دينا شرف الدين تكتب: عصر المؤتمرات

   دينا شرف الدين

 

من جديد أعاود الحديث عن هذا الطوفان الذى اجتاح البلاد وبات أشد خطراً من الوباء، مهنة من لا مهنة له، وسبوبة يتهافت على اعتلاء أمواجها العالية المتهافتون ممن لا حيثية لهم، والتى تندرج تحت مسمى (مؤتمر).

 

وما أكثر المؤتمرات المنعقدة هنا وهناك، والتى اصطدمت أنا عن نفسى بها أكثر من مرة، لأعاهد نفسى عهداً غير قابل للتراجع ألا أنخدع ثانية بمثل هذه المسميات الرنانة وقائمة ضيوف المؤتمر اللامعة، والتى تضم عددا لا بأس به من الشخصيات العامة سواء كانوا أعضاءً بمجلسى الشيوخ والنواب أو رؤساء وعمداء جامعات وكليات وأحزاب أو إعلاميين ومفكرين، إلى آخره.

والأدهى من ذلك أن بعض هذه الفعاليات التى تقام تحت شعار رنان، وليكن المرأة ودورها بالمجتمع أو رؤية مصر 2030 أو غيرها من الموضوعات الحيوية التى تهتم بها الدولة، من الممكن أن تقام بمؤسسة صحفية عريقة أو مسرح وزارة، لتكتسب المصداقية وتستظل بمظلة جهة رسمية.

 

“وكان آخر مؤتمرات الفنكوش”، هذا الذى ضم عدة جلسات نقاشية وقد حضره بالفعل عدد كبير من الشخصيات الهامة والأسماء الرنانة، وتحدث من تحدث وخرجت التوصيات.

 

ولكن:

– لمن توجهت تلك التوصيات؟

– ومن المسؤول عن تفعيلها أو حتى إعادة النظر اليها؟

– وأين جمهور المستمعين، فما هم إلا مجموعة من المدعوين لالتقاط الصور التذكارية بمسرح أحد أعرق المؤسسات الصحفية!

 

غير أن:

تلك الدعوة التى تم توجيهها إلى للحضور كمتحدث بإحدى الجلسات، كانت باسم المستشارة الدكتورة..

وبسلامة نية وبما أن المكان محترم وقائمة المدعوين أكثر احتراماً، والموضوع فى صميم اهتماماتى وكتاباتى عن المرأة، قد قبلت الدعوة.

 

وإذ بي:

أفاجأ أن كلمة المستشارة التى ظننت أنها بسلك القضاء، كانت للعلاقات الأسرية، التى يعلن نفسه مستشاراً بها نصف سكان مصر.

وأن الدكتوراه، ليست بالضرورة أن تكون حقيقية، بل غالباً شرفية أو غير ذلك، وأن التكاليف التى تم صرفها بمثل هذا المؤتمر وما على شاكلته، لو كان تم توجيهها للمساعدة بأى ملف حيوى، أو لفقراء الصعيد والمرضى وكبار السن، لكان خير لهم وأبقى.

 

وكالعادة:

عندما تأكدت أننى قد تم خداعى لمرة جديدة بأحد مؤتمرات اللاشيء والسبوبة، قد انسحبت وانصرفت فى هدوء قبل أن يحين موعد حديثى الذى أعلم جيداً أنه لا داعى له ولا مستمع جيد ولا جهة فاعلة سوف تقوم بتفعيل توصيات ضيوف المؤتمر المزمع.

 

إذ يبدو انه بطغيان موجة الأى كلام التى صاحبت تلك السنوات العجاف والتى شهدت أكبر حالة من التدهور الأخلاقى بعد الخروج من شرنقة الكبت والاستخدام الخاطئ العشوائى لمفهوم الحرية قد تمت تهيئة المناخ الخصب للتربح واعتلاء المناصب والدرجات العلمية الزائفة.

 

فقد سلكت تلك الموجة طريقاً آمناً للخداع والتلاعب بمشاعر الكثيرين من خلال إقامة الفعاليات والمؤتمرات والمنتديات والمهرجانات التى ترضى جميع الأذواق، تحت مسميات رنانة ورعاية تبدو قانونية فى ظاهرها وفى باطنها ليست أكثر من عملية نصب مستتر للاستفادة والمنفعة.

