الحكومة تقرر تجمد الضريبة الزراعية لاسترضاء المزارعين الغاضبين

 

الأمة -القاهرة: عكس قرار الحكومة بتجميد العمل بالضريبة الزراعية لمدة عام تنامي الشعور لدى دوائر صناعة القرار السياسي باتساع الفجوة بين المزارعين والمؤسسات الرسمية، باعتبار أن هذا القرار يمثل عائقا أمام نجاح استراتيجية الدولة لإنقاذ الأمن الغذائي، في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية جراء الحرب الروسية – الأوكرانية.

وتقدمت الحكومة بمشروع قانون إلى مجلس النواب يقضي بتعطيل العمل بالضريبة الزراعية لمدة عام، مع إمكانية مدّ الفترة إلى عام آخر، كنوع من دعم المزارعين، وهو الموقف الذي أيده نواب البرلمان بأغلبية ساحقة بعد تصاعد غضب المزارعين من العقوبات المتكررة التي فرضتها الحكومة عليهم لتمرّدهم على سياساتها.

وتواجه وزارات الزراعة والتجارة والصناعة والتموين أزمة كبيرة جراء استمرار امتناع شريحة كبيرة من المزارعين عن توريد الكميات المطلوبة من القمح إلى المنافذ الحكومية والتمسك بتخزينه إلى حين رفع أسعاره وتحقيق أكبر استفادة ممكنة من الفارق لتوجيه المكاسب للإنفاق على الغلاء وصعوبات المعيشة.

وهددت الحكومة المزارعين في عموم المحافظات بحرمانهم من أيّ دعم مقدّم لهم في صورة أسمدة زراعية أو قروض مالية، حال تمسكهم بمنع توريد القمح إلى المنافذ الرسمية المخصصة لذلك، لكن العقوبات لم تجد آذانا صاغية من جانب المزارعين الذين شعروا بأن هناك تهميشا لدورهم والتعامل معهم بطريقة فوقية.

ويعتقد عماد السيد، وهو مزارع يقيم محافظة البحيرة، أن قرار الحكومة بتعطيل العمل بالضريبة الزراعية محاولة لامتصاص غضب المزارعين المتذمرين من الضريبة، لأنه بعد انتهاء مهلة التجميد ستعود الحكومة لتطالبهم بضريبة السنوات الماضية، وهو عبء مالي يصعب الالتزام به.

وقال: إن الكثير من المزارعين لم يجدوا الدعم المطلوب من الحكومة لا في الماضي القريب ولا الآن، مع أنهم أساس تحقيق الأمن الغذائي في مصر، فبإمكان المزارعين إذا وجدوا المساندة والإرادة للوقوف إلى جانبهم أن يقلصوا فاتورة الاستيراد التي تحتاج إلى المليارات من الدولارات سنويا، لكن “يبدو أن الحكومة عرفت قيمة المزارعين في وقت متأخر”.

وأظهرت الأزمة المرتبطة بالأمن الغذائي في مصر إلى أيّ مدى وصلت الفجوة بين الحكومة والمزارعين، فهي التي اعتادت رفع أسعار الأسمدة عليهم وتحصيل ضرائب ومصروفات بشكل متكرر، ما دفعهم إلى زراعة محاصيل لا تحتاجها السوق المحلية، فالمهم أن تكون بأقل تكلفة، ما تسبب في مشكلة ظهرت توابعها مع الحرب الروسية.

وظل الخطاب الرسمي الموجه إلى المزارعين المصريين محاطا بنبرة استعلاء وتهديد ووعيد، إلا من عبارات امتنان كان يوجهها الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى المزارعين على فترات متلاحقة لامتصاص الغضب المكتوم بداخلهم من تخاذل المسؤولين في تلبية احتياجاتهم وإصرارهم على التعامل معهم بطريقة تثير حفيظتهم.

وكان السيسي صاحب قرار زيادة أسعار وحوافز القمح وأجبر الحكومة على زيادة المخصصات المالية بعدما تمسكت بتحديد سعر الأردب بمبلغ زهيد، مقارنة بالسعر الذي تستورد به، ما عكس شعور رأس السلطة بأن استمرار سياسة العناد مع المزارعين تجلب للنظام المزيد من الأزمات على مستوى الوفرة الغذائية في توقيت صعب.

ويرى مراقبون أن ردود فعل المزارعين على قرار الحكومة بتجميد العمل بالضريبة الزراعية أوحى بأنهم ينتظرون ما هو أكبر من مجرّد تعطيل قانون يمثل جباية غير مبررة، فهناك تجاهل شبه متعمد لمشكلات المزارعين، من نقص حاد في الأسمدة منذ خصخصة العديد من الشركات المنتجة للسماد الزراعي مرورا بتحميلهم تكاليف مشروعات تطوير الريّ.

ويشير هؤلاء إلى أن التعاطي الرسمي مع معضلة الأمن الغذائي من جانب الحكومة لا يزال يشكل منغصا للمزارعين والمواطن العادي، حيث لا تزال وزارة الزراعة تتعامل بعشوائية مع التخطيط المستقبلي للمحاصيل الاستراتيجية، مثل القمح والأرز والقطن والذرة، حتى وصلت أسعارها إلى مستويات قياسية دون استفادة المزارع البسيط بأي شيء.

وأكدت مصادر سياسية أن معضلة الحكومة في عدم إدراكها أهمية التعامل مع المزارعين كشركاء في التنمية، ومواجهة تداعيات الأزمة العالمية في الغذاء، وذهبت وحدها لتقيم مشروعات زراعية جديدة دون أن تستثمر المساحات الشاسعة التي يمتلكها المزارعون وتضع خطة تضمن لها وفرة المحاصيل، وتوفر للمزارعين دخلا ماليا.

ودعّم جمال زهران الخبير في العلوم السياسة تلك الرؤية، قائلا “أيّ حكومة في هذا التوقيت يفترض أن تتعامل مع المزارعين باعتبارهم حائط الصد لتأمين الغذاء في البلاد”، وهناك سوء تخطيط وضبابية بشأن وضع خطط تضمن ترميم العلاقة بين الطرفين، وإجراء حوار حكومي مع المزارعين لمعرفة مطالبهم ليكونوا شركاء لا مجرد متلقين للتعليمات.

ولا تخفي الحكومة معاناتها من شح العملات الأجنبية التي تحتاجها ويطلبها المستوردون لجلب السلع والمحاصيل التي تواجه شحا في السوق المصرية، وفي نفس الوقت لم تتحرك لترضية المزارعين الذين بإمكانهم تقليص فاتورة الاستيراد، فأصبحت خارطة الزراعة مغايرة كليا لما تريده الحكومة من محاصيل تضطر لاستيرادها.

ورأى جمال زهران أن مشكلة بعض الدوائر الحكومية في أنها تتعامل مع فئة المزارعين بطريقة تفتقد إلى الحنكة السياسية في أحيان كثيرة، ولا تفرّق بين الظروف العادية والتوقيتات الصعبة التي تتطلب حكمة في إدارة العلاقة مع هذه الشريحة، والعبرة ليست في تعطيل العمل بقانون ضريبي، بل في أسلوب تسويق ذلك للناس.

صحيح أن مصر لم تدخل مرحلة نقص الغذاء ولديها وفرة في الكثير من السلع الاستراتيجية تكفيها لشهور، لكن تظل الإشكالية في طريقة إدارة علاقتها مع المزارعين باعتبار أنهم يمتلكون العدد الأكبر من مفاتيح الخروج من الأزمة الغذائية المرتقبة، حال استمرت الأوضاع الاقتصادية عالميا بهذا السوء، لأن التحدي الأكبر سيكون توفير رغيف الخبز للناس.

 

ومهما دافعت جهات حكومية عن مثالية علاقتها بالمزارعين هناك شواهد عديدة توحي بالعكس، على رأسها تمسك الكثير من المزارعين إلى اليوم بتخزين القمح والتمرد على بيعه للحكومة، رغم البدء في حصاده منذ أبريل الماضي لأسباب مادية وأخرى تتعلق باستمالة المعترضين على سياساتها بالعقوبات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى