مساع عراقية لتجفيف “قنوات الدولار” إلى إيران
تحت ضغط من الولايات المتحدة، استعان رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني بقوات النخبة المعنية بـ”مكافحة الإرهاب”، للتصدي لتجار يهربون العملة إلى إيران.
وتمثل مداهمات شهدتها بغداد، السبت، اختباراً مبكراً للسوداني، الذي تولى منصبه في أكتوبر بعد أكثر من عام من الشلل السياسي، ويتعين عليه الآن أن يسلك طريقاً دبلوماسياً بالغ الحساسية.
وأقر مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) في نيويورك، ضوابط أكثر صرامة على المعاملات الدولية بالدولار للبنوك التجارية العراقية في نوفمبر.
وتهدف الخطوة إلى وقف تدفق الدولارات بشكل غير مشروع إلى إيران، التي تواجه عقوبات أميركية مرتبطة بأنشطتها “المزعزعة للاستقرار”، بما في ذلك برنامجها النووي.
واتهم النائب عقيل الفتلاوي واشنطن بتعمد استخدام اللوائح الجديدة “كسلاح سياسي”. وقال في تصريحات أوردتها “رويترز”: “الأميركيون يستخدمون التعليمات الصارمة بشأن عمليات تحويل الدولار كرسائل تحذير موجهة لرئيس الوزراء، لكي يبقى متوافقاً مع المصالح الأميركية، بأن العمل ضدنا قد يؤدي إلى إسقاط حكومتك، هذه هي الرسالة الأميركية”.
وقال مسؤول مصرفي كبير لـ”رويترز”، إن “الولايات المتحدة وجهت رسالة واضحة إلى المسؤولين العراقيين، مفادها أنه إما الالتزام باللوائح الجديدة، أو سيواجه البنك المركزي العراقي غرامات”.
المشي على حبل مشدود بين طهران وواشنطن
ويعتمد السوداني على نوايا واشنطن لضمان عدم تعرض عائدات النفط ومالية بلاده للرقابة الأميركية، ويحتاج أيضاً إلى مساعدة واشنطن في محاربة تنظيم “داعش”، لكنه وصل إلى السلطة بدعم من أطراف محسوبة على طهران.
وقال المحلل السياسي المقيم في بغداد أحمد يونس، إن رئيس الوزراء العراق “يواجه تحدياً معقداً، يتمثل بكيفية اتباع سياسات متوازنة مع اثنين من أشد الأعداء مع بعضهما واشنطن وطهران، وكلتا الدولتين أصدقاء للعراق بنفس الوقت، من دون الانحياز إلى أي طرف. إنها مهمة صعبة جداً والسوداني يمشي على حبل مشدود”.
100 مليون دولار شهرياً
وتحتاج إيران إلى الدولارات من أجل استقرار اقتصادها المتدهور، الذي تضرر بشدة من العقوبات الأميركية المفروضة منذ 2018، بعد أن أعلن الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم بين إيران وقوى عالمية عام 2015.
وفقدت العملة الإيرانية المضطربة حوالي 30% من قيمتها منذ الاحتجاجات التي عمت البلاد في أعقاب وفاة الإيرانية الكردية مهسا أميني (22 عاماً) في 16 سبتمبر الماضي، مما زاد من عزلة البلاد.
وتستخدم المؤسسة الدينية منذ سنوات شركات صورية خارج حدودها، بما في ذلك العراق، للحصول على الدولارات التي تحتاجها للمعاملات الدولية، ولتمويل وكلائها في أنحاء الشرق الأوسط، وفق “رويترز”.
وقال مستشاران لبنوك عراقية خاصة يحضران بانتظام اجتماعات مع البنك المركزي، تحدثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما، إن إيران تتلقى حوالي 100 مليون دولار شهرياً من تجار عراقيين.
وأفاد مسؤولون أمنيون عراقيون تحت إدارة رئيس الوزراء، بأن لديهم “أدلة دامغة” على أن هناك مهربين يشترون كميات كبيرة من الدولارات من أسواق العملة في بغداد، ويهربونها عبر المعابر الحدودية إلى إيران، لا سيما منذ منتصف يناير.
وقال عقيد في شرطة الحدود العراقية في معبر الشلامجة قرب مدينة البصرة في الجنوب، إن عشرات المهربين يشترون الدولارات من أسواق العملة في بغداد، ويستخدمون حقائب مدرسية لنقلها قبل تعبئتها في سيارات رباعية الدفع إلى الحدود، تحت حماية حراس مسلحين.
ثمن اقتصادي
بموجب القيود الجديدة، يتعين على البنوك العراقية استخدام منصة إلكترونية للإفصاح عن تعاملاتها، وعن تفاصيل بشأن المرسل والمستفيدين، ويمكن للمسؤولين الأميركيين الاعتراض على طلبات النقل المشبوهة.
واعتبر نبيل المرسومي، وهو أستاذ للاقتصاد في جامعة البصرة، أن “النظام الجديد أبطأ المعاملات الدولارية”، فيما قال مسؤولون مصرفيون، إن إجراءات مكافحة التهريب أحدثت فجوة أيضاً في الماليات العامة.
ولجأت البنوك التي عزفت عن التسجيل في المنصة الإلكترونية إلى الأسواق الحرة في بغداد، لشراء الدولارات، ما أحدث عجزاً إذ تجاوز الطلب العرض.
وفي الوقت نفسه، زاد سعر سلع المستهلكين، وتضاءلت قيمة العملة العراقية، وأدى ذلك إلى تعميق المشاعر المناهضة للولايات المتحدة، بين السياسيين في العراق، الذي لا يزال غير مستقر بعد نحو 20 عاماً من الغزو.
وقال المتعامل جمعة الحلفي، إن نقل الدولارات إلى إيران وحليفتها سوريا المتأثرة بالعقوبات أثر أيضاً على عملة العراق.
وكانت قيمة الدولار عند البيع 1470 ديناراً عراقياً قبل تقييدات النقل الجديدة التي وضعها المجلس الاحتياطي الفيدرالي، وهبط الدينار في ديسمبر عند 1620 ديناراً أمام الدولار، قبل بدء تطبيق القيود في مطلع الأسبوع.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية، الاثنين، إن رئيس الوزراء العراقي أعفى محافظ البنك المركزي من منصبه بعد تراجع قيمة الدينار، مضيفةً أن مصطفى غالب مخيف، قال لرئيس الوزراء إنه لم يعد يريد البقاء في منصبه.
وحاول رئيس الوزراء طمأنة العراقيين، بأن الدينار والاقتصاد سيكونان في مأمن من القيود واللوائح التنظيمية الأميركية.
وقال السوداني في إحدى الفعاليات، السبت: “اتخذنا جملة من القرارات الجريئة لدعم الدينار العراقي واستقراره، ونحذر من يحاول استغلال الأزمة”.
وأبدى هادي علي وهو مدير حساب في بنك خاص في بغداد تشككه في ذلك، وقال “اتباع الشروط الأميركية الجديدة يعني بأننا سيتوجب علينا الانتظار لفترات طويلة من الزمن لكي يتم السماح لنا بالتحويل، هذا مضر بمصالحنا… تكاد تكون جميع تحويلات الدولار تنتهي بالوصول إلى أطراف مرتبطة بمصالح إيرانية هذا ليس سراً”.