مرحلة جديدة.. هذه الملفات على طاولة القمة الصينية العربية
منذ ظهور جائحة “كورونا”، لم يغادر الرئيس “شي جين بينج” الصين إلا مرة واحدة لزيارة كازاخستان وأوزبكستان في سبتمبر/أيلول الماضي. وجاءت الرحلة الثانية هذا الأسبوع، عندما وصل إلى الرياض للقاء العاهل السعودي الملك “سلمان بن عبد العزيز” وولي عهده الأمير “محمد بن سلمان”.
وبمناسبة زيارة “شي”، قررت السعودية أيضًا استضافة أول قمة صينية عربية في 9 ديسمبر/كانون الأول الجاري. وبالرغم من عدم مشاركة أي تفاصيل أخرى، فقد تم إرسال دعوات إلى القادة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فيما يتساءل الكثيرون عما هو متوقع.
ويعد الإعلان عن قمة صينية عربية أمرا مهما وفي وقت تشهد فيه العلاقات بين الرياض وواشنطن توترات متزايدة، وتعد هذه القمة دليلا على الديناميات المتغيرة داخل الخليج. لكن على وجه التحديد، ماذا تريد الصين؟ وماذا عن ملوك وأمراء دول الخليج خاصة المملكة العربية السعودية؟
كما سنرى، تتوافق أهداف الصين والخليج في العديد من المجالات، مما يعني أن القمة قد تفتح عهدا جديدا من التعاون المتنامي.
وشهدت المحادثات حول اتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون في الخليج الصين رحلة طويلة مليئة بالتعثر. فقد بدأت المحادثات في 2004 ليتم تعليقها في عام 2009 واستأنفت في عام 2016 للتوقف مرة أخرى في عام 2017 عندما بلغت الانقسامات داخل مجلس التعاون الخليجي ذروتها بأزمة حصار قطر.
ولكن في عام 2021، استعادت ممالك الخليج علاقاتها وتم إنهاء حصار قطر. وفي الوقت الحاضر يبدو أن الأمور مهيئة. وقال سفير الصين في الإمارات،”تشانج يمينج” مؤخرًا إن المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة دخلت “المرحلة النهائية” وأن الجانبين “وافقوا على معظم القضايا”.
ومن المحتمل أن يحقق ذلك فوائد متبادلة كبيرة للطرفين. وفي عام 2020، كان من المتوقع أن تحل الصين محل الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري لمجلس التعاون الخليجي، حيث بلغت قيمة التجارة الثنائية نحو 161.4 مليار دولار.
وستزيد اتفاقية التجارة الحرة بالتأكيد من التجارة الدولية بين الصين والكتلة الخليجية، ومن المتوقع أن تشهد القمة نقاشات مكثفة حول هذه الاتفاقية التي طال التفاوض حولها.
وعلى مدى السنوات الست الماضية، كانت هناك محادثات متقطعة بين الصين والرياض حول بيع النفط باليوان الصيني، ويمكن أن توفر القمة فرصة لنقاشات معمقة حول هذه النقطة.
وفي إطار سعي الصين لتدويل اليوان، تعد الرياض شريكا جذابا ومهما حيث تشتري بكين أكثر من 25% من صادرات النفط السعودي، وإذا جرت هذه الصفقات بالعملة الصينية، فإن ذلك سيكون نقلة كبيرة في مكانة اليوان كعملة عالمية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون هذه الخطوة سابقة تدفع الدول الأخرى الغنية بالنفط لتحذو حذوها عبر تسعير صادراتها باليوان.
ولكن من المهم النظر في هذه السيناريوهات بحذر. ولطالما كان الدولار العملة الرئيسية لسوق الطاقة بفضل السعودية التي كانت راضية بمعادلة “النفط من أجل الأمن”، لذلك جرى ربط الريال السعودي وعملات خليجية أخرى بالدولار، مما يعني أن أي ضعف في العملة الأمريكية سيكون له في النهاية تأثير على الرياض أيضًا.
بالإضافة إلى ذلك، قد تكون المملكة مترددة في تجميع مبالغ كبيرة من اليوان، ومع ذلك فإن العقوبات ضد روسيا قد أيقظت مخاوف قديمة من نظام تجاري يهيمن عليه الدولار مما دفع دول مثل السعودية للتفكير في تقليل اعتمادها على الدولار.
وتعد بكين في وضع يسمح لها بمحاولة تدويل اليوان من خلال تقديم حوافز جذابة للمملكة مثل الاستثمارات الضخمة في مشروعاتها الضخمة الطموحة. ومن المؤكد أن النقاشات المتجددة حول الـ”بترويوان” تشير إلى أن قواعد النظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة تتآكل بشكل متزايد.
ويعد توسع منظمة “البريكس” مجالا آخرا تتوافق فيه أهداف مجلس التعاون الخليجي مع مصالح بكين. وقد أعلن وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” مؤخرًا عن فكرة “بريكس بلس”، وهو إطار يشير إلى نية فتح المنظمة أمام أعضاء جدد.
وكانت كل من السعودية والإمارات سريعتان في التعبير عن اهتمامهما بالانضمام. وإلى جانب المحادثات حول اتفاقيات التجارة الحرة وصفقات النفط باليوان، فمن المتوقع أيضا إجراء محادثات حول “بريكس بلس”.
التنويع الاقتصادي
تعتبر “الرؤىة” كلمة رئيسية مألوفة في منطقة الخليج، حيث قامت كل من الملكيات الست بوضع استراتيجيات للتنويع الاقتصادي بعيدا عن النفط. وقد أطلقت قطر “الرؤية الوطنية 2030″، بالتوازي مع “رؤية الكويت 2035″، و “رؤية عمان 2040″، و “الرؤية الاقتصادية 2030” في البحرين، و “نحن الإمارات 2031” الإماراتية.
وتعد المجالات الرئيسية لعملية التنويع هذه هي القطاع البحري، مع بناء البنية التحتية للموانئ، وتطوير قطاع قوي عالي التقنية. وتعد مبادرة الحزام والطريق الصينية، بما لديها من بنيتها التحتية وفرصها التكنولوجية، في وضع جيد لمساعدة الخليج على التخلص من “إدمان النفط”. وتعد تقنية الجيل الخامس في الصين أساسية لمساعدة الإماراتيين والسعوديين على تطوير “موانئهم الذكية” وتعزيز الكفاءة التشغيلية.
وفي أبو ظبي، تقوم شركة “NWTN” الصينية ببناء منشأة للسيارات الكهربائية. وفي مكان قريب في مدينة دبي المستقبلية، جرى أول إطلاق عام للسيارة الطائرة التي صنعتها الشركة الصينية “شي بينج ايروهت” في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهي كهربائية بالكامل وقادرة على تجنب حركة المرور، وقال الخبراء إنها ستكون جاهزة للاستخدام العام في أقل من 5 سنوات.
وتأتي القمة الصينية العربية في وقت تتدهور فيه العلاقات بين واشنطن والرياض. يشار إلِى أن قرار المملكة الأخير بخفض إنتاج النفط كان يُنظر إليه إلى حد كبير في الولايات المتحدة على أنه صفعة على الوجه من قبل حليف قديم.
وتبعث استضافة الرياض لقمة صينية عربية برسالة ضمنية إلى الأمريكيين مفادها أن السعودية تعتزم اتخاذ مسار أكثر استقلالية في عملية صنع القرار.
وفي هذا الإطار، ستكون الرياض مترددة في السماح للولايات المتحدة بالسيطرة على تحالفاتها لذلك تمهد الرياض المسرح للاستفادة بشكل أكبر من مشاركة بكين في المنطقة. وتعتبر المحادثات حول اتفاقية التجارة الحرة وصفقات النفط المحتملة باليوان وعضوية بريكس والتعاون التكنولوجي الواسع مؤشرات قوية على هذا الواقع.
وفي يوليو/تموز الماضي، كتب الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في صحيفة “نيويورك تايمز” إنه سيسافر إلى الشرق الأوسط لبدء “فصل واعد أكثر من مشاركة أمريكا هناك”. كما زعم أن الولايات المتحدة تحتاج إلى التعامل مع دول مثل السعودية من أجل التغلب على الصين. وحتى الآن، يبدو أن هذه الجهود لا تحقق الكثير من النجاح.
وليس من الواضح كيف سترد واشنطن على هذه القمة في المستقبل، وقد تكون صياغة سياسة جديدة تجاه الشرق الأوسط أمرا ضروريا لإعادة ترميم النفوذ الذي تخسره واشنطن بشكل واضح.