مظاهرات ليبيا تنذر بالأسوأ.. وسيناريو الانتخابات تحت حكومتين “مستبعد”
تعقد المشهد السياسي في ليبيا عقب خروج تظاهرات شعبية، الجمعة، في مناطق متفرقة من البلاد غداة فشل محادثات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة.
واقتحم محتجون غاضبون من تردي الأوضاع المعيشية وسوء الخدمات العامة مبنى البرلمان في طبرق بشرق ليبيا النار وأحرقوا إطارات خارجه مما أحدث في المبنى أضرارا، وفق ما نقلت وكالة فرانس برس.
وقبل أيام، قال السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، إنه قد يتسنى إجراء انتخابات عامة في البلاد دون شرط حل الأزمة بين الحكومتين المتنافستين.
لكن محللين استبعدوا تطبيق هذا المقترح على أرض الواقع واتفقوا على أن الحل بات ليبيا خالصا بسبب الاستياء من تعامل المجتمع الدولي مع الأزمة.
وتتنازع حكومتان على السلطة في ليبيا منذ مارس: واحدة مقرها في طرابلس ويترأسها عبدالحميد الدبيبة منذ عام 2021 وأخرى يترأسها فتحي باشاغا بدعم من معسكر المشير خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق البلاد.
والخميس، انتهت المحادثات التي رعتها الأمم المتحدة في جنيف بين رئيسي البرلمانين المتنافسين في ليبيا من دون اتفاق على إطار دستوري يتيح إجراء انتخابات وطنية تخرج البلاد من الانقسام.
“تحديات خطيرة”
واستبعد المحلل السياسي، السنوسي إسماعيل، تطبيق المقترح الأميركي، قائلا: “بصراحة، هذا تصريح مفاجئ من السيد نورلاند الموجود في ليبيا منذ فترة ويفهم المشكلة الأساسية”.
وقال إنه يجب “معالجة الانقسام أولا بين حكومتي الشرق والغرب” قبل الذهاب لصناديق الاقتراع لإخراج البلاد من الأزمة السياسية.
وأضاف: “لابد من معالجة ملفات عالقة أساسية قبل الانتخابات كالوضع الأمني وتحسين الخدمات العامة وإخراج المرتزقة من البلاد.. هذا لا يحتاج لوقت طويل”.
من جهته، يتفق المحلل السياسي، أحمد المهداوي، على عدم إمكانية تطبيق المقترح الأميركي ويصر على أن الحلول يجب أن تكون في الداخل الليبي.
وقال : “لا أعتقد يمكن إجراء انتخابات في ظل وجود حكومتين؛ لأن الانتخابات تحتاج حكومة واحدة تسيطر على كامل تراب الدولة حتى نستطيع القول إن النتائج شفافة ونزيهة”.
وتابع: “تصريح السفير الأميركي أعطى دلالة أن الإرادة الدولية ليس لديها رغبة في إنهاء الأزمة … الشارع يفقد الثقة في المجتمع الدولي. الحل يجب أن يكون من الداخل وليس من الخارج للخروج من النفق المظلم”.
وكان مقررا أن تشهد البلاد انتخابات رئاسية وتشريعية في ديسمبر 2021 تتويجا لعملية سلام رعتها الامم المتحدة بعد أعمال عنف في عام 2020.
لكنها أرجئت حتى إشعار آخر بسبب تباينات بين الخصوم السياسيين وتوترات ميدانية مع تسجيل مزيد من المواجهات المسلحة بين ميليشيات متنافسة في طرابلس.
وفي طرابلس ومدن أخرى، خرجت تظاهرات، الجمعة، احتجاجا على الظروف المعيشية والطبقة السياسية، لكن لم ترد أنباء عن حدوث أعمال شغب، كما هو الحال في طبرق.
ولوّح متظاهرون في العاصمة بصور للدبيبة وباشاغا مشطوبة بخطين أحمرين في دلالة على رفض كليهما.
وقال الخبير في الشأن الليبي في “المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية”، طارق مجريسي، عبر تويتر، “اندلعت الاحتجاجات الشعبية في أنحاء ليبيا في مؤشر إلى السخط بسبب تدهور نوعية الحياة والأزمة السياسية ومن يقف وراءها والأمم المتحدة التي انخرطت في لعبتهم”.
إلى ذلك، أثار المهداوي مخاوف من خروج المظاهرات الشعبية عن مسارها وأن تعيد أنصار سبتمبر والجماعة الليبية المقاتلة لسدة الحكم. وأنصار سبتمبر هم من مؤيدو الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي، بينما تعتبر الجماعة الليبية المقاتلة تنظيما مسلحا يحمل الفكر السلفي.
ويرى المهداوي أن اتلاف أملاك الدولة في المظاهرات أمر “مرفوض” ويمهد لمشروع سياسي جديد قد يقوده رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنيفي، بإصدار مرسوم رئاسي بحل البرلمان وإسقاط الحكومتين للظهور بصورة المنقذ، وفق تعبيره.
وقال إن هذه الخطوة على الرغم من عدم دستوريتها، إلا أن الشعب الليبي “سيرى أن المنيفي يحقق رغباتهم ويصطفوا خلف المشروع الذي سيقوي تنظيم الليبية المقاتلة”. وأوضح أن البلاد بحاجة إلى “مشروع وطني يقوده حكماء ليبيا بشكل صحيح لإنهاء الازمة والانقسام والذهاب لانتخابات”.
من جانبه، يرى إسماعيل أن ليبيا أمام 3 سيناريوهات محتملة إما تعديل حكومة باشاغا أو تشكيل حكومة ثالثة أو البقاء على الوضع الحالي، معتقد أن الخيار الأفضل هو ضم المعارضين لحكومة باشاغا المعينة من البرلمان والتي يرفض الدبيبة تسليمها السلطة بحجة عدم إجراء الانتخابات.
وقال إن بقاء الأزمة الراهنة “ينذر بالأسوأ” في تعد “الخدمات في أدنى مستوياتها والفساد مستشري والتدخلات الإقليمية مستمرة ما يضعف الدولة ومؤسساتها”.
وعلى الرغم من استبعاده العودة للحرب الأهلية كالتي حدثت عام 2019، يعتقد إسماعيل أن هناك “تحديات أمنية خطيرة” تتمثل في انفلات أمني وانتشار السلاح وارتفاع معدلات الجريمة.
وأضاف أن “الخطر يتمثل في عدم وجود حكومة موحدة قوية تستطيع التعامل مع كل هذه المسائل في ظل تقصير بدعم الشرطة للعمل بحرفية”.
خسائر بالمليارات
وفي حين يرى المهداوي أن اجتماعات القاهرة أيضا لم تحرز تقدم، قال إسماعيل إن “المسار الدستوري يمضي بشكل جيد قياسا على الحالة السياسية المتعثرة”.
وأردف: “المسار الدستوري يمضي بشكل جيد في القاهرة ولم يتبقَ إلا القليل. هناك نقطة خلافية واحدة تتعلق بحق مزدوجي الجنسية في الترشح”.
وأشار إلى أن الإشكالية في السلطة التنفيذية مشددا على أهمية أن يكون هناك حكومة قوية موحدة تمارس سلطتها في كل مناطق البلاد وتنهي الأزمة الأمنية وتخرج المرتزقة وترفع من مستوى الخدمات العامة قبل الذهاب لانتخابات.
في سياق متصل، أعلنت “المؤسسة الوطنية للنفط” الليبية، الخميس، خسائر تفوق 3,5 مليارات دولار نتيجة الإغلاق القسري لمواقع نفطية كبرى منذ منتصف أبريل. كما أعلنت حالة “القوة القاهرة” في ميناءين نفطيين شرق البلاد وفي حقل نفطي جنوب غربها.
وأوضحت المؤسسة أن “الإنتاج انخفض بشكل حادّ” والتصدير تراجع إلى ما “بين 365 و409 آلاف برميل يوميا، علاوة على فقدان 220 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا” ضرورية لتزويد شبكة الكهرباء.
ويُعدّ الانخفاض في إنتاج الغاز من أسباب الانقطاعات المزمنة للتيار الكهربائي التي تعانيها ليبيا والتي تمتد لفترة تصل إلى 12 ساعة يوميا.
وتدفع الولايات المتحدة الجهود الرامية للحد من الصراع بضمان إنفاق عادل وشفاف لعائدات النفط الليبي إلى أن تتمكن حكومة منتخبة من تولي السلطة.
وقال السفير الأميركي إن “الولايات المتحدة وشركاء دوليين عقدوا اجتماعات مع شخصيات ليبية للتوصل إلى اتفاقات على أولويات الإنفاق والشفافية والإشراف على كيفية استخدام الأموال”.
وفي هذا الإطار، قال المهداوي إن هناك مخاوف من أن يكون هذا المشروع يكرر سيناريو برنامج “النفط مقابل الغذاء” ولكن في ليبيا.