أمير قطر في أجرأ حوار: لا علاقة لنا بالاخوان وأحداث “الربيع العربي” ستتكرر
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)—أجرى أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد مقابلة مفصلة مع مجلة “لو بوان” الفرنسيةـ تطرق فيها للعديد من الملفات الداخلية والإقليمية والدولية، وفيما يلي نستعرض لكم نصها وفقا لما نقلته وكالة الأنباء القطرية الرسمية.
دولة قطر هي دولة صغيرة تجد نفسها في وسط العديد من القضايا الكبرى، مثل: الطاقة، والدبلوماسية، والاستثمار، وكرة القدم… كيف تقيمون قوة الدولة ودورها العالمي؟
نعد دولة صغيرة جغرافيا، لكن كل دولة، كبيرة كانت أم صغيرة، تضطلع بدور في الأحداث الجارية حول العالم. ونحن نسعى من خلال سياستنا الخارجية في دولة قطر إلى تقريب وجهات النظر المتباينة، لمساعدة جميع الأطراف التي تحتاج إلى المساعدة، ولعب دور الوسيط في المنطقة وخارجها. فالعالم يحتاج إلى الحوار لحل مشاكله، وخير مثال على ذلك ما حققناه مؤخرا في أفغانستان، حينما طلب منا أصدقاؤنا الأمريكيون المساعدة في التواصل مع الأفغان من أجل التوصل إلى حل سلمي للحرب، وهذا ما فعلناه. أضف إلى ذلك الدور المهم الذي تلعبه دولة قطر في مجال الطاقة لكونها موردا ذا مصداقية في هذا المجال، ونفتخر بالتزامنا بالاتفاقيات التي وقعناها خلال العقود الماضية، بما في ذلك الاتفاقيات في قطاع الغاز، حيث إننا نزود عددا كبيرا من الدول بالغاز، من الأرجنتين إلى اليابان.
تشهد دولة قطر ازدهارا كبيرا اليوم، لكن تاريخها كان حافلا بالتقلبات… ما هي الدروس التي تعلمتموها؟
أن التعليم ركيزة أساسية، لا سيما في بلد يمتلك موارد طبيعية، وتعلمنا أيضا من تاريخنا، فقد كانت بلادنا حتى ثلاثينيات القرن الماضي مركزا لصيد اللؤلؤ وتجارتها قبل أن تقوم اليابان بتطوير زراعة اللؤلؤ، فأصبحت بلادنا معسرة الحال، مما اضطر عددا كبيرا من القطريين إلى العمل في الدول المجاورة، بينما كان الجوع نصيب العديد من الذين اختاروا البقاء. واكتشفنا النفط في بداية الأربعينيات، ثم بدأنا باستخراجه وتصديره بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، لكن النفط يعد مصدرا محدودا. وحين اكتشفنا الغاز في السبعينيات، كانت قيمته السوقية منخفضة نظرا لاهتمام الجميع بالنفط، وجب علينا المجازفة واستثمار أموال طائلة في منشآت التسييل والاستدانة. لكن الدرس الأهم من كل هذا هو أن الموارد ليست أبدية، يمكن للاستثمار أن يساعد، لا سيما من خلال صندوق الثروة السيادي، لكن الأمر الأهم هو الاستثمار في أنفسنا – في رأس المال البشري.
التعليم هو الحل، أغنياء كنا أم فقراء. فنحن نقوم بتطوير مدارسنا وجامعاتنا، كما قمنا بدعوة الجامعات والكليات الأمريكية والأوروبية لفتح فروع لها هنا، وبدأنا بتنويع اقتصادنا من خلال التركيز على تسع ركائز أساسية بما فيها التكنولوجيا، والصحة، والعلوم، والسياحة، وغيرها. وثقتنا كبيرة في اقتصادنا القوي، ونأمل أن نكون مستعدين لجميع السيناريوهات في المستقبل.
بالحديث عن التقلبات التاريخية، كانت دولة قطر شاهدة على صعود وانهيار عدد من الإمبراطوريات في تاريخها – الإمبراطورية الرومانية، والساسانية، والأموية، والعباسية، والعثمانية، والبرتغالية، والبريطانية… ما هي الإمبراطوريات التي تشهد اليوم صعودا أم انهيارا برأيكم؟ الجميع يتحدث عن الولايات المتحدة الأمريكية والصين، لكنني لا أعتقد أن بإمكاننا مقارنتهما بإمبراطوريات الماضي. فحقبتنا مختلفة، وباتت القوة تقاس بالتعليم والاقتصاد وبالثقافة أيضا. الولايات المتحدة الأمريكية قوة عظمى ليس على المستوى العسكري فحسب، بل على المستوى الاقتصادي والإبداعي والعلمي أيضا… أما الصين، فستكون قوة صاعدة في المستقبل بفضل اقتصادها القوي وعدد سكانها.
هل أنتم قلقون من حرب باردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين؟
لا نريد أن نرى العالم منقسما بين قوتين عظميين لأن ذلك سيشكل خطرا كبيرا. لكنني لا أعتقد أن ذلك يحصل في الوقت الحالي، وآمل ألا يحصل أبدا. فدولة قطر حليف مهم للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية بشكل عام، لكن الصين هي المستورد الأول للغاز الطبيعي المسال القطري.
لا يمكن أن نتجاهل التباينات الكبيرة بين الدولتين، لكننا نأمل أن يتم حل التوترات بالطرق الدبلوماسية والسلمية. فعالمنا يشهد اليوم انقسامات كثيرة، وآخر ما نريده هو رؤية انقسامات جديدة.
هل تعتبرون الاتحاد الأوروبي لاعبا أساسيا في عالم اليوم؟
بالطبع، فالاتحاد الأوروبي بالغ الأهمية، وتربطنا علاقات ممتازة مع معظم الدول الأوروبية، فهم حلفاؤنا، ويشمل التعاون بيننا مجال التجارة، والثقافة، والتعاون العسكري. ونعتبر الاتحاد الأوروبي والدول المنضوية تحت لوائه عاملا أساسيا للحفاظ على الأمن العالمي.
فرضت المملكة العربية السعودية حصارا على دولة قطر بين عامي 2017 و2021. كما شهدت دولة قطر محاولتي انقلاب منذ العام 1995، الأولى ضد والدكم، والثانية ضدكم شخصيا. كيف خرجتم من هاتين الأزمتين؟
لا أود الحديث عن الماضي، بل نريد أن نتطلع إلى المستقبل. فنحن نمر بمرحلة جديدة تسير فيها الأمور نحو الاتجاه الصحيح. ندرك أن وجهات النظر قد تتباين أحيانا، ونستعد للمستقبل مع دول مجلس التعاون الخليجي، وهو أمر أساسي لإطلاق إمكانات الشباب في المنطقة. وحدتنا وتعاوننا أمران مهمان للعالم أجمع، ويمر مجلس التعاون الخليجي بمرحلة تعاف بعد صدمة كبيرة واضطرابات، لكننا اليوم نسير في المسار الصحيح.
لكن ما الذي أزعج جيرانكم لهذه الدرجة؟ هل هو المسار الذي تنتهجه الدولة؟ أم نظام تعاقب السلطة؟ أم العلاقة مع إيران؟ فقد اتهمكم السعوديون بتمويل الإرهاب وجماعة الإخوان المسلمين في عام 2017…
بكل صدق، وكما قلت لك سابقا، لا أرى أي طائل من التحدث عن الماضي. ذكرت إيران، وهي دولة بالغة الأهمية بالنسبة لنا تربطنا بها علاقة تاريخية، بالإضافة إلى حقل الغاز الرئيسي الذي نتشاركه معها. نشجع جميع دول مجلس التعاون الخليجي وإيران على إبقاء قنوات التواصل مفتوحة. صحيح أن التباينات موجودة لدى الجميع، لكن يتوجب علينا الجلوس معا ومناقشتها مع الإيرانيين بشكل مباشر ومن دون أي تدخل خارجي.
أحد الانتقادات التي تواجهها دولة قطر بشكل متكرر هي العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين. ما هو الوضع؟
هذه العلاقة غير موجودة، وليس هناك أي أعضاء نشطاء من جماعة الإخوان المسلمين أو أي جماعات متصلة بها على الأراضي القطرية. نحن دولة منفتحة، ويمر عليها عدد كبير من الأشخاص من أصحاب الآراء والأفكار المختلفة، لكننا دولة ولسنا حزبا، ونتعامل مع الدول وحكوماتها الشرعية، وليس مع المنظمات السياسية.
لماذا تلعب دولتكم دور الوسيط بين الدول الغربية وأخصامها، مثل إيران أو طالبان في أفغانستان؟
الجمع بين الأطراف من أصحاب الآراء المتباينة هو جزء من سياستنا. وفيما يتعلق بطالبان، فقد اضطلعنا بدور الوسيط تجاوبا لطلب أصدقائنا الأمريكيين، استمرت المفاوضات لسنوات، وشهدت تقلبات عديدة، ولا شك بأن ما حصل العام الماضي لم يكن متوقعا. لكن وبشكل عام، تعاونا بشكل وثيق مع الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأوروبية بما فيها فرنسا. وفيما يخص الشأن الإيراني، لم نتلق طلبا بشكل رسمي، لكننا على تواصل مستمر مع حلفائنا الأمريكيين ومع الإيرانيين على حد سواء، لأن إيران دولة مجاورة. من واجبنا ومصلحتنا أن نقوم بكل ما في وسعنا لجمع الأطراف معا وتشجيعهم على التوصل إلى تسوية سلمية، نحن لا نضع حدودا أمام أنفسنا عند اختيار أطراف الحوار شريطة إيمانهم بالتعايش السلمي، لكننا لسنا مستعدين للتحاور مع من يعارض ذلك، ولسنا مستعدين بطبيعة الحال للتحاور مع الإرهابيين والجماعات العنيفة.
ما هي نظرتكم لقطاع الطاقة في السياق الحالي؟ وإلى أي حد يمكن لدولة قطر أن تعوض إمدادات الغاز الروسية لأوروبا؟
لقد جازفنا واستثمرنا في قطاع الغاز منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وعلمنا بأنه مصدر للطاقة سيكتسب أهمية كبيرة في المستقبل. وكررنا الأمر ذاته قبل بضعة أعوام من خلال زيادة إنتاجنا من الغاز الطبيعي المسال، رغم أن التوجه العالمي آنذاك كان يميل نحو التخلص من هذه المصادر والتركيز على مصادر الطاقة التي تعتبر “نظيفة”، مثل الطاقة الشمسية والهوائية. لكنني أؤكد لكم أن الغاز هو أيضا من مصادر الطاقة النظيفة، وهو مهم جدا للفترة الانتقالية المقبلة. فالحرب في أوروبا تعقد الأمور بشكل غير مسبوق، لكن المشكلة كانت موجودة مسبقا. وبالنسبة لدولة قطر، فنحن نصدر الطاقة للدول الآسيوية بشكل أساسي وللدول الأوروبية أيضا بناء على اتفاقيات طويلة الأمد بالإضافة إلى الاتفاقيات الفورية. نريد أن نساعد الدول الأوروبية وسنزودهم بالغاز في السنوات المقبلة، لكن مخطئ من يعتقد أن بإمكاننا تعويض الغاز الروسي، وذلك لأنه مصدر هام للسوق العالمي.
