علاقات عائلية متوترة وانقلاب عسكري.. حياة حافلة للراحل بيليه خارج الملاعب
كانت حياة الأسطورة البرازيلية، بيليه، الذي رحل الخميس عن 82 عاماً، مليئة بالأحداث خارج المستطيل الأخضر مثل مسيرته المدججة بالأرقام والإنجازات داخله، حيث تزوّج ثلاث مرات وعانى علاقات مضطربة مع أولاده وأبرم صفقات رعاية رائدة ساعدت لاعبي العصر الحديث على ملء جيوبهم.
تُلقي وكالة فرانس برس نظرة على الجانب الآخر من حياة اللاعب رقم 10.
“تكلم مع طبيبك”
ساهم بيليه في إبرام صفقات سمحت للاعبين الحاليين بتقاضي مبالغ هائلة من اللعبة الشعبية. إذ حصد الملايين من خلال ترويجه لشركتي “ماستركارد” و”فيزا” المتخصصتين بنظام الدفع عبر بطاقة الائتمان، وكذلك للصنادل المصنوعة من أجزاء الاطارات التي أعيد تدويرها.
في كتابها “سنيكر وورز”، تروي باربارا سميت بالتفاصيل كيف وقّع بيليه في كأس العالم سنة 1970 اتفاقا مع شركة “بوما” للملابس الرياضية تقاضى بموجبه 25 ألف دولار في البطولة حينها، إضافة إلى 100 ألف دولار في الأعوام الأربعة التالية، ما أدى إلى انخفاض في مبيعات أحذية أخرى ذات علامة تجارية مهمة.
الصفقة التي خرقت اتفاقا بين “بوما” ومنافستها “أديداس” تقضي بعدم التوقيع مع بيليه بسبب الكلفة التي ستنتج عن صراع المزايدات، تمت بشرط أن ينتعل البرازيلي الحذاء قبل مباراة الدور ربع النهائي ضد البيرو.
قام فعلا بذلك ما أدى إلى تقاضيه ما يوازي 2.85 مليون دولار في أيامنا هذه، من دون احتساب ما كسبه من مبيعات الاحذية.
إلا أن أشهر حملاته الترويجية كانت لعقار “فياغرا” لمكافحة العجز الجنسي في عام 2002، حيث ظهر في فيديوهات داخل ملعب “ماراكانا” الشهير في مدينة ريو دي جانيرو يقول: “تكلم مع طبيبك، سأفعل ذلك”.
في العام ذاته، تم تعيينه كأول سفير تعليمي في اليابان لعلاج ضعف الانتصاب بسبب حملته الإعلانية للعقار. إلا أن بيليه زعم أنه لم يستخدم “فياغرا” أبدا.
حياة عائلية مضطربة
غالبًا ما اعتبر المتوج بكأس العالم ثلاث مرات شخصا آمنا وصديقا للشركات على عكس الأسطورة الأرجنتيني الراحل، دييغو أرماندو مارادونا، اللذين جمعتهما دائما المقارنة لصفة أفضل لاعب كرة قدم في التاريخ. إلا أن حياة البرازيلي الشخصية كانت مضطربة أسوة بتلك التي عاشها الفتى الذهبي.
حُكم على ابنه، ايدينيو، الذي ولد بعد شهرين من تتويج منتخب السامبا بمونديال 1970، بالسجن لمدة 12 عاما سنة 2017 بتهمة التجارة بالمخدرات وتبييض الاموال.
خلال مقابلة في العام ذاته مع موقع “بليتشر ريبورت”، روى ايدينيو كيف لم يعد بيليه والدا صالحا بعد أن انتقل مع العائلة إلى نيويورك للالتحاق بفريق كوزموس منتصف السبعينيات، وانفصاله عن زوجته الأولى، روز ميري دوس ريس شولبي، بعد فترة وجيزة من وصوله إلى الولايات االمتحدة.
تصالح لاحقا مع ايدينيو ليلعب الأخير مع نادي سانتوس الذي نشأ فيه بيليه، إلا أن علاقته مع ابنته الأولى لم تكن جيدة.