 

وقد اتخذت تلك الفعاليات عدة أشكالا:

(فمنها المصبوغ بصبغة الوطنية وحب مصر)

والذى يجذب أكبر قطاع من أصحاب النوايا السليمة من الوطنيين المحبين لبلادهم والذين تستهويهم أية فعاليات تحمل عنوان فى حب مصر!.

أما عن هؤلاء الذين يقيمون تلك الفعاليات وينتظرون أى تصريح من الرئيس خاص بأى ملف أو موضوع لإطلاق الحملات والمؤتمرات والائتلافات التى تحمل نفس المسمى، وبكل أسف يزجون باسمه لإكساب السبوبة مصداقية وشرعية لا علاقة للرئيس بها ولا هو مسؤول عنها بأى شكل من الأشكال!.

 

ومنها (المهرجانات الفنية والإبداعية)، تلك التى انتشرت بكثافة وتحت عدة مسميات أيضاً ترضى جميع الأذواق وتحقق كافة الأمانى للباحثين عن الشهرة والتكريمات والميداليات فى كافة المجالات!.

 

وعن تلك الكارثة التى تعتمد على مجموعة من الرعاة للإعلان وتغطية التكاليف وتقديم الدعوات للكثير من الشخصيات العامة إعلامياً وفنيا ورياضياً ومع تطورات السنتين الأخيرتين انضم إلى تلك القائمة المتميزين والمبدعين فى شتى المجالات لتوسيع دائرة جماهير المهرجان أو الفعالية.

مع طبع مجموعة من الشهادات وشراء مجموعة من الدروع واستغلال اسم يبدو شرعيا لإضفاء بعض المصداقية لجذب المشاهير بحجة تكريمهم من خلال حدث كبير، وهذا ما يسعد ويرضى أى متميز فى مجاله أن يتم تقديره والاحتفاء به.

 

ولم يقتصر الأمر على هذا الحد ولم تقف المهزلة عند مسألة الخداع وبعض الكلمات الرنانة المطبوعة على شهادة فحسب، بل أصبحت هناك كارثة بكل المقاييس لا بد من التدخل لوقفها على الفور، وهى منح شهادات (الدكتوراة الشرفية) من عدد من الجامعات الخاصة بمقابل مادى عظيم للباحثين عن لقب دكتور ووضع (د.) قبل أساميهم بكروت الدعاية الخاصة بهم أو على صفحاتهم بوسائل التواصل الإفتراضى الوهمى، والذى قد تجد به للكثير من الأصدقاء صفحة كاملة مكتظة بالألقاب والمناصب مثل (سفير السلام العالمى، دكتور فلان، المستشار والمستشارة، ومؤسس حركة كذا أو صاحب مبادرة كذا).

 

وغيرها الكثير من الألقاب والمسميات التى غالباً ما تفقد هذا الشخص هيبته ومصداقيته لدى كل من له عقل برأسه بعيدا عن المحدثين السُذج الذين قد يبهرهم هذا (السى في) العظيم الذى إن بحثت عن مصداقيته فسوف يسفر عن لا شيء!.

 

فكثير ما أتحدث إلى أناس ملقبون أنفسهم بالدكتور والذى أكتشف بعد أن أسأل عن مجال التخصص لأكتشف كما هو الغالب أنها فخرية أو شرفية عادة ما تشترى بالمال.

 

لا أقلل من شأن بعض المستحقين للقب شرفياً من جهة محترمة تقديراً حقيقياً لإسهاماتهم بأى مجال، ولكن شتان بين هذا ومن يدفع ليصيط نفسه ويخدع من حوله بلقبٍ زائف!.

 

وعلى شاكلة هذا الحدث المخجل آلاف الأحداث والفعاليات اليومية والمهرجانات الفنية والتعليمية والرياضية والأدبية لجهات مجهولة الهوية وأشخاص دون أية حيثية، حتى تحولت المسألة برمتها إلى مجرد عملية تجارية مربحة ومضمونة، تعتمد على مجموعة من الممولين والرعاة الذين يعتمدون بدورهم على ضرورة تواجد بعض الشخصيات العامة من مختلف المجالات، هؤلاء الذين يسقطون دون تحذير بهذا الفخ المخزى، الذى لا يليق شكلاً ولا مضموناً بتواجدهم به، فيدركون بعد فوات الأوان أنهم كانوا مجرد فرائس لمجموعة من التجار والباحثين عن السبوبة بحدث منزوع القيمة والأهمية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى