حزب الله يتسبب في إفلاس لبنان بورقة “الحدود”

مع ارتفاع مؤشر التفاؤل على مقياس أزمة الحدود بين إسرائيل ولبنان، يقرع حزب الله طبول حرب تهدد ثروات هذا البلد الغارق في أزمات اقتصادية مستفحلة.

حرب يخشى اللبنانيون المثقلون أصلا بأزمات اقتصادية وسياسية خانقة أن تكتب السطر الأخير في بلد يكابد الإفلاس وينشد توافقا صعبا لتشكيل حكومته.

حلٌ أم حرب؟

ففي الآونة الأخيرة، أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون “قرب التوصل” لحل نهائي بملف ترسيم الحدود بين بلاده وإسرائيل.

وقال عون، في تصريحات صحفية: “يمكنني القول إن المدة التي تفصلنا عن الحل باتت قصيرة، وأعتقد أننا أصبحنا على مشارف التفاهم مع الأمريكيين الذين يتولون الوساطة بين لبنان وإسرائيل، ولكن لا أعلم الوقت المحدد لهذا الحل”.

تفاؤل بطي الخلاف، عززه حديث عن عودة الوسيط الأمريكي لمفاوضات ترسيم الحدود، أموس هوكشتاين، إلى بيروت نهاية الأسبوع الجاري، وفي جعبته رد إسرائيلي على المقترح اللبناني لحل نزاع طويل بشأن ملكية الثروات النفطية، في وقت

يجزم فيه مراقبون أن لبنان في أمس الحاجة إلى استغلال ثرواته النفطية البحرية، من أجل تجاوز أزمات اقتصادية وضعت البلاد على طريق الانهيار.

لكن حزب الله وعلى لسان أمينه العام حسن نصرالله، مارس هوايته في وضع المتاريس، وصعّد من لهجته بشأن النزاع الحدودي بعد أن نقلت إسرائيل سفينة تنقيب عن الغاز الطبيعي إلى حقل “كاريش”.

وفي أحدث تصعيد لسيد المليشيات، قال في تصريحات له أمس الإثنين، إنه “إذا بدأ استخراج النفط والغاز من حقل كاريش في شهر سبتمبر قبل أن يأخذ لبنان حقه فنحن ذاهبون إلى مشكل”، مضيفا أنه “في حال توقف هذا الأمر فإن الحزب لن يلتزم بأي عملية تهدئة بل إن معادلته ستبقى سارية المفعول”.

تصعيدٌ سبقته رسائل تهديد على مدار الأسابيع الماضية، عبر إرسال حزب الله، أربع طائرات بدون طيار، كان آخرها أمس الإثنين، باتجاه منصة “كاريش”، تم اعتراضها من قبل الجيش الإسرائيلي، في خطوة اعتبرها نصرالله “البداية فقط”، وأن مليشياته ستشن حربا ميدانية.

وإسرائيل ترد
إسرائيل من جانبها، رفعت أيضا من نبرة التهديد، على لسان رئيس وزرائها يائير لابيد ووزير دفاعها بيني جانتس، بأن تل أبيب مستعدة وجاهزة للتصدي لأي تهديد.

وخلال جولته في القيادة الشمالية للجيش والحدود اللبنانية، الأسبوع الماضي، صرح لابيد: “إسرائيل معنية بأن يكون لبنان جارا مستقرا ومزدهرا وليس منصة لإرهاب حزب الله ولا أداة إيرانية. نشاط حزب الله يهدد لبنان ومواطنيه ورفاهيتهم”.

مضيفا “لكن أي شخص يحاول المس بسيادتنا أو مواطني إسرائيل سيكتشف بسرعة أنه ارتكب خطأ فادحا”.

وتابع: “تتخذ دولة إسرائيل إجراءات ضد جميع وكلاء إيران في المنطقة وخارجها، وستواصل القيام بذلك. إيران هي أكبر مصدر للإرهاب في العالم”.

“معارك بالوكالة”
تصعيدٌ مليشياوي أطلق أجراس التحذير من جرّ لبنان إلى “معارك بالوكالة”، وكذلك عرقلة مفاوضات ترسيم الحدود.

