قمة الرياض – بايدن فرصة لتحريك الدور المصري.. بقلم: محمد أبو الفضل
تبدو زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية منتصف يوليو المقبل فرصة لتنقية الأجواء بين واشنطن والرياض وإعادة تصحيح مساراتها الثنائية وتسوية القضايا الخلافية، غير أن القمة التي ستعقد على هامشها وتضم قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق تمنحها بعدا إقليميا مهمّا، وتؤكد أن الولايات المتحدة عازمة على عودة نشاطها وتصويب أخطائها في المنطقة بصورة مغايرة.
يمكن أن تكون قمة الرياض – بايدن فرصة لاستكشاف معالم المرحلة المقبلة، والشكل الذي يمكن أن يأخذه التعاون بين دول عربية عديدة وإسرائيل بعد أن قطع كلاهما شوطا في ما يعرف بـ”الاتفاق الإبراهيمي” ربما تدخل عليه دول أخرى.
وتضع جولة الرئيس الأميركي، التي تشمل السعودية وإسرائيل، على أجندتها إعادة هندسة منطقة الشرق الأوسط والآليات التي تجعل من تل أبيب لاعبا طبيعيا، بعد أن تمنح عملية السلام بينها وبين الفلسطينيين أملا جديدا لتحجيم بعض الممانعات العربية المتعلقة بالدخول في أطر تعاونية مع إسرائيل.
أصبحت مصر، وهي أول دولة عربية وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل، غير متحمسة للكثير من تفاعلات التعاون الجماعي معها، وتتقدم خطوة وتحجم خطوات كلما دار الحديث حول روابط إقليمية جديدة، مكتفية بما نسجته من تعاون ثنائي رسمي، سياسي وأمني واقتصادي، ولا تؤيد الكثير من التفاعلات الشعبية إلا قليلا.
ظهر التحرك المصري الأخير للتعاون مع إسرائيل في مجال الطاقة، والغاز الطبيعي تحديدا، محدودا وفي نسق شبه جماعي، مقارنة بما تريده الإدارة الأميركية من القاهرة الفترة المقبلة، ولا يعكس الوزن المعنوي لها في توازنات المنطقة التي يصعب تدشين رؤى مستقبلية ناجحة فيها بعيدا عن مصر.
وتفيد إشارات سياسية جاءت من دول عربية مختلفة، مثل السعودية والإمارات، بعدم استبعاد تشكيل شبكة تعاون إقليمي تضم إسرائيل، غير أنهما لا ترغبان في دخولها دون حضور مصر التي تربطها بكل من الرياض وأبوظبي علاقات استراتيجية قوية.
كما أن واشنطن التي تتحرك حثيثا لإيجاد صيغة إقليمية تخدم مصالحها تعتقد أن وجود القاهرة عملية مهمة، وهو التقدير نفسه السائد في إسرائيل، لأن ابتعاد مصر معناه وضع عراقيل أمام النقلة المرجوّة التي بدأت تختمر في أذهان صناع القرار حاليا.
جرى التفكير في هذه المسألة منذ فترة وطرح عنوان عريض مثل “شرق أوسط جديد” أو “ناتو عربي”، أو أيّ وسيلة أخرى لتعاون يأخذ في اعتباره حسابات متعددة تندرج في إطار المكونات الاستراتيجية للمنطقة بعد أن تطورت المنافسة بين روسيا والولايات المتحدة ودخلت منحنى تصاعديا لتوسيع النفوذ، وفي القلب منه الشرق الأوسط الذي قد ينفرط عقده ويخرج من العباءة الغربية إذا ظلت السياسة الأميركية مترهلة.
لن تستطيع القاهرة أن تحافظ كثيرا على صيغتها التي ضمنت لها قدرا من التوازن في علاقاتها مع واشنطن وموسكو، وسوف تُفرض عليها خيارات في لحظة معينة للاختيار بينهما، وحضورها قمة الرياض – بايدن ربما يكون أول حجر كبير يلقى في المياه الجديدة التي على النظام المصري أن يجيد السباحة فيها ويعبر إلى الشاطئ الآخر.
لم تحسم التحركات الشطّ الذي تستقر عليه القاهرة، لكن ثمة معطيات تتمخض عن قمة الرياض تؤكد أنها سوف تميل إلى الشط الأميركي، فحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي أعلن عنه، ولم تؤكده القاهرة رسميا، في حد ذاته ينطوي على قبول بما يحمله بايدن من أفكار، بينها الدفع نحو شكل جديد للتعاون الإقليمي.
لا زال هناك وقت للحديث عن طبيعة الدور المصري، لأن المناقشات تدور حول تفاصيل الأجندة التي يحملها الرئيس الأميركي، والتي لا تتحمس القاهرة للكثير من بنودها، وفي مقدمتها صياغة شكل واسع للتعاون، حيث تريد تعريفا محددا للأهداف والطموحات والخصوم الحاليين والمحتملين، ومدى التأثير على المصالح المتشابكة مع لاعبين يمكن أن يكونوا في مرمى التحالف المزمع الإعلان عنه.
تتوجس السياسة المصرية من الأطر التعاونية الجماعية، وتفضل عليها الثنائية لأنها أكثر نضجا في نظرها، وفي حالة وجود إسرائيل ضمن المنظومة المقترحة يحتاج الأمر إلى رسم خطة للشكل الذي يتم به التعامل مع القضية الفلسطينية التي تعتبرها القاهرة أُمّ القضايا في المنطقة، وأيّ تعاون يأتي على حسابها لن يكتب له النجاح.
يحتاج الدور المصري إلى حركة أكثر نشاطا تتواءم مع التطورات المتلاحقة في المنطقة والعالم، لأن التخلف عنها يصطحب معه ارتدادات خطيرة على الداخل الذي يعاني من أزمات اقتصادية معقدة، وهذا لا يعني القبول بمسلمات تتناقض مع ثوابت تاريخية أو أهداف استراتيجية، لكن يتطلب ديناميكية تجيد التعامل مع التحديات.
تمتلك الدول المتوقع أن تتجاوب مع ما يحمله بايدن في قمة الرياض مساحات كبيرة للحركة من واقع ما تمتلكه من فوائض مالية ونفوذ في بعض الملفات الإقليمية، بينما تملك مصر دورها الرمزي والتاريخي ومكانة جيوستراتيجية لها تأثيرات متباينة، وتواجه مشاكل في محيطها الجغرافي يصعب حلّها بلا مساعدات إقليمية أو دولية، ما يضعها في مهب عواصف تأتي لها من جهات متفرقة.
توجد مساحة للاستثمار المصري فيما يجري التخطيط له مع إنهاء حالة التردد التي لازمت السياسة الخارجية الفترة الماضية، وكانت مقبولة وناجحة في ظل السيولة التي سادت في الشرق الأوسط، والمراوحة التي عانت منها قوى كبرى عديدة سمحت لدول كثيرة، من بينها مصر، للاستفادة منها في النأي عن الدخول في صدامات مباشرة.
تتجه هذه الصورة إلى الزوال، ومن المتوقع أن تظهر صور أخرى ولاعبون مؤثرون ومسارح مختلفة وخطط جديدة وجذابة، بما يدفع القاهرة إلى الاشتباك، لأنها لن تجد أمامها الفرص السابقة التي أتاحت لها قدرا من المناورة أنجتها من الوقوع في فخاخ نصبت لها عن عمد أو صدفة، فما يجري الآن يتطلب رؤية مرنة توازن بين الطموحات المرتفعة للقيادة السياسية والاحتياجات العاجلة للمواطنين.
تكشف النتائج التي تتمخض عنها قمة الرياض – بايدن معالم الخارطة الإقليمية، والتي لن تكون مصر بعيدة عنها في حالتي التجاوب معها أو النأي عنها، ولكل طريق مكاسب سخية وتكاليف باهظة، وهو ما يلعب دورا في تحديد الخيار النهائي الذي يجب أن يراعي الأوضاع السائدة في الدولة وما يمكن أن تحمله من أزمات ومقاومتها.
في النهاية، يوجد شكل جديد للتفاعلات الإقليمية يغير من الصورة النمطية القديمة، وعلى القاهرة ألا تكون بعيدة عنه فتتحمل تبعاته السلبية وتشتبك معه بإيجابية وتعمل على تغييره من الداخل بما يناسب مصالحها ودورها في المنطقة.
نقلا عن صحيفة العرب