احتجاجات إيران تتمدد.. والنظام “في أسوأ أيامه”
خلال السنوات الأخيرة، نجا نظام حكم رجال الدين في إيران من عدة موجات من الاحتجاجات الشعبية، لكنه يمر اليوم بـ”أضعف حالاته” في ظل استمرار المظاهرات وانتقالها لمعظم أنحاء البلاد على خلفية وفاة الشابة الكردية مهسا أميني بعد ساعات من اعتقالها من قبل “شرطة الأخلاق” بسبب طريقة ارتدائها للحجاب.
وأثار مقتل أميني مظاهر التحدي الواضحة من قبل المحتجين على النظام على الرغم من احتمال التعرض لمخاطر الاعتقال أو القمع، حيث يرى الكثير من الإيرانيين، ولا سيما الشباب، أن حادثة أميني هي جزء من سياسة طهران المتعلقة بالتعامل بعنف مع الشابات الإيرانيات.
ودخلت أميني في غيبوبة وتوفيت أثناء انتظارها مع محتجزات أخريات لدى شرطة الأخلاق، التي تعني بتطبيق قواعد صارمة في الجمهورية الإسلامية تطالب النساء بتغطية شعرهن وارتداء ملابس فضفاضة في الأماكن العامة.
وتشارك النساء بكثافة في الاحتجاجات، وتلوح كثيرات منهن بحجابهن أو يقمن بحرقه أو بقص شعرهن في الأماكن العامة.
كما أظهرت مقاطع مصورة تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي متظاهرين وهم يسيئون لرموز الجمهورية الإسلامية، وعلى رأسهم المرشد الإيراني علي خامنئي وسلفه آية الله الخميني.
في أحد المقاطع قام شخص بتسلق واجهة مبنى البلدية في مدينة ساري بشمال إيران ومزق صورة الخميني الذي أسس النظام الإسلامي الإيراني بعد ثورة 1979.
وأظهر مقطع آخر احتشاد الناس مجددا في طهران، الأربعاء، حيث هتف المئات “الموت للديكتاتور” عند جامعة طهران.
يقول مدير مركز الدراسات العربية الإيرانية المعارض علي نوري زاده إن الاحتجاجات الحالية تشمل جميع أنحاء إيران، مضيفا أن “مقتل أميني وحد الشعب الإيراني، حيث خرج الكرد والعرب والأذر والمشهديون والطهرانيون والجنوبيون والبلوش موحدين لأول مرة من أجل إدانة النظام والمطالبة بإسقاط خامنئي”.
ويتابع زاده في حديث لموقع “الحرة” أنه “حتى في الانتفاضة الخضراء لم نسمع شعارات مماثلة لما يحدث اليوم ومنها قائدنا قاتل وولايته باطل”.
ويؤكد زاده أن “هناك غضبا عارما في البلاد من خامنئي الذي اختفى، ولما ظهر لدقائق لم يتحدث أبدا عن الحادثة”.
ويرى زاده أن “من المبكر الحديث عن أن هذه الاحتجاجات قد تؤدي لسقوط النظام، ولكن النظام حاليا في أسوأ أيامه، فخامنئي مريض وموضوع خلافته يمثل مشكلة وأزمة عميقة في إيران”.
ويعتقد زاده أن الاحتجاجات ستستمر “وربما سينجح النظام في قمعها كما حصل سابقا، ولكنها ستعود بعد فترة وجيزة.. منذ الانتفاضة الخضراء تشهد إيران احتجاجات مستمرة ضد النظام”.
وأدى الاحتجاج على فوز المرشح المحافظ محمود أحمدي نجاد بالرئاسة في 2009 إلى خروج أكبر تظاهرات في إيران منذ الثورة الإسلامية في 1979، في ما عرف بـ”الثورة الخضراء” تبعتها أعمال قمع وقتل وعمليات إعدام طالت الكثير من قادة الاحتجاج.
وفقا لوكالة “أسوشيتد برس” شكلت “الثورة الخضراء” أكبر تحد لنظام الحكم في إيران بعد نزول الملايين الى الشوارع.
ردت السلطات بقمع وحشي، حيث فتح الحرس الثوري وميليشيا الباسيج النار على المتظاهرين وشنوا موجة اعتقالات واسعة ووضعت زعماء المعارضة قيد الإقامة الجبرية.
الأربعاء، أعلنت السلطات الإيرانية مقتل ثلاثة أشخاص بينهم أحد أفراد قوات الأمن خلال موجة احتجاجات المتواصلة لليوم الخامس. وذكرت منظمات حقوقية أن شخصا آخر على الأقل قتل، الثلاثاء، مما يرفع عدد القتلى إلى سبعة على الأقل.
انطلقت الاحتجاجات، السبت، خلال تشييع جنازة أميني في إقليم كردستان بإيران، ولا تزال متواصلة في معظم أنحاء البلاد، مما أثار مواجهات في ظل سعي قوات الأمن لقمع المظاهرات.
لم يشر الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي للاحتجاجات -التي تعد من بين أسوأ الاضطرابات التي تشهدها إيران منذ الاشتباكات التي شهدتها شوارعها العام الماضي بسبب شح المياه- خلال خطاب ألقاء، الأربعاء في ذكرى الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988.
وقالت منظمة حقوقية كردية إن الإنترنت انقطع تماما في إقليم كردستان حيث تشتد الاحتجاجات بشكل خاص، وحيث يوجد تاريخ للحرس الثوري في قمع الاضطرابات.
لكن مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صادقيان يقلل من خطورة الاحتجاجات على مستقبل النظام، وأنها لن “تستمر طويلا”.
يقول صادقيان إن “الاحتجاجات تتسع في أكثر من مدينة إيرانية، لكنها لن تؤدي لحصول هزة في النظام ولن تستمر طويلا لعدة أسباب ومنها أنها تستهدف قوات الشرطة المرتبطة بالأمن الداخلي والمواطن الإيراني لا يريد أن يساهم في إضعاف هذه القوات”، حسب قوله.
ويضيف صادقيان لموقع “الحرة” أن “الاحتجاجات تستهدف الحجاب، وهو أمر يرتبط بالعقيدة الدينية والشارع الإيراني أكثره محافظ ومتدين”.
ويتابع صادقيان أن “الاحتجاجات تستلم رسائل من جهات خارجية، والمواطن الإيراني لا يريد أن يقع تحت تأثير الدعايات الخارجية، لأنه يعتقد أن هذه الدعايات تنطلق من منطلق أمني وسياسي وهو لا يريد أن يكون ضحية لمثل هذه الدوافع”.
يقر صادقيان بوجود “سخط شعبي” عند كافة الأوساط لتصرف شرطة الأخلاق، مبينا أن “الكثيرين يريدون الضغط على الحكومة من أجل تعديل القوانين التي تؤثر على الحريات العامة في البلد”.
وأدانت الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ودول أخرى وفاة أميني وتعامل القوات الإيرانية مع التظاهرات.
وفُرض الحجاب على النساء في إيران بعد مدة قصيرة من قيام الثورة الإسلامية التي أطاحت بالشاه عام 1979.
وتتحقق وحدة خاصة في الشرطة تعرف محليا باسم “كشت ارشاد” (أي دورية الإرشاد) من تطبيق هذه القواعد، علما بأنها تملك سلطة توقيف أي امرأة تعتبر أنها خرقت قواعد اللباس قبل أن يفرج عنها عادة بعد توجيه تحذير لها.