أنتم تعتقدون إذا أن الغاز، والغاز الطبيعي المسال على وجه الخصوص، سيحافظ على دوره المحوري في سوق الطاقة الدولي…
هذا صحيح، حيث سيلعب الغاز دورا بالغ الأهمية في الفترة الانتقالية وفي تنويع مصادر الطاقة على المدى الطويل، كما أنه مصدر للطاقة النظيفة: فقد استثمرنا على سبيل المثال أموالا طائلة في التكنولوجيا التي تسهم في احتجاز الكربون والحد من الاحتراق. وعلينا ألا ننسى بأننا نتحدث عن مشاكلنا، بينما هناك مليار شخص في العالم اليوم لا يحصلون على الكهرباء.
هل كان الأوروبيون محقين في فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي؟
يتعين علينا أن نتعامل بحذر مع العقوبات التي تعقد الأمور للعالم أجمع. في هذه الحالة بالتحديد، لا يسعني أن أقيم صوابية القرار الأوروبي من عدمها، لكننا نرى جميعا المشاكل التي تسبب بها نقص إمدادات الطاقة في القارة الأوروبية اليوم. الأمر الأهم هو أننا جميعا نعاني من الوضع الراهن، سواء على مستوى الطاقة أو على المستوى الغذائي، ولهذا السبب، فلا بد من إنهاء الحرب في أوكرانيا، ولا بد لنا من التوصل إلى حل.
تعرض إيمانويل ماكرون لانتقادات في الغرب نتيجة استعداده للتحدث مع الجانبين، بما في ذلك الرئيس فلاديمير بوتين. هل كان على حق برأيكم؟
نحن على تواصل مستمر مع الرئيس ماكرون، وأعلم أنه يسعى لإنهاء الحرب. وعلىى شخص ما التحدث مع كلا الجانبين لجمعهما معا، ويتعين علينا أن ندفع باتجاه الحوار. الرئيس ماكرون محق في مسعاه، ويمكن قول الأمر ذاته عن تركيا التي تسعى لتقريب وجهات النظر بين البلدين.
هل أنتم قلقون من احتمال انهيار العولمة نتيجة صعود الشعبوية والأزمة الاقتصادية العالمية؟
لم يتم التعامل مع جائحة كورونا بطريقة مثالية. فقد تمكنت الدولة الغنية من التعامل مع الأزمة، لكننا لم نكن قادرين على ضمان تمكن الدول الفقيرة من التعامل معها. والدرس الأهم هنا هو أنه يتعين علينا أن نتعاون معا لحل القضايا العالمية. فحتى لو امتلكت دولة قطر أو فرنسا الأدوية والمنظومة الصحية الملائمة لتوفير العلاج لشعبيهما، لن نتمكن من تخطي الجائحة حتى تتخطاها جميع دول العالم. لا نريد العودة إلى إغلاق المطاعم والمطارات ومحطات القطار، والأمر مشابه لما يحصل في قطاع الطاقة: فالارتفاع الكبير للأسعار لا يسعدنا لأنه أمر غير عادل بالنسبة للمستهلكين، كما أن انخفاضها الكبير لا يناسبنا لأنه أمر غير عادل بالنسبة للمنتجين. لا بد من التعاون الدولي لكي يستفيد الجميع. أنا لا أريد أن تنتهي ظاهرة العولمة، ولا أعتقد أن ذلك سيحصل. يرى البعض أن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء سيجعل الحياة أسهل، لكن ذلك ليس صحيحا؛ فالحديث وكونك مسؤولا ليسا الأمر ذاته، فلن ينجح ذلك. عالمنا واحد، ويتعين علينا بالتالي أن نتعاون معا لحل مشاكلنا.
تحدثتم عن انقسامات كثيرة، منها الانقسامات داخل العالم الإسلامي. ما هي نظرتكم لمستقبل الإسلام كدين؟
إنه سؤال واسع النطاق. هناك تنوع ولدينا ثقافات وأفكار ومجموعات عرقية مختلفة، صحيح أننا نأخذ الدين على محمل الجد، وينعكس ذلك على منظومتنا التعليمية، لكننا في الوقت ذاته منفتحون على الثقافات والديانات والشعوب الأخرى. الإسلام هو دين السلام، ونحن كمسلمين نتقبل الاختلاف مع الآخر، لأنه يتعين علينا جميعا أن نتعايش بسلام. إن العلاقة بين الديانات المختلفة مرت بتوترات عديدة، لكن لا جدوى من الحديث عنها أو سكب الزيت على النار. تطرقت للحركات الشعبوية أو الشخصيات الإعلامية التي تتحدث عن الإسلام وتطرح الموضوعات كأن هناك “نحن” و “هم” سعيا لاستغلال ظاهرة الإسلاموفوبيا، لكن تلك المقاربة ليست عادلة لأن الوضع مختلف تماما، إذ تربطنا علاقة كما أننا نتعامل معا في المجال التجاري والتبادل. فمن يزور أوروبا، سيلاحظ أن الناس هناك ليسوا قلقين من الإسلام بقدر ما أن المسلمين ليسوا قلقين من الديانة المسيحية. وهناك في الواقع عدد كبير من المسيحيين واليهود وأتباع الديانات الأخرى الذين يعيشون في دول إسلامية ويعتبرون أنفسهم جزءا من الثقافة الإسلامية، كما أن هناك العديد من المسلمين المتواجدين في الدول الغربية. هناك الكثير من الأمور الإيجابية التي يشهدها العالم اليوم، سواء على مستوى التكنولوجيا أو الأعمال أو العلوم أو التجارة أو الثقافة أيضا، والصعوبات التي نواجهها هي الاستثناء وليست القاعدة.
