يوسف السباعي رائد الأمن الثقافي (ترقى إلى عميد) بقلم: شريف عصفوري
مرت ذكرى ميلاد الكاتب والصحافي والضابط يوسف السباعي دون تذكير، فقد والد في ١٧ يونيو ١٩١٧، يوسف السباعي كان مديرا للمتحف الحربي غداة انتصار الانقلاب العسكري في يوليو ١٩٥٢، و تحول بفضل قربه من الضباط الأحرار إلى كاتب كبير وصحافي ورئيس تحرير للمجلات والصحف وحتى عضو مجلس ادارة مؤسسة الأهرام .
في بحر عشرين سنة ما بين ١٩٥٣-١٩٧٣ نشر له أكثر من ٢٣عملا، ما بين الرواية والمجموعة القصصية والمسرح والمقالات، صديقي الكاتب والروائي مصطفى عبيد في كتابه “ضد التاريخ” تعرض لعلاقة عبد الحليم حافظ بـ “الثورة” وساق من الأحداث والأخبار ما يؤكد على الأقل أن الانتشار والشعبية لها علاقة مباشرة بموقفه من الثورة، أو بالأحرى موقف الثورة منه، شهرة عبد الحليم حافظ وشعبيته تدل أيضا على الموهبة والحضور، لكن تلكما الصفتين لا ترد أثر تكريس نظام يوليو لعبد الحليم حافظ، كصوت جديد وممثلا عن شباب الثورة وأجيالها الصاعدة (بمثل كلمات الاغاني، الغير مسئول عنها المطرب).
يوسف السباعي كتب رواية “السقا مات” سنة ١٩٥٢ونشرت عام ١٩٥٣، الرواية بؤرتها علاقة الانسان المصري بالموت، وحول أحداث حقيقية سنة ١٩٢١، شخوص الرواية شخوص على “باب الله” يعيشون في أحياء القاهرة الفقيرة، يتميزون بجدعنة أهل البلد ولكن الموت لا يترك مجالا للانتصار، تماما كما حدث مع والد يوسف السباعي (محمد السباعي: مثقف وكاتب ومترجم)، السباعي الأب توفى وترك أسرته وأكبر أطفاله يوسف في الرابعة عشر من عمره، الاستغراق في الموت أحد أهم سمات كتابات يوسف السباعي، مثل رواية السقا مات، وقُصة نائب عزرائيل وغيرها كثير.
اللغة عادية في رواية السقا مات وتبدو أقرب لمسرحية بكثافة الحوار، لكن يوسف شاهين أنتج الرواية إلى فيلم سنة ١٩٧٧وكانت من اخراج صلاح أبوسيف، فكأنما تكرست كل النجوم والمواهب والتاريخ الفني من أجل اخراج رواية مر عليها ٢٥سنة بالصدفة، بينما كاتبها صار وزيرا للثقافة الصدف العجيبة ؟
الفيلم من كافة النواحي افضل من الرواية فنيا، لكن اجتث من الرواية فصلها الأخير، المعلم شوشة السقا الذي يخسر زوجته للمرض ثم الموت، وصديقه ومساكنه المعلم شحاتة نائب الحانوتي للموت، لكن القدر لا ينتصر له، اذ ينهار عليه المنزل الذي يسكنه والعقار ملك الجزاز المعلم خشت (لا علاقة له برئيس جامعة القاهرة)، المعلم خشت ظن طُلب يد ابنته من المعلم شوشة لابن شاب من معلم آخر، ليزيد من اكتئابه وسوداوية القصة ! الفيلم يتوقف عند انتصار المعلم شوشة على المعلم دونجل وفوزه بامتياز حنفية الماء !، الفيلم الذي انتجه يوسف شاهين وأخرجه صلاح أبو سيف، يبدأ بمناظر للمساجد التاريخية للقاهرة وآذان الصلاة وينتهي بآذان الصلاة أيضا، وغالبية الموسيقى التصويرية والجمل الحوارية تخدم سياق الواقع الاجتماعي للرئيس المؤمن محمد أنور السادات، وهذه أيضا من محاسن الصدف ، لم تركز الرواية الأصلية على الافكار الدينية، بل أرتكزت على تأملات وجدانية وعاطفية لمسألة الفقد بالموت.
توفيق الحكيم أطلق على يوسف السباعي في أوائل السبعينيات “رائد الأمن الثقافي”، فالانحياز السياسي الآلي ليوسف السباعي لنظام “الثورة”، انتقل بنفس الآلية إلى أنور السادات، صديقي المثقف والكاتب سيد كراوية أفادني بملاحظة أن التوزير جاء في عهد السادات، بما يشي بالقرب الفكري ليوسف السباعي لمدرسة السادات الفكرية (ان كان للأخير مدرسة فكرية)، يوسف السباعي بمحض الصدفة (أيضا) أنتجت رواياته إلى أفلام ومسلسلات حتى بعد وفاته، ومن أفلامه الأشهر “رد قلبي” ١٩٥٧، “نحن لا نزرع الشوك “١٩٧٠، أدب يوسف السباعي أدب واقعي، لغته سهلة، قليلة الصور البلاغية، نادرا ما تلامس افكارا فلسفية أو تعمد إلى الكشف أو الصدم في الدين أو السياسة أو الجنس ! اذن نحن أمام أدب “نظيف” وجماهيري ويجري أمام السلطة وحولها ! أدب له الأولوية في تمويل مؤسسة السينما وانتاج اساطين الانتاج مثل آسيا (منتجة صلاح الدين) ويوسف شاهين ورمسيس نجيب وهكذا !
في مفصل سياسي معقد يوسف السباعي كان وزيرا للثقافة وأول رئيسا لاتحاد الكتاب المصريين، في أعقاب زيارة السادات للقدس سنة ١٩٧٧، في ١٨ فبراير ١٩٧٨ ، يقتل يوسف السباعي ارهابيون فلسطينيون في قبرص بعد محاولة خطف رهائن لرهائن من الوفد المصري، انتهت بكارثة عند محاولة انقاذهم في مطار لارناكا القبرصي، السباعي كان أول رئيس للمجلس الاعلى لرعاية الفنون والآداب سنة ١٩٥٦، وانشأ بعدها نادي القصة وجمعية الأدباء !
من الناحية الفنية، لم يحرؤ أي من النقاد أو الأكاديميين بالتعرض للسيد العميد يوسف السباعي أدبيا (آخر رتبة له بالقوات المسلحة)، إلا بالاطراء والاشادة، وخصوصا من زملائه الكتاب المعينيين في مؤسسة الأهرام ! رحم الله الشهيد يوسف السباعي ! ورحمنا جميعا.