تحركات عسكرية في تيغراي تمهد لجولة جديدة من الحرب الاهلية
قال زعيم جبهة تيغراي إن اتفاق السلام الموقع في جنوب أفريقيا يفتقد كثيراً من آليات التنفيذ (مواقع التواصل)
نقلت وسائل الإعلام الإثيوبية معلومات تشير إلى تحركات عسكرية وتطورات ميدانية في إقليم تيغراي (شمال إثيوبيا) قد تعقد تنفيذ اتفاق السلام المبرم بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير تيغراي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعاصمة جنوب أفريقيا تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، وضمانة كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وبحسب قناة “أديس مونيتر”، فإن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي حركت وحداتها في راية والماطا، وهما منطقتان موضعا خلاف بين تيغراي وإقليم الأمهرا المجاور. وتمثلت التحركات العسكرية التيغراوية بهذه المناطق في إعادة تمركز القوات وتعزيز المواقع العسكرية إضافة إلى حفر الخنادق مما يوحي بوجود استعدادات لمواجهات محتملة، في حين حذر الحزب الديمقراطي للراية من هذه التحركات “المهددة لاتفاق السلام الذي لم يجف مداده بعد”، بحسب تعبير الحزب.
لا آليات لتنفيذ الاتفاق
من جهته، قال زعيم جبهة تيغراي ورئيس الإقليم دبرصيون جبر ميكائيل، الأسبوع الماضي، إن “الاتفاق الموقع في جنوب أفريقيا يفتقد كثيراً من آليات التنفيذ مما يستدعي التفاوض حول هذه الآليات، فضلاً عن النظر في مواضع القصور به”.
ويعد بيان دبرصيون أول تصريح رسمي ينتقص من أهمية الاتفاق بعد أن ظلت الجبهة تدافع عن خيار السلام الذي اتخذته وتصفه بالتاريخي، مما يوحي ببدء مرحلة جديدة قد تكون ناتجة عن الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها من قبل مناصريها.
على الجانب الآخر شرع ممثلو كل من الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي بجولة جديدة من المفاوضات الأمنية في العاصمة الكينية نيروبي للنظر في الترتيبات الأمنية والعسكرية لتطبيق الاتفاق تحت رعاية الاتحاد الأفريقي والحكومة الكينية.
وتأتي الجولة الثالثة من المفاوضات بين ممثلي القوى الأمنية والعسكرية للطرفين في ظل التوترات التي ألقت بظلالها على خلفية التصريحات التي أدلى بها رئيس الإقليم والجبهة من جهة، والتحركات العسكرية على الأرض من جهة أخرى.
مرحلة ما بعد الاتفاق
بدوره، رأى الناشط التيغراوي محاري سلمون أن المرحلة الحالية هي “مرحلة مجابهة التحديات الحقيقية التالية للاتفاق، وعلى كل طرف الآن فرض شروطه بعيداً من صوت الرصاص”.
وعبّر محاري عن اعتقاده “أن الاتفاق الذي تم توقيعه في بريتوريا تحت الضغط الدولي الكبير لإيقاف المعارك يخضع الآن لاختبار النوايا، وكذلك لمدى حرص كل طرف على تحقيق المصلحة الوطنية، بعيداً من تحالفات القوى العسكرية التي ظلت تتحكم في سير الحرب”. وأضاف “لا يمكن التفاوض في أجواء الحرب، كما لا يمكن النظر إلى المصالح العليا للوطن ككل في ظل التحالفات التي ظلت قائمة مع قوى خارجية لها أجنداتها، فضلاً عن ميليشيات تحركها خلافات إثنية”، مؤكداً “على الرغم من الانتقادات الكبيرة التي تعرض لها اتفاق السلام الذي وصف بأنه اتفاق الاستسلام، فإنه حقق الهدف الأهم وهو وقف نزيف الدم، والآن أتت مرحلة التفاوض الأصعب حول الترتيبات الأمنية والعسكرية”.
واستطرد محاري “كل البنود التي تم انتقادها بشدة من قبل الناشطين التيغراويين مشروطة بعدد من الإجراءات، منها انسحاب القوات الإريترية وتقديم ضمانات أمنية واضحة قبل إلقاء الجبهة سلاحها”، مشيراً إلى أن “الجولة الجديدة من المفاوضات ستتركز على هذه المسائل العالقة”.
