نقل واقع البسطاء في المحروسة.. “ساقية الصاوي” تحتضن رسومات تاد
كتب – أيمن الشحات:
افتتحت السيدة جيهان سلامة، أرملة الفنان التشكيلي الراحل تاد، الخميس الماضي الموافق 11 من مايو الجاري بقاعة الأرض بساقية الصاوي بالجيزة، معرض استيعادي لأحد أبرز التشكيليين المصريين، وهو الفنان الراحل ناجي ميشيل شنبو الشهير بـ”تاد”، حيث تغوص الرسومات في التضافر الفريد بين الأصالة والمعاصرة، كما قدّمه الإبداع الذي يتسلل من ثنايا أعماله عبق يستدعي ذكريات التجوال في الحارة المصرية، ليأخذ المتلقي إلى قلب الحياة في المحروسة مصر، لاسيما واقع البسطاء والباعة والمشترين في الأسواق الشعبية.
وبدأت قاعة الأرض الثقافية موسمها بإقامة المعرض، والذى يستمر حتى مساء الخميس المقبل بحضور لفيف من الفنانين والصحفيين والنقاد وعدد من قيادات القطاع.
الزوجة الملهمة
ومثلما كانت أعمال تاد تحمل نبض الشارع المصري، عبّرت أيضا عن رؤيته للمرأة وانحيازه المستمر لها، وأبرزت تقديره لمشاعرها وتوجساتها، فتناول عالمها الخاص بعذوبة واحتواء.
حيث كانت زوجته جيهان سلامة، ملهمته وجسره إلى المزيد من فهم لغتها واستيعاب هذا العالم الغامض دوما، لأنها كانت زوجة وحبيبة وصديقة، وتدرك جيدا طبيعته كفنان يتوق إلى الحرية وتلتف حوله المعجبات، فلم تحاصره أو تقيد رسمه لأخريات.
ومن هنا اهتمت السيدة جيهان بتنظيم معارض له في مناسبات خاصة، كعيد ميلاده وعيد الزواج، ومنذ وفاته وحتى الآن نظمت 14 معرضا لإحساسها أن ذلك يرضيه في مثواه الأخير.
إحياء الذاكرة الفنية
وقالت جيهان سلامة لـ “الأمة”: إن هذه المعارض تعمل على إحياء الذاكرة الفنية عند المتلقين والمقتنين، ويُعد معرض تاد، نوعا من التعبير عن امتنان عميق لمبدع قدّم الكثير للفن المصري.
وأضافت: يضم المعرض نحو 100 عملا تلقي الضوء على جوانب عديدة في تجربته ومسيرته المهمة، والتي تحرّر فيها من القواعد الأكاديمية للفن، وحفر لنفسه مكانة مستقلة بين أبناء جيله والأجيال التالية بعده.
وأكدت إنها وضعت أسعار تكاد تكون رمزية لمحبي الفنان تاد وأعماله الفنية تبدأ من 3 إلى 5 آلاف جنية للوحة الواحدة حسب مقاس كل لوحه، كما سعت لتقسيط بعض الأعمال لمن يرغب.
إعجاب القراء
ويكتشف الزائر للمعرض، لماذا استطاع الفنان تاد أن يستحوذ على إعجاب قطاع كبير من قراء مجلة “صباح الخير”، فحين يتأمل أعماله يلمس بنفسه تماهي أسلوبه مع الطابع الشبابي الساخر للمجلة، الذي يبعث على البهجة والتفاؤل، ويحتفي بالجمال والتحرّر الفكري عبر أسلوب رصين.
وعندما يغوص المتلقي في أعماله ذات القياسات الصغيرة المرسومة بالحبر الأسود والألوان المائية، قد يستدعي من الذاكرة المقالات التي صاحبتها أو للبابين اللذين أسهم في تقديمهما بها، وهما “نادي القلوب الوحيدة” لمدة عشر سنوات، وباب لوحات “أنا والحياة” لمدة عشرين عاما، وقد يتذكّر المرء رسومه لمقدّمات بعض الأفلام الكوميدية أو الاجتماعية. ومن خلال ذلك كله تفجرّت لمسات فرشاته المليئة بشحنات من مشاعره وأحاسيسه وألوانه المشرقة بدرجات ناصعة الطاقة داخل جمهوره.
إحياء الذاكرة
تاد الذي توجّه إلى ينابيع مصر، وقدّمها وفق رؤيته الخاصة، لم يصوّرها كما تبدو بشكل مباشر ولم يحوّرها أو يغيرها، لكنه خرج بها في صورة، أو بالأحرى توليفة متنوعة تتغنى بتفرّد، وهو الذي سلّط الأضواء على دراما الحياة فيها، وأبطالها الحقيقيين، مثل باعة الفاكهة والعرقسوس والبطاطا والخبز والسقا والبوسطجي، وعسكري المرور، والقهوجي، وبائع البطيخ، والفطاطري، إضافة إلى احتفائه بالمرأة والحب والسلام وبثّ الإحساس بالسعادة والتفاؤل، من خلال أسلوب شاعري ساخر يميل إلى السريالية.
ورغم رحيله عام 2007 لا تزال أعماله التي نُشرت في مجلتي “صباح الخير” و”روزاليوسف” منذ عام 1966، وجريدتي “الأهرام إبدو” و”إيجيبشين جازيت”، حاضرة في الذاكرة المصرية، وموضوعا لمعارض استيعادية تُقام من حين إلى آخر.