وهو ما عبّر عنه الوسيط الأمريكي عاموس هوشستين، في تصريحات إعلامية، اعتبر فيها أن “إرسال حزب الله لتلك المسيرات من شأنه إيقاف جهود التفاوض، وقد يؤثّر على الإيجابية التي رشحت عن المُحادثات الأخيرة”.

وفي الداخل اللبناني، ارتفعت الأصوات المحذرة من مسيرات حزب الله، وقال النائب في حزب القوات اللبنانية، غسان حاصياني، في حديث تلفزيوني: “عسى ألا تتحول المسيّرات إلى مسارات يقحم بها لبنان أو إلى مسايرات شرقية وغربية على حساب لبنان”.

كذلك اعتبر النائب في “حزب القوات اللبنانية”، غياث يزبك، في حديث إذاعي، أن “حزب الله لا يريد ترسيم الحدود، لأن ذلك يفقده حقه في الاحتفاظ بالسلاح وتعزيز دور إيران في لبنان”.

النائب السابق ورئيس المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان، فارس سعيد، لفت إلى أن “مسيّرات حزب الله فوق بئر كاريش تهدف إلى تذكير جميع الأطراف أن إيران حاضرة في المفاوضات الجارية بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود برعاية أمريكية وعلى حساب المصلحة اللبنانيّة”.

وكتب على حسابه بتويتر قائلا: “لأن حادثة المسيرات التي أعلن عنها حزب الله قد تكررّ وقد تحدث حوادث أخطر منها، نطالب نواب الأمّة طرح إشكالية احتلال إيران داخل مجلس النواب”.

مسار يتأرجح
وفي مايو/أيار عام 2020، انطلقت مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، بوساطة أمريكية، لكنها توقفت جراء خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها.

وكان من المفترض أن تقتصر المحادثات لدى انطلاقها على مساحة بحرية تقدّر بنحو 860 كيلومترا مربعا تُعرف حدودها بالخط 23، بناء على خريطة أرسلها لبنان عام 2011 إلى الأمم المتحدة.

لكن لبنان اعتبر لاحقا أن الخريطة استندت لتقديرات خاطئة، وطالب بالبحث في مساحة 1430 كيلومترا مربعة إضافية تشمل أجزاء من حقل “كاريش” وتُعرف بالخط 29.

من جهتها، تُصر إسرائيل على أن الحقل يقع ضمن منطقتها الاقتصادية الخالصة، وأن المفاوضات الجارية حول ترسيم الحدود البحرية لا تشمله.

ويتركز النزاع على منطقة يُحتمل أن تكون غنية بالغاز، بمساحة 330 ميلاً مربعاً من البحر الأبيض المتوسط قبالة إسرائيل ولبنان.

ويمكن أن تصل عائدات إنتاج الغاز الطبيعي في المستقبل هناك إلى مليارات الدولارات.

ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل أحد مشاريع الغاز الرئيسية، وهو حقل كاريش النفطي، هذا الخريف وهو جزء من خطط إسرائيل لتصبح موردا رئيسيا للغاز إلى أوروبا.

ويتوسط مبعوث الطاقة الأمريكي عاموس هوشستين بين الحكومتين الإسرائيلية واللبنانية، اللتين تعيشان من الناحية الفنية في حالة حرب، دون إحداث أي اختراق خلال سنوات من الدبلوماسية المتوقفة بشأن هذه القضية.

ووفق ما ذكره موقع “إكسيوس” الأمريكي، فقد أخبر هوشستين، رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، على هامش زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الأخيرة لإسرائيل، أنه متفائل بشأن فرص التوصل إلى اتفاق في المستقبل القريب.

كما أبلغ المبعوث الأمريكي المسؤولين الإسرائيليين واللبنانيين أنه يريد صفقة بحلول سبتمبر/أيلول القادم.

والثلاثاء الماضي، صرح لابيد خلال جولته للحدود الشمالية، بأن “لبنان يمكن أن يستفيد أيضا من تطوير مكامن الغاز الطبيعي في مياهه الاقتصادية”، مستدركا: “لكن ذلك سيحدث من خلال مفاوضات نحتاج إلى إنهائها في أقرب وقت ممكن”.

وبعد انتهاء زيارة بايدن لإسرائيل، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانا تعهدت فيه بتسهيل المفاوضات بين لبنان وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق بشأن الحدود البحرية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى