تم تقديمها في الأعمال الأخرى، فالمسلسل قدم الواقع بناء على كتاب الكاتب الشهير صلاح عيسى، والذي استعان خلاله بتحقيقات الشرطة والنيابة مع السفاحتين، والمسلسل حقق نجاحًا كبيرًا، وما زال يعرض على العديد من القنوات الفضائية حتى الآن، حتى أنه يعرض على أكثر من 3 أو 4 قنوات في الوقت نفسه، وما زال الجمهور يشاهده حتى الآن”.

وبرغم تأكيد النقاد على أن القصة شيقة وعامل جذب للجمهور ولصناع الفن، إلا أن للمخرج المصري رأيا آخر، حيث رأى أن الجريمة والحدث ليسا مشوقين بالمرة، مدللا على ذلك أن الجمهور يشاهد ولا يتحدث عن القصة، ولا يهتم إن كانت حقيقية أم لا، مشيرًا إلى أن المشاهد يهتم بالقالب الفني، وبجودة العمل فقط، على حد قوله.

وحول حقيقة ما تم تداوله عن أن ريا وسكينة كانتا تقتلان الجنود الإنجليز بهدف وطني، أكد عبد الحميد أن هذا غير صحيح جملة وتفصيلا، مشيرًا إلى أنه اطلع على تحقيقات الشرطة معهما، والحقيقة هي أنهما كانتا تسرقان الجنود الذين يتم قتلهم من الفدائيين بمساعدة زوجيهما.

الأدرينالين والرعب والتسلية الآمنة

أما عن الجانب النفسي والاجتماعي الذي يدفع الجمهور لمشاهدة هذا العمل الذي يتناول جرائم عديدة، رغم تقديمه أكثر من مرة، أكد الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع بالجامعات المصرية، أن “المشهور دائما جاذب حتى وإن كان قاتلاً أو مخيفًا”.

وأضاف أستاذ علم الاجتماع في حديثه لـ”إرم نيوز”: “المشهور جذاب حتى ولو كان قاتلاً، والخوف من الجريمة يجذب الجمهور لمعرفة من ارتكبها وكيف، كتحصين لهم في المستقبل، وفي قصة ريا وسكينة، قدمت بأسلوب كوميدي وليس بأسلوب مخيف أو مثير للرعب، ففي المسرحية كان أبطالها ممثلات لهن شعبية مثل شادية وسهير البابلي، مما نزع الرعب عن تلك الشخصيات”.

وواصل الدكتور سعيد صادق: “هناك أيضا من لديه الاعتقاد أنهما بريئتان، والظروف المحيطة هي التي جعلتهما مجرمتين، والمشاهد يحاول من خلال متابعة القصة البحث عن نقطة التحول، خاصة مع صورة المرأة التقليدية في المجتمع من أنها ضعيفة ولا تتحمل مشاهد الدم ناهيك عن القتل، ولذلك فإن هناك فضولا دائما لمعرفة لماذا اختلفت القاتلتان عن طبيعة المرأة عموما”.

وواصل صادق: “قصص المجرمين الواقعية تجذب الناس لمعرفة كيف ولماذا وماذا نفعل لنحتاط، ونستعد حتى لا نكون ضحايا، فالقتلة المتسلسلين لهم كاريزما وعرفوا كيف يكررون جرائمهم دون الوقوع في يد الشرطة، وهذا أيضا عامل جاذب لمتابعة تلك القصص، وكيف وقع القتلة في يد العدالة رغم احتياطاتهم ومكرهم”.

وأوضح: “ترفع تلك القصص التي نعرف أحداثها ونهايتها من الأدرينالين والرعب والتسلية الآمنة في حجرة نومنا، إذ كيف أصبحت شخصيتان عاديتان بشكل مفاجئ قاتلتين متسلسلتين، ما يثير فضول الجمهور للبحث عن أسباب ذلك”.

قالت بسمة إبراهيم ـ ربة منزل ـ أن أكثر ما جذبها في مسلسل ريا وسكينة هو قدرة السيدات على فعل أي شيء، فالسيدات مثل الرجال، وحينما يقررن القيام بأي شيء لا أحد يستطيع إيقافهن

التشويق والإثارة تجذبان المشاهد

وأكد الدكتور جمال فرويز أستاذ الطب النفسي، أن التشويق والإثارة هما العاملان الأساسيان اللذان يجذبان الجمهور لمشاهدة الأعمال التي تحتوى على جرائم غريبة عن المجتمع.

وأضاف فرويز لـ”إرم نيوز”: “قصة ريا وسكينة مليئة بالتشويق والإثارة، فضلا عن أن هذه الجرائم غريبة عن المجتمع المصري، كل هذا يمثل عامل جذب للمشاهد، فدائما ما يبحث الجمهور عما هو جديد، ويحتوي على التشويق والإثارة”.

وتابع: “القصة نفسها بها العديد من الجرائم، وكل جريمة بها العديد من مواطن الإثارة والتي تصلح أن تكون عملاً فنيًا قائمًا بذاته، فضلاً عن الخلفية التاريخية للقصة، حيث إن جريمة ريا وسكينة كانت الجريمة الأولى التي حكم فيها القضاء المصري بالإعدام شنقا على سيدات”.

تربى الجمهور عليها وتعلق بها

واستطلعت “إرم نيوز” رأي الجمهور حول الأعمال الفنية التي تناولت قصة ريا وسكينة، لمعرفة الأسباب التي تدفعهم لمشاهدة هذه الأعمال.

قال أحمد إبراهيم والذي يعمل مدرسًا: “تربينا على قصص ريا وسكينة، وكيف قامت هاتان السيدتان بقتل عدد كبير من السيدات أو عساكر الإنجليز بحسب الأقوال المتداولة لسنوات دون ترك دليل واحد عليهما، لذلك نشاهد هذه الأعمال لمعرفة المزيد عن هذه القصة المثيرة”.

وأضاف إبراهيم: “القصص التاريخية دائما ما تجذبنا كجمهور؛ لأننا نحب أن نطلع على التاريخ في قالب فني مشوق، لذلك المسلسلات التاريخية دائما ما تلقى قبولاً كبيرًا”.

وأضافت بسمة إبراهيم ـ ربة منزل ـ أن أكثر ما جذبها في مسلسل ريا وسكينة هو قدرة السيدات على فعل أي شيء، فالسيدات مثل الرجال، وحينما يقررن القيام بأي شيء لا أحد يستطيع إيقافهن، بصرف النظر عما إن كان هذا الأمر صحيحا أم خاطئا، بحسب قولها.

وأشارت إلى أن المسلسل الذي قدمته عبلة كامل وسمية الخشاب، والمسرحية التي قدمتها شادية وسهير البابلي هما أفضل ما قدم في هذه القصة، وتحرص على مشاهدتهما حينما تعرضان على التليفزيون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى