مها حمقة تكتب: رحلةٌ مَعَ مُسامري.
أفِقتُ من نومي ما بينَ البهرةِِ والسّحرِ،على صوتِ مُسامري الأزليّ وهو يقولُ: كيفَ لعينيكِ أنْ تغفوَ وسطَ كلِّ أنواري الساطعةِ؟ كيفَ لجَفنيكِ أن تسهوَ عن صحبِكِ ولو للحظاتٍ؟ يا مسافرةً في رِحابِ المعلومِ والمجهولِ منذُ تَجَزُّءِِ الذّاتِِ في كلِّ ذاتٍ .. لِمَن غيرُكِ رصّعتُُ جيدي بالماسِ واللؤلؤِ والياقوتِ ؟ مَن غيرُكِ يَرى بريقَ جواهري ويأنسُ بمجالستي؟ مَن غيرُكِ افتُتِنَ بسحرِ جمالِ سُمرتي المَهيبةِ المُزدانةِ بِداناتِ الكونِ ؟
مَن غيرُكِ امتطى صهوتي واقتحمَ عوالمي وتنقّلَ وسْطَ كواكبي السّاحرةِِ وفتحَ خزائِنَها واكتشفَ عظيمَ أسرارِها؟ فانتبهتُ من غفوتي وهرعتُ إلى حُضنِه مُعانقةً ثم قلتُ: يا ليليَ المسافِرُالمُقيمُ.. يا أنيسي ومُعلّمي ومُلهمي .. أنتَ وأنا رحالةًٌ إلى ما لا نهايةٍ، وأنا على بِساطِكَ السّحريِّ أطوي المسافاتِ عوالمَ وأكوانِ،
لم تغفُ عيناي يا رفيقُ ، بلْ سرقَتني ماساتُكَ إلى عوالِمِها الخلّابةِ وأدخلَتني رياضَها اللّامحدودةَِ ، فوجدتُني هناكَ، في عالمٍ عرفتَهُ، حينَ زمنٍ كُنتُهُ.. متى وكيفَ؟ للتوّ تذكّرتُ .. كنتُ ماسةً من ماساتِكَ المعلّقةِ.
نعم رأيتُني ، ها أنا ذا في مكانِي الأوّلِ من وجودي الأزليِّ ، ماسةٌ وهاجةٌ مُسافرةٌ في فضاءِ الحقيقةِ المجهولِ، لم تحجبْ بريقَها ستائِرُ ولا أتربةٌ، ولم تشُبْها شائِبةٌ من شوائِبِ العَالمِ الطّينيِّ المُشوَّهِ.. أيّها الليلُ، يا رفيقي الأمينَ .. إنني وجدتُني و أُُريدُني، فكيفَ السّبيلُ إلى استمراريتي في عَالمِ الوهمِ بعدَ أنْ عادتْ إليّ ذاكرتي و وجَدتُني؟
كيفَ أعودُ إلى عَالمِ الطّينِ بعدَ أنْ عرفتُني؟ لقد أرهقتني الحقيقةُ وأرّقتْ عُيوني مناهِلُها ..وبتُّ لا أُصغي إلّا إلى ضجيجِها المُدوّيّ ..وحدي أسمعُهُ ! إنّني أنتظرُ هنا ، أُقيمُ بينَ كواكبِكَ المتلألئِةِ وضفافِ النّورِِ التُّرابيِّ الذي يَستأذنُكَ معَ بدايةِ كلِّ سَحَرٍ ليدثّرَكَ بدِثارِهِ في استراحةٍ مؤقّتةٍ … أيّها الليلُ الثريُّ يا مناهلَ الحكمةِ ، كيفَ السبيلُ إلى الخلاصِ؟ إنّ عَالمَ الطّينِ ليسَ سوى محطّةٍٍ مُشوّهةٍٍ، سكّانُُها تعساءُ أشقياءُ، لم يُغادروها بَعدُ.. ولم ينظروا يومًا إلى الأعلى ولم يُفكّروا في الدّخولِ إلى عالمِكَ الماسيِّ .. إنّهم لا يعرفونَ عنكَ أكثرَ من أنّكَ ليلٌ داجٍ، تُرعبُهم ظُلمتُهم!
كيفَ السبيلُ إلى الخلاصِ بعدَ أنْ عرفتُني و وجدتُني . حينَ زمنٍ كنتُهُ ذاتاً واحدةً .. هي أصلُ كلِّ ذاتٍ .. أيها الليلُ المُتألّقُ كيفَ السبيلُ لإقناعِهِم بأنَّ خارجَ أسوارِ عالِمِهِم المُظلمِ هناكَ عَالمٌ يَفيضُ بالأنوارِ.
مها حمقة