ما الذي يحدث في مصر؟.. بقلم: ياسر رافع
سؤال: ما الذي حدث ويحدث في المجتمع من إنفلات أخلاقي، جعل من العنف مظهرا شائعا؟
للإجابه على هذا السؤال يجب أن نعرف ما الذي حدث منذ 217 سنه هي عمر الدولة المصرية الحديثة.. فقد حدثت أربع إنعطافات مجتمعية حادة غيرت شكل المجتمع المصري وصولا إلى اللحظة الحاليه من حيث التكوين الطبقي وما تبعه من سلوكيات عرف بها المجتمع خلال كل مرحلة..
الإنعطاف الأول : وهذا حدث مع تولى ” محمد على باشا” الحكم والذي نقل مصر من مرحلة العصور الوسطى إلى الحداثه قصرا عبر إتباع سياسات إقتصاديه وإجتماعيه صارمة نتج عنها تحولات إجتماعيه وظهرت طبقات إجتماعيه جديدة واختفت أخرى وظهر نمط إجتماعي جديد كان للمصريين فيه على امتداد خلفاء الباشا حظا من الظهور المجتمعي الواضح عبر تكوين عائلات مصرية تمتلك الثروة وتشارك في الحكم وهذا بطبيعه الحال أوجد سلوكا مجتمعيا استقر لسنوات طويله.
الإنعطاف الثاني : وهذا تم مع ثورة 1919 والذي عبر فيه الشارع المصري عن حاجته لطبقه متوسطه تعبر عنه، وهذا أقلق الطبقه الإجتماعيه الحاكمه من كبار الملاك والتي راهنت على بروز تلك الطبقه في صراعها فيما بينها على الحكم.. وكان البروز الحاد للطبقه المتوسطه أنذاك مظاهر كانت مرفوضه لعل أهمها احتقار شبابها للموروث وعدم احترام الثوابت وكبار القوم كما ذكر ” المنفلوطي” في رصدة لأحداث ثورة 1919.
الإنعطاف الثالث : هو قيام ثورة يوليو 1952 التي مثلت إنعطافا كبيرا يماثل ما حدث مع تولى ” محمد على باشا” مصر.. فقد قضت على النظام الإقتصادي الممتد منذ القرون الوسطى وكانت الإبن الشرعي للطبقه المتوسطه التي نشأت مع ثورة 1919.. وكان التحول إلى النظام الإشتراكي إقتصاديا وإجتماعيا بمثابة عملية مفاصلة مع الماضي بالكلية حيث تغير شكل المجتمع وعاداته مع اختفاء طبقات إجتماعيه وبروز أخرى وإتساع شريحة الطبقه المتوسطه. وهذا أوجد عادات إجتماعية وأنماط سلوكية سرعان ما شكلت شكل وطبيعه المجتمع لسنوات طويلة تاليه.
الإنعطاف الرابع : وهذا بدأ مع قرار الدولة المصرية بالتحول الإقتصادي من الإشتراكية إلى الرأسمالية في تسعينات القرن العشرين وما تبع ذلك من بداية ظهور طبقه إجتماعيه تربحت من عوائد الخصخصه وكان تأثير الخصخصه السلبي واضحا على الطبقه المتوسطه فكانت ثورة 25 يناير 2011 صرخه مجتمعيه ضد هذا الإنعطاف. لكن هذا لم يتوقف بل إستمر بعد 30 يونيو 2013 حيث إستمرت الدولة في نهجها نحو التحول الإقتصادي ولكن بوتيرة أسرع مما نتج عنه إنكسارات وعوارض إجتماعيه حادة لا نعلم متى تنتهي فترة التحول الحاليه حتى نستطيع أن نحدد شكل وطبيعة المجتمع.
بعد هذا العرض البسيط نستطيع أن نقول.. أن كل إنعطاف تاريخي مجتمعي حدث خلال أكثر من مائتي عام وحتى الآن صاحبه تغيير نمط سلوكي كان في بدايته همجيا وغير معتاد حتى إستقرت الأوضاع على شكل محدد الملامح نستطيع من خلاله الحكم على كل فترة تاريخيه.
ولكن الإنعطاف الأخير يتسم عن غيرة بعدة مظاهر.. الإتصال الواسع والكبير بالعالم الخارجي عبر وسائل العصر الحديث من إنترنت ووسائل تواصل إجتماعي وفضائيات عالمية.. بجانب أزمة إقتصادية طاحنه تقابلها طموحات إجتماعية بالعيش الرغيد وهزة ضخمة تعرضت لها الطبقة المتوسطه جعلها تترنح تحت ضربات الإصلاح الإقتصادي المتتاليه مما جعل من ظهور الجريمة وتعدد مظاهرها وطبيعتها أمرا مقلقا خصوصا وأنه ليس هناك سقفا زمنيا لإنتهاء فترة الإصلاح الإقتصادي. وهذا يتطلب من الدولة المصرية أن تحاول تهدئة الطبقة الوسطى الجريحه عبر محفزات إقتصادية تكبح إلى حدا ما ما يحدث في المجتمع مع الصرامة في تطبيق القانون.
ولكن تبقى كلمة.. ما يحدث عوارض إجتماعية لإنعطاف إقتصادى حاد ولن تنتهي حتى تستقر الأوضاع الإقتصادية.