الشرق شرق والغرب غرب والأزهر باق.. بقلم: ياسر رافع
في مقال للكاتب والشاعر اليمني الكبير “عبد العزيز المقالح” بعنوان ” الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا” يقول نصا” يبدو أن هذه المقولة التي أطلقها الشاعر الإنجليزي “روديارد كبلنغ” في نهاية القرن التاسع عشر تحمل الكثير من معاني الحقيقة التي لا تقبل التغيير، وأنها تجسد واقع العلاقات بين الشرق والغرب لا في العلاقات والتقاليد والموروثات الروحية والثقافية فحسب؛ وإنما تجسد حالة السياسة المتعارضة أيضاً. فقد كان الشرق القديم مختلفاً عن الغرب القديم ولا يزال الاختلاف قائماً حتى الآن، وربما زاد في العصر الحديث اتساعاً نتيجة الغزوات الاستعمارية الغربية.
وقد لا يختلف الحال كثيراً في المستقبل انطلاقاً من التجارب التاريخية من ناحية، ومن اختلاف التطلعات السياسية والاجتماعية من ناحية ثانية، وإذا ما حدثت هدنة ما بين الشرق والغرب فإنها عادة ما تكون مؤقتة وتعود الأمور إلى سالف عهدها.
حدث ذلك في الماضي البعيد والقريب وحدث في الوقت الراهن، والشواهد في كل الأحوال تؤكد حقيقة أن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا.”
والكاتب يقرر حقيقة واقعية لا تقبل الشك فعلي الرغم من الهيمنه الإستعمارية والثقافية للغرب منذ القرن الثامن عشر على العالم إلا أنه وعلى الرغم من آثارة الواضحة على الثقافة العالمية إلا أنه لم يستطع ان يحول الشرق إلى غرب وخرجت كل الدول المستعمرة تلملم جراحها لتبحث عن إحياء مرجعيتها الثقافية المحلية التي تحدد هويتها ولم يمنعها هذا من الأخذ من الغرب المستعمر ما يناسبها من قدراته المادية كشئ طبيعي لدورة حياة البشرية.
ولهذا نجد بلادنا مثل اليابان والصين ودول جنوب شرق آسيا بتنوعها الديني المتنوع بين المسيحي والإسلامي والبوذي والثقافي النابع من تلك الأديان والبيئة المحلية، خرجت من تحت الوصاية الغربية وأصبحت تقارع بثقافتها الغرب وتهيئ نفسها لقيادة مستقبلية للعالم.
إلا منطقتنا العربية التي نكبت في إقتصادها وثقافتها وهذا نلحظة يوميا حيث أننا رغم محاولات كثيرة للخروج من الهيمنة الغربية عبر عشرات السنوات الماضية لا زلنا نريد ونحاول ولكن مقاومتنا ضعيفة وهذا بسبب ضعف مؤسساتنا الثقافية بالأساس التي تركت لطابور خامس من بقايا إستعمار سابق يحاول يوميا بجهد يحسد عليه أن يضرب بأسس الثقافة والموروث تحت دعاوي إحلال الثقافة الغربية مكان الشرقية دون الأخذ في الإعتبار أن الشرق شرق والغرب غرب وأن ذوبان كلاهما في الآخر لصالح أحدهما أوهام لا أساس لها.
لهذا لا تخرج معارك الطابور الخامس في منطقتنا العربية عن نقد الموروث دون تقديم جديد ذي قيمة إلا فيما ندر، وكذلك جعل قضية لباس المرأة وحريتها قضية مصيرية، والتشدق بالحريات الدينية دون الأخذ بالإعتبار خصوصية الدين في المشرق عنه في الغرب وغيرها من القضايا الفرعية التي لم تنتج واقعا جديدا، ونراه أكثر إشتباكا مع المؤسسات الدينية الرسمية وفي المقابل نراها أقل إشتباكا مع السلطة لصالح قضايا المجتمع الملحة لأنه يتخذها حامية له.
ومن هذا المنطلق نستطيع أن نفهم سر الهجوم على شيخ الأزهر الذي ظهر في صورة على متن طائرة العودة من رحلة علاج في الغرب وبجانبه ظهر كتاب بعنوان ” آفول الغرب” للكاتب والمؤرخ المغربي ” حسن أوريد” والذي يتناول فيه تأملات نقدية لأزمة الغرب الثقافية وأثرها على منطقتنا العربية بسبب إرتباط نخبتنا الإقتصادية والثقافية بالغرب.
الأمر الذي وجده آنصار الطابور الخامس فرصة للهجوم على مؤسسة الأزهر وشيخها ولكن بطريقة ساخرة تقلل من قيمة المؤسسة وشيخها من منطلق أن فكرة آفول الغرب سيجعلنا بلا قيمة ولن نجد الغذاء والدواء وأن مجرد قراءة شيخ الأزهر للكتاب هو تجاوز غير مسموح به حتى ولو من باب الإطلاع على ما كتبة كاتب عربي يرصد ويحلل لأن الخلاص من التخلف الحضاري ليس له إلا باب واحد فقط من وجهة نظرهم ألا وهو الإنصهار الكامل في الغرب دون وضع أي إعتبارات أقلها حرية التعبير والقراءة لكل الناس وليس شيخ الأزهر فقط.
لقد أبرز الهجوم على شيخ الأزهر عوار نخبة ما بعد الإستعمار الغربي للشرق حيث تبنيها لقضايا معظمها هامشية إلا فيما ندر، لكن الأخطر هو إبتعادها بالكامل عن القضايا الملحة للمواطن فيما ندر أيضا. لهذا نجدها أقل هجوما ضد مؤسسات الدول العربية الحاكمة وذلك لسببين الأول هو خوفها من واقع يرفضها وتخاف من عواقبة من القواعد الشعبية والثاني هو رغبتها في الإلتصاق بالسلطة كضمان لأمنها وحريتها والترويج لأفكارها. لهذا لا نجدها في واقعة الكتاب وشيخ الأزهر لم تهاجم الشيخ علي علاجه بالخارج وليس داخل مصر والتعرض لواقع الحياة الصحية للمواطنين الغير قادرين وذلك لسبب بسيط وهو أن ذلك سيجعلها عرضة لسخط السلطة وهو ما تخشاه ويرفع عنها الحماية.
إن مؤسسة الأزهر وشيخه واقع شرقي غير قابل للإنصهار في الغرب والتاريخ شاهد عليه وله. وأن آفول الغرب ليس نهاية العالم حتى يدافع عنه الطابور الخامس العربي وأن الدورات التاريخية شاهدة على ذلك فقديما ظهرت الحضارة الفرعونية والصينية والفارسية وبلاد الرافدين في مقابل الإغريقية والرومانية والغربية حاليا ومع ذلك ظل الشرق شرق والغرب غرب وذاب الطابور الخامس على مر التاريخ ولم نجد لهم آثرا ولكن ظل أثر من أخذ وتعلم وأستوعب وأبدع في سبيل نهضة بلاده بعيدا عن السباب واللعن والطعن في ثقافة بلاده ورموزها لمجرد إظهار بطولة وهمية وسط العامة وتدشين نفسه أمام الغرب أنه قادر على التغيير وفق مقتضياتهم.
وتبقى كلمة لدعاة التنوير الحقيقيين لا تدعوا غيركم يتولى زمام الأمور ويهدمون ما تقومون به من أجل الحفاظ على الهوية والأخذ بأسباب النهوض من أجل المستقبل.