تهديدات متبادلة.. هل تتجه تركيا واليونان إلى الصدام العسكري؟
تزايدت الاتهامات والتهديدات العسكرية المتبادلة بين تركيا واليونان مما ينذر بتدهور الأوضاع في شرق البحر الأبيض المتوسط.
ويمكن القول إن الخلاف بين البلدين حول الوضع في بحر إيجه يتفاقم بسبب التحريض من قبل عدة دول في المنطقة.
فقد أعربت فرنسا، وكذلك مصر، عن “عدم شرعية” الصفقة التي أبرمتها تركيا مع حكومة طرابلس للتنقيب عن النفط والغاز في مياه البحر المتوسط.
وتحدثت باريس عن دعمها لأثينا ضد أي عمل عسكري تركي محتمل وهو أمر يصعّد الصراع اليوناني التركي والانقسامات داخل حلف شمال الأطلسي.
وتعمل الولايات المتحدة على إثارة فتيل الصراع بشكل غير مباشر، وذكرت صحيفة “ميلييت” التركية في أكتوبر/تشرين الأول أن واشنطن تحاول استغلال الصراع بين اليونان وتركيا للإطاحة بـ”أردوغان” الذي يعد غير مرغوب فيه بالنسبة للأمريكيين.
حتى أن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي “روبرت مينينديز” أعلن صراحة في أكتوبر/تشرين الأول أن “أردوغان”، الذي يقود ثاني أقوى جيش في الناتو، يمثّل الآن تهديدًا لواشنطن.
وتشير المعلومات بوضوح إلى تزايد الدعم العسكري الأمريكي لليونان في الأشهر الأخيرة.
وخصصت واشنطن في نوفمبر/تشرين الثاني 33.5 مليون دولار إضافية لتمويل قاعدة لاريسا الجوية لاستيعاب منصات متقدمة يمكن أن تحمل صواريخ جو – أرض وكذلك صواريخ جو – جو، وطائرات بدون طيار قادرة على الطيران لمدة 20 ساعة، وهي أكثر فاعلية من المسيرات التركية.
وفي إشارة إلى التوترات المتزايدة بين البلدين، حذر وزير الخارجية اليوناني “نيكوس ديندياس”، في رسائل إلى رئيس الدبلوماسية الأوروبية “جوزيب بوريل” والأمين العام لحلف الناتو “ينس ستولتنبرغ” في أوائل سبتمبر/أيلول، من خطر نشوب صراع خطير مع تركيا.
ورداً على إعادة نشر اليونان للمدرعات في جزيرتي ميديلي (ليسفوس) وسيسام (ساموس) في بحر إيجة، اللتين تتمتعان بوضعية نزع السلاح، شدد المسؤولون الأتراك نبرتهم العدائية تجاه أثينا.
على سبيل المثال، هدد “أردوغان” أثينا بأنها “ستدفع ثمناً باهظاً” إذا استمرت في “استفزاز الجيش التركي”.
وأثناء زيارته لمعرض الفضاء والتكنولوجيا “تكنوفست” في سامسون، قال الزعيم التركي: “أريد أن أقول لأثينا شيئًا واحدًا فقط: لا تنسوا إزمير!” في إشارة إلى المدينة المطلّة على بحر إيجه والتي يسمّيها اليونانيون “سميرنا”.
وقد احتلّت اليونان إزمير، بعدما ضمت إليها بموجب معاهدة نهاية الحرب العالمية الأولى، والتي لم تعترف بها تركيا إطلاقًا، ثم استعاد الأتراك هذه المدينة عام 1922، في معركة تعتبر مفصلية في التاريخ التركي الحديث.
لذلك، ليس من المستغرب أن المناورة العسكرية المشتركة التي اختتمت مؤخرًا “قبضة الإخوة”، والتي أجرتها وحدات من الجيشين الأذربيجاني والتركي في باكو والمناطق المتاخمة لإيران على ساحل بحر قزوين، تثير القلق ليس فقط في اليونان ولكن أيضًا في العديد من دول المنطقة، باعتبارها دليلا على استعداد الجيش التركي والأذربيجاني للحرب مع اليونان.
وأشارت وسائل إعلام يونانية إلى أن سيناريو التدريب تضمن إنزال “القوات الحليفة” من البحر على الجزر الواقعة تحت سيطرة العدو.
ونظرًا لأن أذربيجان لديها 3 جزر فقط في بحر قزوين، فقد تم التكهن بأن الهدف من التمرين كان في الواقع التحضير للاستيلاء المشترك على الجزر في بحر إيجه.
وقد تعززت هذه التقييمات من خلال الاختبار الناجح الذي أجرته تركيا للصاروخ الباليستي الجديد “تايفون” في أكتوبر/تشرين الأول، وتلميحات “أردوغان” بأنها قد تصل إلى اليونان إذا لم تغير أثينا سياستها ومسارها.
كما أن المنطقة حذرة إلى حد ما، من استعداد أنقرة لتفعيل القوة العسكرية في مواجهتها مع أثينا، وكذلك التطورات المرتبطة بالصناعات العسكرية التركية.
ومن بين 25 مشروعًا دفاعيًا مختلفًا، ستبدأ تركيا الإنتاج المتسلسل لثلاثة أنظمة دفاع جوي وطنية، “سيبار” و “حصار” و “سونجور”، بالإضافة إلى أنظمة مختلفة، بما في ذلك طوربيد “أكيا” و “تايفون” و “أتماجا” و “تي إل ري غي” و “كارا أوك”، وصواريخ “جوك دوغان” و “بوز دوغان”.
لكن بالرغم من النبرة المتزايدة للتهديدات المتبادلة، يبدو من غير المحتمل حدوث صدام مسلح خطير بين العضوين في الناتو في المستقبل القريب. ويجب أن يؤخذ في الاعتبار أن كلاً من تركيا واليونان ستخوضان حملات انتخابية في الأشهر المقبلة.
ومن المعروف أن شعبية “أردوغان” قد بُنيت أساسًا على التنمية الاقتصادية السريعة وارتفاع جودة الحياة. لكن الأزمة العالمية وأوجه القصور في السياسة النقدية أدت إلى تضخم وانخفاض حاد في قيمة الليرة التركية وتدهور الأوضاع المعيشية.
وتعاني اليونان من مشاكل مماثلة مع تزايد معدلات الفقر وتفاقم الأزمة الاقتصادية.
وفي ظل هذه الظروف، وبسبب الوضع السياسي الاقتصادي والمحلي الصعب في كلا البلدين، تحاول كل من أثينا وأنقرة تحويل التركيز إلى السياسة الخارجية، وهذا هو السبب في وجود مثل هذا الاندفاع النشط للعداء المتبادل.
ومع ذلك، فإن النخب السياسية في البلدين لن تستفيد من اندلاع صراع كبير، بالرغم أنه لا يمكن استبعاد الحوادث الحدودية مثل تلك التي وقعت في 2019-2020.
بالإضافة إلى ذلك، تهدد التوترات المتزايدة بين أعضاء الناتو واليونان وتركيا بتعقيد جهود أوروبا للحفاظ على وحدتها في مواجهة الأزمات الاقتصادية وسط استمرار الحرب في أوكرانيا.
لذلك ستسعى كل من بروكسل وواشنطن لمنع تصعيد الصراع التركي اليوناني إلى مرحلة ساخنة.
وللتخفيف من حدة الصراع، عُقد اجتماع سري مؤخرًا في بروكسل بين “آنا ماريا بورا”، مديرة المكتب الدبلوماسي لرئيس الوزراء اليوناني، و”إبراهيم كالين”، ممثل الرئاسة التركية، بحضور “ينس بلوتنر”، المستشار الدبلوماسي للمستشار الألماني “أولاف شولتز”.