التقاط أنفاس ثم ماذا؟
من جهته، حذر الحزب الديمقراطي لمجموعة الراية من مغبة فتح جولة جديدة من المعارك، مؤكداً أن “التحركات التي تقوم بها قوات تيغراي توحي بالإعداد لجولة رابعة من المواجهات العسكرية”، ولفت الحزب نظر الحكومة المركزية، إلى “ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لأي تطورات محتملة على الأرض”.
بدوره، قال الناشط الإثيوبي إسكندر شيفارو “على الرغم من أهمية اتفاق السلام المبرم في نوفمبر الماضي، فإن نوايا كل طرف مختلفة تماماً عن الآخر”، مؤكداً أن “الجبهة وقعت الاتفاق مرغمة، لا سيما أنها كانت محاصرة في مدينة مقلي، والهدف الأساس يتمثل في إيقاف الحرب لالتقاط الأنفاس والعودة مجدداً من موقع قوة”.
وزعم إسكندر أن “القوى الدولية بما فيها الولايات المتحدة الأميركية لعبت دوراً مهماً لإنقاذ قيادات الجبهة، وقدمت لها بعض التعهدات في حال توقيعها، على أن تسهم بدور أقوى في مرحلة التفاوض حول آليات التنفيذ، مع ربط ذلك بشروط أمنية وعسكرية معينة”.
وزاد “في الصورة الكبيرة للاتفاق بدا أن الحكومة المركزية هي التي حققت معظم مطالبها، لكن لأن الشيطان يكمن في التفاصيل، فإن هذه المرحلة تؤكد أن الجبهة، سواء عبر تصريحات زعيمها أو تحركاتها على الأرض فضلاً عن سير المفاوضات الأمنية في نيروبي، قد تنجح في تجميد عدد من بنود الاتفاق”.
هل من حرب جديدة؟
وقال محاري “لا أعتقد أن أي طرف في حاجة للعودة إلى جولة جديدة من الحرب، حيث ستجري معظم المعارك في ساحة التفاوض”، مؤكداً أنها “لا تقل أهمية عن تلك الجولات التي خيضت على أرض القتال”.
ولفت إلى ان “التحدي الأبرز هو هل تملك حكومة آبي أحمد قرار إخراج القوات الإريترية من تيغراي، وهل ينجح المجتمع الدولي وبخاصة واشنطن وبروكسل في الضغط على أديس أبابا لتفكيك التحالف الإريتري الإثيوبي تحقيقاً للمصلحة العليا لإثيوبيا لا سيما أن بقاء هذه القوات من دون تفويض رسمي من الحكومة الفيدرالية أو قبول من التيغراويين يعد انتهاكاً للسيادة الوطنية الإثيوبية، بالتالي فإن الأمر برمته الآن في ملعب حكومة أديس أبابا”.
ورأى إسكندر أن “من هدد السيادة الإثيوبية منذ البدء كانت جبهة تحرير تيغراي عندما قررت الهجوم على الجيش الفيدرالي في الرابع من نوفمبر 2020 معرضة البلاد لحرب ضروس استمرت أكثر من عامين وخلفت مئات الآلاف من الضحايا”. وأضاف أن “ممثلي الجبهة ومؤيديها دوماً يتحدثون عن الأعراض الجانبية للحرب وليس في أسبابها المباشرة، فالاستعانة بالقوات الإريترية أتى كنتيجة للحرب التي أعلنتها الجبهة وليس العكس”.
وحول السؤال المتعلق باحتمال عودة المواجهات، أجاب “الإجابة عند قادة الجبهة، فإذا شعروا بأنهم وفروا ما يكفي من العتاد والمؤونة لخوض جولة جديدة من الحرب فإنهم لن يتوانوا عن فعل ذلك”، مؤكداً أن هناك “تفخيخاً ممنهجاً للاتفاق بشروط جديدة لم تتضمنها الوثيقة الموقع عليها في بروتوريا، وللأسف هناك قوى دولية تسهم في هذا الأمر وتمارس ضغوطاً اقتصادية ومالية قاسية على الحكومة المركزية للقبول بشروط غير التي تضمنها الاتفاق”.
وأشار إسكندر إلى أن زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الأخيرة إلى واشنطن، ولقاءه الرئيس الأميركي جو بايدن ومسؤولي الخارجية ووكالة الاستخبارات الأميركية، موضحاً أن تلك التحركات لا تعبر بالضرورة عن دعم إثيوبيا بقدر ما تعد محاولة لإيجاد منافذ جديدة من أجل ممارسة الضغوط ترغيباً وترهيباً”.