إذ رفض الاعتراف بساندرا أرانتيس دو ناسيمينتو، التي ولدت في عام 1964، إثر علاقة مع خادمة، على رغم ان المحاكم البرازيلية أكدت في عام 1996 أنها ابنته بعد معارك قانونية استمرت خمسة اعوام.
أصدرت كتابا بعنوان “الابنة التي لم يردها الملك” وانتخبت عضوا في مجلس مدينة سانتوس.
توفيت في عام 2006 عن 42 عاما لإصابتها بسرطان الثدي. رفض بيليه حضور جنازتها كما لم يعترف بولديها.
وبعمر 76 عاما، تزوّج للمرة الثالثة في عام 2016 من سيدة الأعمال، مارسيا أيوكي، البالغة حينها فقط 42 عاما.
التقيا في نيويورك في الثمانينيات، إلا أن علاقتهما بدأت في 2010 بعد أن التقيا صدفة في أحد المصاعد في ساو باولو.
بين السينما والموسيقى
لم تقتصر حياة بيليه على كرة القدم والحملات الترويجية بل خاض أيضا تجربة مميزة في عالم السينما ولعلّ أبرز أدواره كان العرّيف لويس فرنانديس في الفيلم الكلاسيكي “إيسكايب تو فيكتوري” (الهروب إلى الانتصار)، إلى جانب الممثلين العريقين الأميركي، سيلفستر ستالون، والإنكليزي، مايكل كاين، الذي يروي محاولة مجموعة من أسرى الحرب الهروب من معسكر اعتقال ألماني خلال الحرب العالمية الثانية.
من أعماله أيضا كان فيلم “آ ماينور ميريكل” (معجزة صغيرة) تروي قصة كاهن يطلب من بيليه المساعدة في إنقاذ دارٍ للأيتام، ومسلسل “أوس إسترانوس” (الغرباء) عن علاقة الإنسان مع الكائنات الفضائية.
كما كان له ظهور قصير في الفيلم الكوميدي “مايك باسيت: إينغلاند مانيجير (مدرب انكلترا)” ، بينما رفض الظهور في فيلم وثائقي لشبكة “إي إس بي إن” الأميركية عن نادي نيويورك كوزموس، لأن المنتجين رفضوا منحه مبلغ 100 ألف دولار الذي طلبه.
كما لا يعتبر بيليه غريبا عن عالم الموسيقى، إذ بدأ في تسجيل الأغاني في ستينيات القرن الماضي. في العام 2006، أصدر ألبومًا بعنوان “بيليه غينجا” بالتعاون مع الفنان وكاتب الأغاني البرازيلي الشهير جيلبرتو جيل.
بعد عقد من الزمن، أصدر أغنية “إيسبيرانسا” (الأمل) للاحتفال بأولمبياد ريو دي جانيرو 2016 حيث أقيم الحدث العريق للمرة الأولى في أميركا الجنوبية.
وفي مناسبة عيده الثمانين في عام 2020، سجّل أغنية مع الثنائي المكسيكي رودريغو وغابريال المتوج بجائزة “غرامي” للموسيقى وصفها بـ “هدية صغيرة بمناسبة عيد ميلاده وللمشجعين”.
الحصار في لاغوس
إحدى أكثر التجارب المروعة في حياته حصلت خلال رحلة برعاية شركة “بيبسي” إلى مدينة لاغوس في نيجيريا عام 1976 عندما حصل انقلاب عسكري فاشل.
اغتيل الحاكم آنذاك الجنرال مورتالا محمد في محاولة الانقلاب التي أدت إلى إعدام العقيد بوكا سوكا ديمكا رميًا بالرصاص، بعد أن أزاحته القوات الحكومية عن السلطة في غضون ساعات.
تواجد بيليه في البلاد بالتزامن مع لاعب كرة المضرب الراحل الأميركي، آرثر آش، الذي كان يشارك في دورة لاغوس.
تم إخراج بطل ويمبلدون حينها من الملعب من قبل جنود مسلحين خلال مباراة نصف النهائي مع مواطنه جيف بوروفياك، وانتهى به الأمر في فندق القصر الفيدرالي مع البرازيلي.
تم تهريب بيليه خارج البلاد ما أن فتحت الحكومة الحدود حيث أصرت السلطات البرازيلية على أن يرتدي نجمها زي طيار لإخفاء هويته.