لا شك إذا أنكم تشعرون بالتفاؤل إزاء السؤال التالي حول العلاقات بين العالم الغربي والعالم الإسلامي، بالرغم من السياق الحالي للأحداث، بما في ذلك محاولة اغتيال الكاتب سلمان رشدي في فصل الصيف؟
ما أقوله هو أن هناك أشخاصا يعملون على استغلال توترات الماضي وتبايناته لتحقيق مكاسب سياسية، سواء على المستوى المحلي أو لنقل المشاكل إلى دول أخرى. يحق للسياسيين الحديث، لكن أشير هنا مجددا بأنه حين تتحدث مع الأشخاص العاديين، سترى أنهم لسوا قلقين من العالم الإسلامي أو الديانة المسيحية. يتعين علينا أن نتجنب هذه التوترات لأنها لا تساعد أبدا، وما يساعد هو الجلوس معا للحوار.
هل هذا هو السبب الذي دفعكم للموافقة على بناء كنيسة في الدوحة؟
تم بناء الكنيسة منذ فترة طويلة. فالمسيحيون يعيشون هنا منذ عشرات السنين ولهم الحق في ممارسة شعائرهم الدينية. رحبنا بهم في بلادنا، وساعدونا على بنائها. لقد كانوا يمارسون شعائرهم الدينية على انفراد، لكن والدي قرر بأنهم بحاجة إلى مكان عام، وهذا المكان هو عبارة عن مجمع يضم عدة كنائس غربية، وآسيوية، وأفريقية… يصلي فيه المسيحيون يوميا.
هل تتم معاملة الأقليات المسلمة في الدول الغربية بشكل لائق، سواء في فرنسا أو أي دولة أخرى؟
موقفنا واضح، فنحن نرفض التمييز ضد أية أقلية، سواء أكانت مسلمة أم لم تكن، وفي أي بلد كان. نشكل مجتمعين عالما واحدا، ولا يجب أن يشكل هذا الأمر مشكلة، لكن بعض السياسيين والإعلاميين يحاولون تشويه الموضوع. لهذا السبب، أقول دائما أن علينا أن نستمع إلى الأشخاص العاديين.
ما هو مفهومكم الشخصي للإسلام؟ هل تعتبرون نفسكم شخصا “متحررا” على المستوى الديني؟
إنه أمر مضحك حين يتحدث البعض أحيانا عن الإسلام ” المعاصر” أو “المحافظ” أو “المتحرر.” الإسلام هو دين، ونحن نعلم ذلك، لكنني شخصيا ملتزم دينيا ومعاصر ومرحاب، كما أن بلادنا وشعبنا يتسمان بالمعاصرة والترحاب أيضا. وفي الوقت ذاته، نحن فخورون جدا بتراثنا وديننا ومنفتحون على الآخرين مع الحفاظ على خصوصيتنا كذلك.
ما هي رؤيتكم لدور المرأة ومكانتها في المجتمع؟
نحن جميعا متساوون أمام الله، رجالا كنا أم نساء. تضطلع المرأة بدور حيوي في مجتمعنا، وتجدر الإشارة إلى أن أداء النساء في الجامعات في دولة قطر يفوق نظرائهن الرجال حيث يشكلن 63% من إجمالي عدد الطلبة، بينما تتوزع النسب بالتساوي على مستوى القوى العاملة. لدينا ثلاث وزراء من النساء في الحكومة يقمن بعمل ممتاز، ولدينا نساء يقدن طائرات في سلاحنا الجوي، لا نرى أي فرق بين الرجال والنساء، وندرك طبعا أن المرأة تعاني من التمييز في العالم، لكننا نعارض هذا التمييز بشكل كامل.
هل تعتقدون أن حرية التعبير هي من القيم الأساسية التي يجب حمايتها، أم يجب فرض الضوابط عليها أحيانا؟
أنا شخصيا أؤمن بحرية التعبير وبوجوب حمايتها. لكن إذا كانت هذه الحرية ستؤدي بشكل متعمد إلى مشاكل أو نزاعات في المجال الثقافي أو الديني، فإنني أتساءل عن ضرورتها؛ وهنا لا أقصد من ينتقد وزيرا , مسؤولا كبيرا، فلا مشكلة لدي في ذلك، لكن لا بد من توخي الحذر في الموضوعات التي نعلم بأنها قد تؤدي إلى مشاكل. يحق للجميع التعبير عن آرائهم، لكن يتعين علينا أن نتفادى الإضرار بالأشخاص الذين ينتمون إلى ثقافات أو ديانات أو خلفيات مختلفة عند التعبير عن آرائنا. وبشكل عام ينبغي أن تكون هناك حدود للأمور ، لكن إذا قال المرء ذلك فقد يعتبره البعض بأنه ضد حرية التعبير، غير أن الحديث عن الحدود لا يعني الأمر ذاته، وهذا الموضوع أصبح معقدا للغاية مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي.
كيف تقيمون العلاقة الفرنسية-القطرية؟
هي علاقة جيدة وقوية وتاريخية ومتينة للغاية. يجمعنا تفاهم مشترك ممتاز مع فرنسا، ونفتخر به. نتعاون بشكل وثيق في مجالات التجارة، والثقافة، والرياضة، والأمن، والشؤون العسكرية، والسياسة الخارجية. فأول زيارة لي خارج منطقة الشرق الأوسط بعد أن أصبحت وليا للعهد كانت إلى فرنسا، والأمر ذاته بعد أن أصبحت أميرا للبلاد. هناك تفاهم ممتاز بين الدولتين، ونفتخر بذلك للغاية.
كيف تصفون علاقتكم بإيمانويل ماكرون؟
نحن على تواصل مستمر، وقد التقينا أكثر من مرة، كما نتحدث عبر الهاتف، ونتشارك آراء عديدة حول السياسة الخارجية، ونسعى للتعاون بشكل وثيق من أجل تعزيز السلام ولعب دور في تحقيق الاستقرار وتقديم المساعدات الإنسانية عند الحاجة إليها.
هل تشعرون أن فرنسا تعامل دولة قطر بشكل عادل؟
نعم، هذا صحيح، قد تختلف آراؤنا أحيانا، لكن بشكل عام، لاحظت أن الرؤساء الفرنسيين يحرصون دوما على الحفاظ على علاقات جيدة مع دولة قطر.
توتال إنرجيز شريك مهم لدولة قطر ، ما هو الدور الذي تلعبه الشركة في العلاقات الثنائية بين البلدين؟
العلاقة التي تجمعنا بفرنسا أكبر من قطاع واحد كقطاع الطاقة، ولكن توتال إنرجيز تعد شركة بالغة الأهمية. وقد جازفنا حين استثمرنا في الغاز الطبيعي المسال مع إكسون موبيل وتوتال، لكن الشركتين قامتا بمساعدتنا على تطوير هذا القطاع، وسنحافظ على الشراكة في العقود المقبلة، بما في ذلك في المشاريع خارج دولة قطر.
هل ستحافظون على العلاقة مع الشركتين لأنهما جازفتا معكم قبل 30 عاما؟
نتعامل مع الشركات ونوقع العقود بشفافية تامة، لكننا نأخذ بالاعتبار أيضا العلاقات السابقة والمخاطر التي واجهتها الشركات معنا والدعم الذي قدمته لنا، ولا ننسى أبدا الأشخاص والشركات والدول التي وقفت بجانبنا في الأوقات الصعبة وجازفت معنا. هناك دول كبيرة تنسى، لكننا لا ننسى.
هل تعتبرون نادي باريس سان جيرمان استثمارا جيدا؟
بطبيعة الحال، فالمجال الرياضي فريد من نوعه. وإذا أردت أن تستثمر في أية رياضة، فلا بد من أن تكون شغوفا بها، وإلا ستهدر أموالك. لكن سترتفع قيمة المشروع إذا أحسنت إدارته، وهذا ما حصل مع باريس سان جيرمان. فالقطريون فخورون بالعشر سنوات التي أمضوها مع النادي، لأن الرياضة في دمنا.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من مشجعي مرسيليا وليس باريس سان جيرمان، هل تعد هذه مشكلة؟
(قال سمو الأمير مبتسما) نتمازح حول هذا الأمر دائما، لكن لا مشكلة في ذلك. هو يحب الرياضة، وأتطلع دائما إلى مناقشة الشؤون الرياضية معه. وقد حضرت نهائي بطولة كأس العالم 2018 بين فرنسا وكرواتيا رفقة الرئيس وزوجته وكنت شاهدا على فرحتهما حين فاز المنتخب الفرنسي.
هل تعتبرون مقاتلات الرافال استثمارا جيدا أيضا؟
مقاتلة الرافال هي مقاتلة استثنائية، ونحن مسرورون جدا بتزويد طيارينا بها. فنحن نشتري المعدات العسكرية من فرنسا منذ عدة عقود، وقد اقتنينا طائرات الميراج قبل أن نقتني الرافال، ولا تقتصر علاقتنا بالطائرات فقط، فلدينا عدد من مرشحي الضباط القطريين يكملون دراستهم في فرنسا، كما نشارك في المناورات العسكرية المشتركة مع الجيش الفرنسي، بما في ذلك قوات الدرك.
ما هي الصفات المطلوبة برأيكم لقيادة دولة؟
من المهم أن يكون المرء قادرا على الإصغاء وألا يتردد. فالتردد يعدكارثة. لا يجب عليك أن تكون عنيدا، لكن حين تتخذ قرارا وتشعر أنه القرار الصحيح، لا سيما بعد الاستماع إلى عدة آراء، يتعين عليك المضي قدما به.وإذا أدركت أنك مخطئ، فيجب ألا تتردد في العدول عنه. يعد الأمر دائما سلبيا عندما تتردد ، وتعلمت هذا الدرس من والدي. لكن يمكن للمرء أن يتعلم فن القيادة من أي قائد، وليس من رؤساء الدول فقط. فقادة الأعمال يواجهون الصعوبات أيضا، والأمر ذاته بالنسبة للمدربين الرياضيين، وقد قرأت كتابا حول هذا الموضوع لمدرب نادي مانشستر يونايتد السابق أليكس فيرغسون. تكمن براعة القائد في التعامل مع المشاكل، لكن دوري مختلف لأن أولويتي هي حماية شعبي.
توفيت الملكة إليزابيث الثانية بعد أن حكمت بريطانيا لمدة 70 عاما. ما هي الذكريات التي تحتفظون بها عن الملكة الراحلة، وما هي الدروس التي تعلمتموها من حياتها؟
كانت صاحبة الجلالة شخصا أكن له كل الاحترام، وقد تشرفت بلقائها في أكثر من مناسبة، وكان آخر لقاء بيننا في قصر وندسور في وقت سابق من العام الحالي. كانت تمتلك أفضل صفات القيادة – الصراحة، والنزاهة، والصلابة، والتعاطف، وغيرها الكثير. وكانت بارعة في الإصغاء، وتمتلك حسا فكاهيا مميزا. سيذكرها الجميع إلى الأبد كسيدة تتمتع بقدر كبير من القوة والكرامة والتفاني في أداء واجباتها.
من هم رؤساء الدول الذين يمثلون مصدر إلهام بالنسبة لكم؟
لا يمكنني أن أتحدث عن رؤساء الدول الحاليين لأن معظمهم أصدقائي، لكن والدي كان مصدر إلهام كبير بالنسبة لي لأنه رجل عظيم وكريم وشجاع لا يتردد في الاعتراف بالخطأ وقدم لي الكثير من النصائح القيمة. القائد الآخر الذي لطالما استمتعت بالتحدث معه هو رئيس وزراء سنغافورة السابق لي كوان يو. وقد سنحت لي الفرصة للقائه والتحدث معه عدة مرات، وكنت أسأله عن الحياة، والإنجازات التي حققها، وكيف تعامل مع الصعوبات، وتعلمت أمورا كثيرة منه ومن كتبه أيضا. وأذكر أنه زار دولة قطر قبل وفاته، حتى إنه جرب ركوب الجمال.
كان لي كوان يو، الذي قاد دولة صغيرة مجاورة لدولة كبيرة هي ماليزيا، معروفا بإصراره على الاستقلال. هل ترى أي أوجه تشابه بين سنغافورة ودولة قطر؟
دولة قطر هي دولة مستقلة، وهذا أمر في غاية الأهمية. لا أريد أن ينظر إلينا أحد بصفتنا داعمين لجانب معين ضد جانب آخر. نحن دولة صغيرة محاطة بدول كبيرة، كما أننا عضو في مجلس التعاون الخليجي ونفتخر بتراثنا العربي، ولا نقبل أن يملي أحد علينا ما نفعله أو يتدخل في شؤوننا الداخلية. ونحافظ في الوقت ذاته على أفضل العلاقات مع الجميع، بما في ذلك جيراننا.
اعتقدنا جميعا في التسعينيات أن النموذج الغربي للديمقراطية المتحررة سينتشر في كل أنحاء العالم كما توقع المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما، لكن ذلك لم يتحقق منذ ذلك الحين. كيف تقيمون هذا التنافس بين النماذج المختلفة؟
يتعين علينا أن نأخذ بالاعتبار ثقافة كل دولة. فسنغافورة على سبيل المثال تملك نموذجا خاصا بها للديمقراطية والحوكمة، ولا يمكن أن نأخذ هذا النموذج ونفرضه على دولة أخرى. فسنغافورة دولة آسيوية لها ثقافة ونمط حياة خاص بها، وهذا يلائمها بشكل مثالي، فالجميع يرى أنها دولة متطورة. المثال الآخر على هذا الموضوع هو النجاح الذي حققته رواندا مع الرئيس بول كاغامي.
هل تعتبرون النموذج الذي أرساه لي كوان يو، والذي يعرف أحيانا بـ “الأوتوقراطية المثقفة”، مثالا لدولة قطر؟
تمتلك دولة قطر نموذجا خاصا بها من أكثر من قرن، وقد عملنا على تحسينه من خلال الإصلاحات. ولأكثر من 50 عاما كان لدينا مجلس شورى – الذي أعتمد عليه بشكل كبير ويكمن دوره في مساعدتنا في حكم الدولة، وهو دور مفيد للغاية. لدينا نظام فريد من نوعه، ويعمل بشكل ممتاز، لكنني لن أتردد يوما في تطبيق الإصلاحات التي ستفيد بلادي وشعبي في حال شعرت أنها ضرورية، وذلك لأن مهمتي تكمن في حماية شعبي وبلادي والحرص على قدرة الدولة على تخطي أية تحديات قد تواجهها.
ما الذي تودون أن يعرفه المشجعون الذين يستعدون لزيارة دولة قطر خلال بطولة كأس العالم عن بلادكم؟
دولة قطر هي أول دولة عربية تنظم هذا الحدث العالمي، وهو حدث بالغ الأهمية للشباب، لا سيما في العالم العربي. سنستقبل مئات الآلاف من المشجعين في الدولة، ونرحب بالجميع أيا كانوا وبغض النظر عن أصولهم أو ثقافتهم. ونريد من الزوار أن يتعرفوا على أوجه الاختلاف بين الثقافات وأن يكتشفوا ثقافة دولتنا، ونأمل أن يدفعهم ذلك لزيارتنا مجددا.
ماذا عن الطقس والمكيفات في الاستادات الخاصة بكأس العالم؟
أعتقد أنه يجب إتاحة الفرصة لكل دولة لاستضافة الفعاليات الرياضية، لكن قد يشكل المناخ عائقا في بعض الأحيان. لقد استخدمنا تكنولوجيا فائقة التطور للحد من استهلاك المياه والطاقة خلال بطولة كأس العالم لكي تكون البطولة أكثر استدامة. على سبيل المثال، حاز كل من ملعب المدينة التعليمية وملعب لوسيل، الذي سيستضيف المباراة النهائية، وملعب 974 على شهادة المنظومة العالمية لتقييم الاستدامة من فئة الخمس نجوم من المنظمة الخليجية للبحث والتطوير.
ما هو ردكم على الانتقادات الموجهة إلى بلادكم، لا سيما في ما يتعلق بظروف العمل الخاصة بالعمالة الوافدة في مشاريع البناء الخاصة ببطولة كأس العالم؟
هنالك نوعان من الانتقادات؛ وننظر إليها في أغلب الأحيان كنصيحة أو كتنبيه، ونتعامل معها بجدية. على سبيل المثال، أدركنا أن لدينا مشكلة على صعيد العمل في مواقع البناء، واتخذنا إجراءات حازمة في فترة قياسية، فقمنا بتحديث القوانين ومعاقبة جهات العمل التي تسيء معاملة عمالها.كما فتحنا أبوابنا للمنظمات غير الحكومية، ونتعاون معها بشكل مستمر، ونحن فخورون بذلك. أما بالنسبة للنوع الأخر من الانتقادات، فهي تلك التي تستمر بغض النظر عما نفعله، وهي تأتي عادة من أشخاص لا يتقبلون فكرة استضافة دولة عربية مسلمة كدولة قطر لبطولة كأس العالم، وسيبحثون عن أي مبرر لتشويه سمعتنا.
هل تجدون أن الدول الغربية تتعامل بغرور مع الدول الأفريقية؟
لن أستخدم هذا المصطلح كونه غير لائق. لكن حين ننظر إلى القارة الأفريقية، نلاحظ أن التوازن يتغير في العلاقة نتيجة التغيرات التي تشهدها القارة. فقد برز الرأي العام الأفريقي، وتزايد عدد الأشخاص الحاصلين على التعليم العالي، ومن الواضح أن الحوكمة تتحسن هي الأخرى. صحيح أن الأمور تتغير، لكن حين نتحدث عن نظرة الدول الغربية إلينا، فيتعين علينا برأيي أن نتحمل مسؤولية أنفسنا. على صعيد منطقتنا، ينظر إلينا الغرب أحيانا ككتلة واحدة، بصفتنا دولا خليجية أو عربية، ويتعين علينا بالتالي أن نحل مشاكلنا بأنفسنا. لكن لا شك أن الأوضاع تتغير.
منطقة الشرق الأوسط معروفة باضطراباتها. هل يمنعكم ذلك النوم بسلام أحيانا؟
(قال سمو الأمير مبتسما) هناك أمور كثيرة تمنعني عن النوم بسلام! لكنني أعتز إلى أبعد الحدود بشعبي وكل من يعيش على أرض دولة قطر. فقد أصبحنا أكثر قوة بعد كل المصاعب التي واجهناها، ووقفنا متحدين في مواجهة هذه المصاعب. صحيح أننا نعيش للأسف في منطقة مضطربة، لكننا نريد أن ندعم شباب الشرق الأوسط ونعطيهم الأمل. نقوم اليوم بكل ما في وسعنا لكي يعم السلام في المنطقة، لكن الطريق أمامنا لا يزال طويلا. القضية الأهم هي القضية الفلسطينية، لأن السلام لن يتحقق إذا لم يتم التوصل لحل لها، ناهيك عن سوريا وليبيا واليمن… هذا ما يشعرني بالقلق على شباب المنطقة.
هل أنتم قلقون من احتمال تكرار أحداث شبيهة بأحداث الربيع العربي عام 2011؟
للأسف، ما زالت الجذور العميقة المسببة للربيع العربي موجودة، كالفقر، والبطالة، والخريجين العاطلين عن العمل… هل وجدنا الحلول لهذه المشاكل؟ كلا، بل تفاقمت. وإذا لم نجد الحلول، فستكرر الأحداث التي أدت لها هذه الأسباب في المقام الأول. أعتقد أن الطريقة الأمثل لتفادي الاضطرابات في المستقبل هي تنفيذ الإصلاحات بشكل تدريجي. يتعين علينا أن نعطي شعوبنا أملا حقيقيا وليس مجرد كلمات. لقد تعهدت دولة قطر بتعليم 10 ملايين طفل من غير الملتحقين بالمدارس، وتخطينا هذا الرقم، وسنصل قريبا إلى 15 مليون طفل في المرحلة الابتدائية. يتعين علينا أيضا أن نؤمن الوظائف والفرص، وأن نسمح للشباب بالتعبير عن آرائهم واختلافاتهم. لقد أطلقت دولة قطر سلسلة من البرامج للمساعدة على تدريب أكثر من مليوني شاب وشابة في العالم العربي وتأمين فرص العمل لهم، ولدينا على سبيل المثال تجربة فريدة في تونس، حيث نساعد الأشخاص على تأسيس مشاريعهم الخاصة بهم، ويستفيد عشرات الآلاف من الشباب والشابات من هذا المشروع.
ما هو رأيكم بقيام دول كالمغرب، والبحرين، والإمارات العربية المتحدة بإقامة علاقات مع إسرائيل قبل حل القضية الفلسطينية؟
يحق لكل دولة أن تقيم علاقات مع أية دولة أخرى. لكن ما هو التطبيع مع إسرائيل؟ أتكلم بكل جدية، هل الأوضاع طبيعية في إسرائيل؟ كلا، فما زال هناك أراض عربية محتلة ولاجئون لم يتمكنوا من العودة إلى منازلهم منذ أكثر من 70 عاما، مسلمون ومسيحيون يعيشون تحت الحصار في قطاع غزة… حين تم توقيع اتفاقية أوسلو ، اعتقدنا جميعا أن السلام سيتحقق، وأقمنا علاقات رسمية مع إسرائيل، كما قمنا بافتتاح مكتب تجاري إسرائيلي هنا في الدوحة، لكن الحروب لم تتوقف في قطاع غزة… يتعين علينا أن نتوصل إلى تسوية سلمية من أجل الشعب الفلسطيني، وأن نمنحه الأمل ونعيد له أرضه. نحن نتحدث مع الإسرائيليين، ونقدم المساعدات لسكان غزة والضفة الغربية أيضا. أنا أؤمن بحل الدولتين، إذ يجب أن يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون جنبا إلى جنب، لكننا بعيدين عنه للأسف.
ماذا تقولون للدول العربية التي تعمل على إعادة قنوات التواصل مع سوريا؟
سبق وقلت إنه يحق لكل دولة أن تقيم علاقات مع أية دولة تختارها. لكن جامعة الدول العربية قررت استبعاد سوريا لسبب وجيه، وهذا السبب ما زال موجودا ولم يتغير. أنا مستعد للمشاركة في أي محادثات في حال كان لدينا عملية سلام حول مستقبل سوريا ومطالب شعبها، لكن هذا ليس هو الحال في هذه اللحظة. استقبلت عدد من الدول الأوروبية اللاجئين بسخاء، وأتفهم أن ذلك تسبب بالمشاكل. لكن لماذا نقبل بأن يقوم قائد بارتكاب المجازر ضد شعبه وطرد ملايين اللاجئين من بلاده؟ هل هذا مقبول بالنسبة لنا كبشر؟ وماذا لو كنا نعرف أن هؤلاء اللاجئين سيأتون إلينا، ما سيتسبب بالمشاكل؟ فبدلا من انتظار النيران لتصل إلى منازلنا، يتعين علينا أن نتصرف بجدية ونضع حدا للمشكلة من أساسها في سوريا، وينطبق الأمر ذاته على ليبيا. إذا لم نكن حذرين، سنواجه عواقب وخيمة.
لقد تحدثنا عن الكثير من الأمور التي تقومون بها في إطار عملكم. لكن ماذا عن أوقات الفراغ؟
غالبا ما أكون منشغلا، سواء في المكتب أو في المنزل، لكنني أحرص أيضا على إمضاء الوقت مع عائلتي وأولادي وممارسة الرياضة. أحب السفر أيضا، رغم أنني لا أملك الوقت الكافي، كما أحب مشاهدة الأفلام، لا سيما الأفلام الوثائقية التاريخية، وقراءة السير أو المذكرات الخاصة، ولدي اهتمام كبير بالتاريخ.
غالبا ما نتطرق في “لو بوان” إلى التعليم وما يجب أن نعلمه لأطفالنا. قلت لنا أن والديك علماك التواضع…
أنا ممتن لهما لأنهما علماني التواضع. حين كنت في الـ 13 من عمري، أرسلني والدي إلى ألمانيا للبحث عن معدات رياضية ودفع ثمنها. كان بإمكانه أن يطلب ذلك من أي شخص، لكنه اختارني أنا. وأدركت بعدها أن تلك كانت طريقة ليعلمني فيها السفر لوحدي والاستقلالية. وحين كنت في الثامنة والتاسعة والعاشرة من عمري، جعلني أقضي فصل الصيف مع إحدى العائلات في مدينة “مالميدي” البلجيكية وتعلم اللغة الفرنسية. ثم أرسلني إلى مدرسة داخلية حين بلغت الـ 17 من عمري، وارتدت أكاديمية ساندهيرست العسكرية في بريطانيا، وتعلمت الكثير خلال تلك السنة. قضيت بعدها عدة أعوام في القوات الخاصة القطرية قبل أن يعينني والدي وليا للعهد. الانضباط والخدمة العسكرية أمران مهمان للغاية، وهذا ما دفعنا لإقرار الخدمة الوطنية في دولة قطر، ونخطط اليوم لتوسعة البرنامج ليشمل النساء أيضا. من المهم أن نخرج الشباب من منطقة الراحة ونعلمهم العمل الدؤوب والاستيقاظ في الصباح الباكر… لكن كما تعلم، فالتعليم يبدأ مع الأمور البسيطة، مثل ترتيب السرير حين الاستيقاظ في الصباح على سبيل المثال.