قلقل داخل إسرائيل بسبب عدم جهوزية الجيش للحرب
الاعتماد على التكنولوجيا المتطورة وحدها يعكس شعوراً كاذباً (أو وعياً مزيفاً).
جدل حول جهوزية القوات البرية لحرب قادمة بعد تراجع قدراتها القتالية وتدريباتها بفعل سياسة كوخافي لتطوير الجيش السيبراني التكنولوجي.
“عرف الجيش تحقيق تفوق على أعدائه بالخديعة والتمويه التكتيكي لحسم المعركة لكن الواقع أنه حتى الآن لم تكن التكنولوجيا عاملا حاسما بأي معركة استراتيجية”.
موجة انتقادات لسياسات كوخافي واستمرار التوجه العام لزيادة الاعتماد على القوات الجوية والأسلحة المتطورة: مسيرات جوية وروبوتات بدل تعزيز الجهوزية القتالية لجنود القوات والوحدات البرية المختلفة.
* * *
تصاعد الجدل في الكيان الصهيوني حول مدى جهوزية قواتها البرية للحرب القادمة، بعدما تراجعت قدراتها القتالية وتدريباتها بفعل سياسة تطوير الجيش “السيبراني التكنولوجي”، التي نفذها على نحو بارز رئيس أركان الجيش الحالي، أفيف كوخافي، مع اقتراب نهاية ولايته وانتقال قيادة الجيش لخليفته الجديد الجنرال هرتسي هليفي.
وانضم ضابط رفيع المستوى، تحدث إلى الإذاعة الإسرائيلية العامة، يوم الأحد، إلى موجة الانتقادات لسياسات بناء القوة العسكرية التي انتهجها كوخافي، في سياق استمرار التوجه العام في الجيش لزيادة الاعتماد على القوات الجوية من جهة، والأسلحة التكنولوجية المتطورة، خاصة المسيرات الجوية والروبوتات، بدلاً من تعزيز الجهوزية القتالية لجنود القوات والوحدات البرية المختلفة.
وبحسب الإذاعة الإسرائيلية اليوم، فإن الضابط المشار إليه، الذي لم يُكشف عن اسمه، اتهم كوخافي بأنه يعاني من “فانتازيا بناء جيش تكنولوجي سيبراني فتاك وناجع على حساب الجيوش البرية التي تحسم المعركة في ميادين القتال”.
وانتقد الضابط المذكور، الذي أشارت الإذاعة إلى أنه رفيع المستوى، سياسة “المباهاة” التي يعتمدها كوخافي في الإشارة إلى القدرات ومساهمة التكنولوجيا المتطورة في عمليات الجيش، مذكراً “بمباهاة كوخافي في قصف قافلة أسلحة في العمق السوري، مع ذكر تفاصيل دقيقة حول ما كانت تحمله الشاحنة رقم 8 في القافلة المذكورة”.
وفي السياق، تساءل: “ألم يعرف العدو أننا استهدفنا الشاحنة رقم 8، ألا تتناقض هذه المباهاة مع سياسة الضبابية التي تقرر اعتمادها؟ ليصل إلى الاعتراف بأنه بموازاة النجاحات التي يحققها الجيش في سورية وأهمية الغارات هناك، فإنه يتم في لبنان وبهدوء وصمت بناء مصانع لإنتاج وتطوير المقذوفات والصواريخ دقيقة الإصابة وصواريخ بعيدة المدى من دون أن نرد من جهتنا. وعندما يملكون هذه القدرات فإن الحرب القادمة ستكون مغايرة كليا”.
واعتبر الضابط المذكور أن وحدة وتماسك منظومة قوات الاحتياط في خطر، إذ “سرحنا عشرات آلاف الجنود من خدمة الاحتياط وقلصنا ألوية وفرق الاحتياط، وهناك فجوة في جهوزية وقدرات وحدات الاحتياط، وفي بعض الوحدات، هناك نقص حتى في قطع الغيار”.
وبحسبه، فإنه “يجب الحفاظ على منظومة خدمة الاحتياط وضمان قوات وفيرة منها. بينما ما يجري اليوم هو وهم وفنتازيا تعتقد بإمكانية إنهاء الحرب سريعاً وخلال أسبوع”.
وأضاف: “بدلاً من الحفاظ على عشرات الدبابات والمدرعات والمركبات المصفحة، تم نقل الميزانية كلها لصالح التكنولوجيا المتطورة”.
وخلص الضابط إلى تشبيه وضع الجيش الإسرائيلي بأنه تحول إلى شركة “هايتك”، منتقداً خطة العمل الخماسية (للسنوات الخمس) التي وضعها كوخافي، وكانت تهدف، حسب ما أعلن، إلى تحويل الجيش إلى “فتاك وناجع وعصري، وكل ذلك على حساب جيش القوات البرية الذي يحقق في نهاية المطاف النصر العسكري ميدانياً”.
وتنضم هذه الانتقادات إلى سلسلة من الانتقادات والتحذيرات التي صدرت من أوساط عسكرية في إسرائيل، أبرزها، قبل عامين، التحذيرات التي أطلقها الجنرال السابق يسرائيل بريك، مفوض شكاوى الجمهور، الذي رفع تقريراَ رسمياً حذر فيه من تراجع الجهوزية القتالية للجنود في الجيش الإسرائيلي، والنقص في العتاد العسكري التقليدي.
وجاء الانتقاد حينها وسط جدل مع قادة الجيش، بمن فيهم رئيس الأركان السابق غادي أيزنكوط ورئيس الأركان الحالي أفيف كوخافي، حول الاعتماد الكلي تقريباً على القوة الجوية لجيش الاحتلال.
وتنضم هذه التحذيرات أيضاً إلى ما كشفت عنه صحيفة هآرتس، الجمعة، في السياق، عن تحذيرات مشابهة للعقيد في جيش الاحتلال عمري سديه، الذي يشغل منصب رئيس قيادة لواء المدرعات، عبر دراسة بحثية نشرها، أخيراً، في المجلة العسكرية “معرخوت”.
وحذر العقيد سديه في دراسته المذكورة من أن “هناك ميلاً متعاظماً في الجيش للاعتماد على حلول تكنولوجية لمواجهة تحديات عملياتية، وذلك بعدما خلقت عمليات ميدانية محدودة النطاق، جرت في الأعوام الأخيرة لدى متخذي القرارات، شعوراً بأنه يمكن إدارة منظومة عسكرية بالاعتماد على وسائل تكنولوجية متطورة وتحقيق النصر، وقد برروا فشل العمليات التي لم تحقق الهدف المرجو منها بعدم نضوج التكنولوجيا، وامتنعوا عن طرح وبحث المسائل الجوهرية حول إمكانية تحقيق الهدف بوسائل وأساليب أخرى”.
ووفقاً للباحث العسكري سديه، فإن الاعتماد على التكنولوجيا وحدها يعكس شعوراً كاذباً (أو وعياً مزيفاً)، موضحاً: “عرف الجيش في حالات كثيرة في الماضي تحقيق تفوق على أعدائه من خلال اللجوء للخديعة والتمويه التكتيكي لحسم المعركة. الواقع أنه إلى غاية الآن لم تكن التكنولوجيا العامل الحاسم في أي معركة استراتيجية أو عملية كبرى”.