الخليج وإيران.. هل تفلح محاولات التقارب ودعوات التصالح؟
لم يكن إبداء إيران، الأسبوع الماضي، استعدادها عقد اجتماع مشترك مع وزراء خارجية الدول الخليجية لإرساء الأمن في المنطقة، إلا مؤشرا جديدا لإعادة العلاقات بين طهران وعواصم الخليج المتوترة منذ نحو 7 سنوات.
والأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبداللهيان”، إن طهران مستعدة لعقد اجتماع على مستوى وزراء الدفاع والخارجية لدول الجوار، ومن بينها دول الخليج، مؤكداً استعداد بلاده لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع السعودية.
جاء ذلك بعدما أكد وزير الخارجية السعودي الأمير “فيصل بن فرحان”، أن دول الخليج والرياض لا تمانع إقامة علاقات جيدة مع إيران، مشيراً إلى أن هذه العلاقات تمثل ضمانة لأمن المنطقة.
لكن وزير الخارجية السعودي قال إن على طهران اتباع مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير.
وتبادلت الرياض وطهران تخفيض التمثيل الدبلوماسي، عقب اقتحام محتجين إيرانيين السفارة السعودية في طهران، والقنصلية السعودية في مشهد عام 2016 على خلفية قرار سعودي بإعدام رجل الدين الشيعي المعارض “نمر النمر”.
وتماشيا مع الموقف السعودي، قطعت دول خليجية علاقاتها مع إيران مثل الإمارات والبحرين، بينما خفضت دول أخرى مستوى تمثيلها الدبلوماسي مثل الكويت وقطر إلى مستوى القائم بالأعمال، بينما ظلت سلطنة عمان بعيدة عن هذه الضغوط.
وظلت رؤى دول الخليج الست غير متفقة على شكل العلاقات مع طهران وطبيعتها ومستواها، والسبل المثلى في مواجهة تهديداتها أو التهدئة معها.
وتتهم عواصم غربية وخليجية، لاسيما الرياض، إيران بالسعي إلى إنتاج أسلحة نووية وامتلاك أجندة توسعية في المنطقة والتدخل في شؤون دول عربية، بينما تقول طهران إن برنامجها النووي مصمم لأغراض سلمية وإنها تلتزم بعلاقات حُسن جوار معها.
وعلى الرغم من أن العلاقات الخليجية الإيرانية تشهد تحسنا، لكن العديد من الملفات تقف حائلا أمام الوصول بهذه العلاقات لمرحلة أكبر، خاصة فيما يتعلق باحتلال إيران للجزر الإماراتية، والتدخل الإيراني في شؤون بعض دول المنطقة، وعمليات تهريب الأسلحة والمخدرات من إيران باتجاه الخليج.
وسبق أن دعت قطر لحوار بين دول الخليج وإيران، قبل أن تبدي استعدادها لإدارة هذا الحوار.
وشهدت الأشهر الأخيرة، حلحلة كبيرة في الأزمة بين إيران ودول مجلس التعاون، خاصة السعودية والإمارات والكويت، في ظل عودة للعلاقات من قبل مع قطر، لتبقى البحرين وحدها من تغرد خارد سرب التقارب في دول مجلس التعاون.
ففي 14 أغسطس/آب، أعلنت الكويت عودة سفيرها الجديد لدى طهران “بدر عبدالله المنيخ”، في خطوة مشابهة لما أعلنته الإمارات قبلها بأسابيع، من عودة سفيرها “سيف محمد الزعابي” إلى طهران.
ولا تعد هذه التطورات مفاجئة، فقد انخرطت الإمارات في حوار مع الإيرانيين منذ عام 2019 على الأقل وأوضحت أنها تبحث عن فرص للحد من خطر الصراع في المنطقة.
وفي ذلك الوقت، قدم الإماراتيون قرار سحب قواتهم من اليمن باعتباره تأكيدا على رغبتهم في إزالة مصدر الاحتكاك الثنائي مع إيران.
وعلى رغم القطيعة الدبلوماسية، إلا أن العلاقات التجارية بين الإمارات وإيران لم تنقطع البتة.
فالإمارات تعتبر الشريك التجاري الثاني لإيران بعد الصين، ويعيش فيها نحو نصف مليون إيراني غالبيتهم من التجّار ورجال الأعمال وفيها أيضًا أكثر من عشرة آلاف شركة إيرانية تعمل في المجالات الغذائية والحديد والمواد الخام، في المقابل تعتبر إيران الشريك التجاري الرابع للإمارات.
الحراك الدبلوماسي الإماراتي والكويتي تجاه إيران يتزامن مع أجواء وُصفت بالإيجابية تجري على خط طهران-الرياض بفعل جولات المباحثات التي تستضيفها بغداد منذ العام الماضي.
وانطلقت المحادثات المباشرة بين البلدين في أبريل/نيسان 2021 بوساطة العراق في محاولة لتحسين العلاقات، وقطع البلدان أشواطا مهمة في ذلك الإطار، برعاية مباشرة من رئيس الوزراء العراقي السابق “مصطفى الكاظمي”، والذي كان يتمتع بعلاقات متميزة داخل الرياض وطهران.
وتوقفت المحادثات الدبلوماسية السعودية الإيرانية، على خلفية اندلاع احتجاجات شعبية في إيران بعد وفاة الشابه “مهسا أميني” في محتجز للشرطة بعد اعتقالها بدعوى مخالفتها شروط الحجاب وقواعد اللباس الصارمة بالجمهورية الإسلامية.
وذكر مسؤولون عراقيون أن المحادثات توقفت بسبب مزاعم طهران بأن السعودية تلعب دورًا في التحريض الأجنبي المزعوم للاحتجاجات الجماهيرية المناهضة للحكومة الإيرانية.
ورغم ذلك، التقى وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبداللهيان” مع نظيره السعودي الأمير “فيصل بن فرحان” على هامش مؤتمر بغداد للأمن والشراكة الذي عقد في الأردن، واتفقا على استئناف الحوار بينهما.
وكانت تقارير تحدثت عن إمكانية تنظيم لقاء بين ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” والرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” خلال “مؤتمر بغداد 2″، لكنهما في النهاية لم يحضرا.
يقول مدير وحدة الدراسات الإيرانية في مركز الإمارات للسياسات في أبوظبي “محمد الزغلول”، إن توقيت عودة العلاقات مع إيران مؤشر على تحولات عدة حصلت أخيراً في المنطقة يتمحور معظمها حول مفهوم انتقال أدوات التنافس بين دول المنطقة من المفهوم الجيوسياسي القديم إلى مفهوم جيو اقتصادي حديث.
ويوضح بالقول: “يأتي هذا في سياق الجهود الدبلوماسية، لاسيما في ظل الحكومة الإيرانية الحالية التي مضى أكثر من عام على تشكيلها، والتي دعت إلى علاقات إقليمية جيدة مع دول الجوار”.
ويلفت “الزغلول” إلى أن مسار عودة العلاقات هو مسار متعدد الأوجه، ويترجم رغبة خليجية وإيرانية تهدف إلى تهدئة التوترات، والبحث عن حلول للقضايا العالقة والخلافية عبر القنوات الدبلوماسية وليس عبر الصراعات الجيوسياسية التي لم تنجح في حلّ أي من هذه القضايا.
ويضيف: “رأت الدول الإقليمية أن تحقيق مصالحها يأتي بالحوار وعبر القنوات الدبلوماسية مع إيران وليس من خلال المسار الدولي الذي لم يترك للقوى الإقليمية أي مجال للتفاوض حول برنامج إيران النووي، ذلك أن مطالبات السعودية وقوى إقليمية أخرى كإسرائيل في المشاركة في أعمال هذه المفاوضات لم تحظَ بأي موافقة دولية أو إيرانية”.
ويثمّن “الزغلول” هذه التحوّلات في السياسات الخارجية الإيرانية والخليجية كونها ستساهم بحسب رأيه في تهدئة الأوضاع في المنطقة.
ويقول: “رأينا كيف انعكس ذلك في الهدنة في اليمن، وإذا استمر الوضع على هذا النحو فسنكون أمام مرحلة إيجابية ستنعكس في ملفات عدة كالتعاون البيئي والاقتصادي والأمني وفي مجالات عدة أبرزها الطاقة والمياه والنقل”.
فيما يعتقد الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية “عمرو الشوبكي”، أن هذا التقارب بين إيران ودول الخليج يأتي في إطار الاستشعار بين الجانبين بأهمية احوار، والحاجة الخليجية إلى تبني خطاب أكثر انفتاحا مع إيران ووجود قنوات اتصال دبلوماسي.
ويضيف أن “هناك توجه خليجي نحو إجراء مراجعة شاملة للعلاقات مع دول الجوار، مثلما حدث مع تركيا على سبيل المثال”.
ويشير الباحث إلى أن هناك إدراكا (في دول الخليج) أن الصراع لن ينتصر فيه أحد “فلا الحوثيين ولا التحالف في اليمن، ولا حزب الله اللبناني ولا منهاضيه، ولا الأحزاب المناوئة لإيران في العراق ولا التيار الصدري ولا السنة، اختفوا من المشهد، لذلك لا يوجد في الصراع غالب ولا مغلوب، وأصبحت الحاجة ملحة للحوار مع الطرف الآخر طالما سيبقى هذا الطرف جارا وستبقى أدواته ولن تختفي”.
ويقول “الشوبكي” إن هناك قناعة بضرورة استعادة العلاقات مع إيران، رغم إقراره بأن هناك خلافات، خاصة بين الرياض وطهران، و”لكن سيتم التعامل مع الخلافات من خلال القنوات الدبلوماسية وليس القطيعة”.
ويتابع: “هذا لا يعني التحالف مع إيران، ولكن إدارة الصراع بأدوات مختلفة عكس ما حدث السنوات السابقة”.
ويرى “الشوبكي” أن الإمارات والكويت “تحركتا بإيقاع أسرع” من السعودية إزاء إيران، وهو ما قد يكون رسالة تحفيز للسعودية حتى تحذو حذوهما، وإشارة إلى أن هناك دولا حليفة للسعودية لها علاقات مع إيران وهذه الدول جزء أساسي من مجلس التعاون الخليجي.
من جانبه، يقول الأكاديمي في جامعة الحسين بن طلال الأردنية “حسن عبدالله الدعجه”، إنه “في ظل الوصول لعدم توافق بين إيران والغرب بشأن الاتفاق النووي، وصعود اليمين المتطرف في الكيان الإسرائيلي وتشكيل حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو، فإن مخاوف إيران تزداد من توجيه ضربة لها”.
ويضيف: “إيران تستشعر الموقف الدولي، وخصوصاً في ظل مساندتها لروسيا عسكرياً وتقنياً وتصنيعياً وبالأسلحة والطائرات المسيرة والصواريخ الباليتسية، ومن ثم ستجد نفسها في عزلة بهذا الجانب”.
ولذلك رأت طهران أن تنفتح على دول الخليج، وهذا الانفتاح جاء بعد زيارة الرئيس الصيني الأخيرة للسعودية وعقده للقمم الثلاث مع المملكة ودول الخليج والدول العربية، كما يرى الخبير السياسي والاستراتيجي.
ويعتبر أن هذا الانفتاح قد يكون بوساطة صينية ليحدث تقارب في وجهات النظر العربية والإيرانية، وهو ما يمكن أن يزيد من استقرار المنطقة، ومن ثم يحقق مصالح بكين، خاصة السياسية والاقتصادية المرتبطة بمبادرة “الحزام والطريق”.
ويتابع “الدعجه” أن “الخيارات في السياسة دائماً مفتوحة. الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما قدم إلى المنطقة كان يريد حشد الدول الخليجية والعربية لمحاربة إيران إلى جانب الكيان الإسرائيلي، وهذا ما فشل فيه”.
ويشير إلى أن “بن سلمان” صرح خلال زيارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، بأن إيران دولة جارة، ونستطيع أن نتفاهم ونتواصل معاً بشكل مباشر.
ويضيف أن “البراغماتية السياسية لدى الجانبين تتجه للعقلانية والواقعية والسياسة الرشيدة من أجل الوصول إلى تسوية شاملة لبعض الملفات العالقة بين إيران ودول الخليج”.