آخرها وديعة المليار دولار.. محطات واعدة لعلاقات مصر وقطر الاقتصادية

منذ توقيع اتفاق العلا مطلع العام الماضي 2021، والذي أنهى خلافا اندلع صيف 2017 بين دول خليجية إضافة لمصر مع قطر، تسارعت وتيرة العلاقات الاقتصادية بشكل خاص بين القاهرة والدوحة، مدعومة بلقاءات سياسية تصاعدت حتى بلغت أعلى مستوى بلقاء قيادتي البلدين، سواء على هامش لقاءات واجتماعات دولية أو من خلال زيارات متبادلة.

وقبل نحو شهرين، وتحديدا في 13 سبتمبر/أيلول الماضي، قام الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي”، بزيارة إلى قطر هي الأولى من نوعها منذ 8 سنوات، ووصفت حينها بالتاريخية، والتي كان سبقها زيارة أمير قطر “تميم بن حمد آل ثاني” للقاهرة، أواخر يونيو/حزيران الماضي.

آخر تجليات تطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إيداع “صندوق الثروة السيادية” القطري، الأربعاء الماضي، مليار دولار لدى البنك المركزي المصري، والذي جاء في وقت تقترب فيه الدوحة من صفقة للاستحواذ على حصص حكومية ببعض الشركات المصرية، في ظل ما تعانيه مصر من أزمات اقتصادية ومالية طاحنة، دفعتها لطرح العديد من أصولها السيادية للمستثمرين.

وجاء إيداع قطر لهذا المبلغ في البنك المركزي المصري، رغم قيام وكالة “فيتش للتصنيف الائتماني” قبل ذلك بيوم، بخفض نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري من “مستقرة” إلى “سلبية”، مرجعة ذلك إلى “تدهور” وضع السيولة الخارجية للبلاد.

أثار ذلك تساؤلات عما إذا كانت تلك الوديعة مقدمة لاستثمارات قطرية أو عربونا لما سيجري عقده من صفقات من شركات مصرية مع جهاز قطر للاستثمار، في ظل تطور علاقات البلدين الاقتصادية.

تقارب سياسي معزز

وخلال الفترة التي تبعت توقيع اتفاق “العلا” ومن خلال اللقاءات والزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين وفي مقدمتهم المعنيون بالقطاع الاقتصادي، تم توقيع عدة صفقات ومذكرات تفاهم في عدد من المجالات وصلت قيمتها، حسب مصادر إعلامية ورسمية، إلى 5 مليارات دولار.

كما لا تزال محاولات جهاز قطر للاستثمار، لعقد صفقات استحواذ على أصول بمصر مستمرة، بينما تتابع توقعات خبراء بزيادة وتيرة الاستثمارات القطرية في مصر خلال الفترة المقبلة.

وخلال زيارة “السيسي” للدوحة منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، شهد مع الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني” توقيع عدد من مذكرات التفاهم بين حكومتي البلدين، كالتوقيع على مذكرة تفاهم بين جهاز قطر للاستثمار وصندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية، ومذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الموانئ، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجالات الشؤون الاجتماعية.

كما التقى ممثلي رابطة رجال الأعمال القطريين، بمشاركة وزير التجارة والصناعة القطري الشيخ “محمد بن حمد بن قاسم آل ثاني”، ورئيس مجلس إدارة الرابطة، الشيخ “فيصل بن قاسم آل ثاني”، وعبر عن ترحيبه بهذا اللقاء الذي يجسد روح التعاون الأخوي بين البلدين.

وكان رئيس الوزراء المصري “مصطفى مدبولي”، استقبل نهاية مارس/آذار الماضي في القاهرة، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري “محمد بن عبدالرحمن آل ثاني”، ووزير المالية القطري “علي بن أحمد الكواري”، حيث تباحث الجانبان حول مجموعة من الاستثمارات القطرية والشراكات التي ستضخها الدوحة في الاقتصاد المصري.

وخلال ذلك اللقاء، تم الاتفاق على مجموعة من الاستثمارات والشراكات في مصر خلال الفترة التالية، بمبلغ إجمالي 5 مليارات دولار.

وصرح “آل ثاني”، خلال تلك الزيارة، بأن العلاقات المصرية القطرية في تطور مستمر، لافتا إلى “تجاوز المرحلة السابقة التي شابتها بعض التوترات بقلوب منفتحة ونظرة مستقبلية بما يصب في مصلحة بلدينا وشعبينا”.

وأشار إلى أن اتساع آفاق التعاون سواء فيما يخص توسيع الشراكة الاقتصادية بين البلدين وتعزيز التواصل بين البلدين والشعبين، وكذلك التواصل على المستوى السياسي.

وفي نهاية الشهر الماضي (أكتوبر/تشرين الأول)، زار وفد قطري برئاسة رئيس رابطة رجال الأعمال القطريين الشيخ “فيصل بن قاسم آل ثاني” مصر، لحضور المعرض الدولي الأول للصناعة، وأكد حينها وجود رغبة جادة لدى رجال الأعمال القطريين في إيجاد فرص استثمارية حقيقية.

نمو التبادل التجاري بنسبة 50%

ومنتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، صرح رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر الشيخ “خليفة بن جاسم آل ثاني”، بأنّ حجم التبادل التجاري بين قطر ومصر نما بنسبة 50% خلال عام 2021، لافتا إلى أن قيمة التبادلات التجارية بلغت نحو 239 مليون ريال (93.13 مليون دولار) مقابل 159 مليون ريال في 2020

وأشار إلى أنّ أبرز الواردات القطرية من مصر، تتضمن أجهزة تلفاز وأبواباً ونوافذ، أما الصادرات القطرية إلى مصر فتتضمن بولميرات الإثيلين بأشكالها الأولية، والألمنيوم، ومنتجات للصناعات الكيميائية.

وخلال مشاركتها في منتدى قطر الاقتصادي بالتعاون مع بلومبرج في يونيو/حزيران الماضي، عرضت وزيرة التجارة والصناعة المصرية “نيفين جامع” على الجانب القطري فرصا استثمارية في الصناعات التحويلية والصناعات المتخصصة والمنسوجات والجلود.

وأعلنت الوزيرة آنذاك عن تواصل بين الجانبين لتهيئة المناخ لفتح رؤوس أموال شركات مصرية أمام قطاع الأعمال القطري.

وفي ذات الشهر، بحثت رابطة رجال الأعمال القطريين مع الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة المصرية “محمد عبدالوهاب”، خلال زيارته للدوحة، تعزيز التعاون الاستثماري بين البلدين.

واتفق الجانبان حينها على أهمية تنسيق زيارات ميدانية لمجتمع الأعمال القطري إلى مصر لبحث الفرص الاستثمارية على أرض الواقع.

وعينت كل من مصر وقطر سفيرا لدى الدولة الأخرى العام الماضي، في مؤشر على تحسن العلاقات.

مجالات أخرى

تطور العلاقات بين البلدين استوعب مجالات أخرى إلى جانب القطاع الاقتصادي، حيث عقدت في سبتمبر/أيلول 2021، لجنة المتابعة القطرية المصرية اجتماعها السابع بالدوحة، كما استضافت الدوحة الاجتماع السادس للجنة القانونية القطرية المصرية يومي 13 و14 من ذلك الشهر.

وتوصلت هذه الاجتماعات إلى اتفاق بشأن مسائل معروضة على جداول أعمال اللجان، وجرى توقيع اتفاقيات ثنائية لتعزيز التعاون والتنسيق بين الجهات المختصة.

ووقّعت الشركة القطرية للخدمات البريدية والهيئة القومية للبريد المصرية اتفاقية وبروتوكولا في مجال التعاون البريدي.

كما وقّعت الهيئة العامة للطيران المدني القطرية وسلطة الطيران المدني المصرية مذكرة تفاهم بمجال النقل الجوي.

وتُجرى مشاورات بين البلدين لتوسيع وزيادة الاستثمارات في مجالات جديدة على رأسها الطاقة، بالإضافة إلى بحث إزالة العوائق أمام رفع حجم التبادل التجاري وتسهيل الاستثمارات المتبادلة.

انعكاسات ودلالات

التطور السريع في مستوى علاقات البلدين، خاصة الاقتصادية منها، أرجعته وكيلة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ المصري “سماء سليمان”، في تصريحات سابقة، إلى “إزالة العقبات التي كانت مانعة لتطور علاقات البلدين (..) والحاجة إلى تفعيل المصالحة بين البلدين، لأسباب اقتصادية وأخرى سياسية تتعلق بخارطة التحالفات الإقليمية”.

فيما قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر “علي الهيل”، إنه “على ما يبدو، فإن البلدين استعادا علاقاتهما السياسية والدبلوماسية وإن كان ذلك تم بالتدريج منذ تفاهمات قمة العلا في الخامس من يناير/كانون الثاني 2021”.

بينما يلفت الخبير الاقتصادي المصري “مصطفى عبدالسلام” في حديث لـ”الجزيرة نت”، إلى أن مصر ستستفيد من تلك الاستثمارات، حيث ستوفر فرص عمل وتدعم الإنتاج المحلي وتحد من الواردات، إضافة إلى أنها تسهم في زيادة الموارد الدولارية، وتوفر سيولة من النقد الأجنبي، وهو ما يساعد الدولة على سداد أعباء الديون الخارجية، وتكاليف واردات السلع ودعم استقرار سوق الصرف، والحد من أزمة العملة.

وأوضح أنه في المقابل سيستفيد المستثمرون الأجانب من دخول السوق المصرية الضخمة التي تضم فرصا واعدة في كل القطاعات وأيادي عاملة ومهارات بشرية، إضافة إلى سهولة الوصول للأسواق الخارجية، وبالتالي زيادة القدرة على تسويق السلع والمنتجات.

وفيما يتعلق باستثمارات قطر في مصر، قال “عبدالسلام” إن الدوحة أعلنت في مارس/آذار الماضي عن الاتجاه لضخ استثمارات تقدر بنحو 5 مليارات دولار في السوق المصرية، وذلك ضمن تعهد دول الخليج بضخ أكثر من 22 مليار دولار لدعم الاقتصاد المصري المتأثر بتداعيات الحرب في أوكرانيا وموجة التضخم العالمية، لافتا إلى أن جهاز قطر للاستثمار اتخذ خطوات مهمة نحو اختيار الفرص الاستثمارية التي يمكن إيجاد عوائد مجزية منها.

وحسب تقارير إعلامية، ارتفع حجم الاستثمارات القطرية في مصر بنحو 5 أضعاف على مدار الأعوام السبعة الماضية، إذ سجلت في العام المالي 2021/2020 نحو 507.9 ملايين دولار، مقابل 94.4 مليون دولار في العام المالي 2015/2014، فيما سجل عاما 2020/2019 نحو 678.3 مليون دولار.

وسجل حجم الاستثمارات القطرية خلال العام المالي 2019/2018 نحو 373.2 مليون دولار، وذلك وفقا لبيانات صادرة عن البنك المركزي المصري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى