صحف عالمية: خطاب بوتين “بلا نصر”.. وأمريكا قد “تتورط” في الحرب الأوكرانية
تناولت أبرز الصحف العالمية الصادرة صباح يوم الثلاثاء، آخر تطورات الحرب الأوكرانية، مشيرة إلى ”خطاب بلا نصر“ ألقاه الرئيس الروسي في ”يوم النصر“، لكن في المقابل حذر محللون من نوايا فلاديمير بوتين في الأيام المقبلة.
وكشفت صحف أخرى عن ”تورط أمريكي مباشر“ في الحرب، بعد توقيع الرئيس جو بايدن مرسوما يسرع في تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا، وسط مخاوف من رد فعل عنيف من قبل موسكو.
كما سلطت الصحف الضوء على الوضع الاقتصادي في أوكرانيا، وسط دعوات للغرب بضرورة إبقاء اقتصاد البلاد قيد التشغيل في ظل الحرب، إذا ما أرادت التصدي لروسيا.
خطاب النصر.. بلا نصر
اعتبرت صحيفة ”التايمز“ البريطانية، أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الاثنين، احتفالا بـ“يوم النصر“ في روسيا، بمثابة ”خطاب بلا نصر“.
وقالت الصحيفة في تحليل لها إن ”الشيء الأكثر لفتا للانتباه في خطاب الرئيس بوتين الذي لم يقله، هو الحديث عن النصر -من أي نوع- في أوكرانيا، ولا أي تقييم حتى لكيفية اندلاع الحرب“.
وأضافت الصحيفة أن ”الرئيس الروسي لم يعلن عن أي تعبئة عامة في روسيا كما توقع الكثيرون، ولم يقل إن العملية الخاصة تحولت إلى حرب، بل لم يذكر أوكرانيا بالاسم على الإطلاق. وبدلا من ذلك، كرر الخطاب -القصير نسبيًا في 11 دقيقة فقط- إصراره على أن روسيا تقاتل ضد عدوان حلف شمال الأطلسي (الناتو) والغرب“.
وذكرت الصحيفة: ”أصر بوتين على أن الغرب كان يعد لعملية عقابية أخرى في دونباس وغزو الأراضي الروسية التاريخية، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. وقال إن الناتو خلق بشكل منهجي تهديدا غير مقبول على الإطلاق لموسكو كان يقع مباشرة على حدود روسيا“.
وبينت الصحيفة أن ”بوتين وضع تشابها مطلقا مع عدوان ألمانيا النازية على روسيا، واستشهد بالوطنية والبطولة والتضحية التي قدمها الروس خلال الحرب العالمية الثانية، لحشد مواطنيه لما بدا الآن أنه مسافة طويلة في دونباس“.
وتابعت: ”لقد ركز بوتين كثيرا على تاريخ روسيا وثقافتها وعاداتها وقيمها التقليدية، وبدا أيضا أنه يستحضر عقيدتها الأرثوذكسية. وهو يعلم أن هذا سيروق بشكل خاص للملايين في المناطق الريفية في روسيا، لكنه سيضرب أيضا على وتر حساس لدى جيل الشباب الذي هو حتى في المدن الكبرى، ليس أقل قومية“.
وأشارت الصحيفة إلى أن بوتين ”لم يعطِ أي تحديث أو تفاصيل بشأن الخسائر البشرية الروسية، التي تم الإعلان عنها رسميا في وقت سابق بنحو 1000 شخص، ولكن تقدرها المخابرات الغربية الآن بأكثر من 15 ألفا“.
وأردفت الصحيفة: ”كان الخطاب دفاعيا بشكل كبير ينذر بمزيد من الخسائر، وأن الحرب ستستمر لفترة طويلة، لكنه لا يبشر بأي تصعيد في المستقبل. في المقابل، فإن حقيقة عدم ذكر التعبئة لا تعني أنه لم يتم التخطيط لها أو لن يتم تنفيذها في وقت قريب إذا أصبح نقص القوات حادا“.
وفي سياق متصل، اعتبرت صحيفة ”نيويورك تايمز“ الأمريكية، أن ”بوتين وهو يتحدث عن أهم عطلة علمانية في روسيا، بعث برسالة للجمهور الروسي الأوسع، مفادها أنه يمكنهم الاستمرار في عيش حياتهم، وأن الجيش سيستمر في القتال لتخليص أوكرانيا، في روايته الكاذبة، من التعذيب والنازيين، لكنه لم يقم بأي محاولة جديدة لإعداد شعبه لصراع أوسع“.
وقالت: ”لكن بعض المحللين حذروا من أنه حتى لو تحدى بوتين بعض التوقعات الغربية بالتصعيد، فإن التهديد سيظل مرتفعاً في الأسابيع المقبلة“.
ونقلت عن محللين قولهم ”إن الرئيس الروسي رأى على الأرجح أن موكب يوم النصر هو المكان والزمان الخاطئين للإشارة إلى التصعيد“.
وأشار المحللون، وفقا للصحيفة، إلى ”مشكلة أخرى غير مباشرة للتصعيد، وأوضحوا أن الخطر الأكبر يكمن في إحباط بوتين من تسليم الأسلحة الغربية لأوكرانيا، وأنه قد يستخدم ترسانة روسيا النووية الهائلة لردعها“.
تورط أمريكا في الحرب
وفي هذا الصدد، رأت صحيفة ”نيويورك تايمز“، أن توقيع الرئيس الأمريكي جو بايدن، أمس، لمرسوم يسرع في تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا، ”قد يورط واشنطن في الحرب أكثر فأكثر، ويسلط الضوء على صحة التقارير التي تفيد بأن أمريكا تشن حربا بالوكالة في أوكرانيا ضد روسيا“.
وقالت الصحيفة في تحليل لها: ”عندما وقع بايدن على قانون (الإعارة والتأجير الحديث) أمس، بعد 81 عامًا من النسخة الأصلية التي ساعدت في شق الطريق إلى الحرب العالمية الثانية، دفع بالولايات المتحدة بشكل أعمق إلى حرب أخرى في أوروبا أصبحت على نحو متزايد صراعا ملحميا مع روسيا“.
وأضافت الصحيفة: ”لقد سلطت الأيام الأخيرة الضوء على مدى انخراط الولايات المتحدة في الصراع في أوكرانيا. وعلى سبيل المثال، وبالإضافة إلى برنامج الإقراض الجديد، الذي سيتنازل عن المتطلبات التي تستغرق وقتا طويلاً لتسريع الأسلحة إلى أوكرانيا، اقترح بايدن 33 مليار دولار إضافية في شكل مساعدات عسكرية وإنسانية، وأرسل السيدة الأولى (جيل بايدن) في زيارة سرية إلى منطقة الحرب، وقدم معلومات استخبارية لمساعدة أوكرانيا على قتل عشرات الجنرالات الروس“.
وذكرت الصحيفة أنه بعد شهرين ونصف الشهر، لا يزال بايدن قلقًا بشأن أن تبدو الولايات المتحدة تخوض الحرب بالوكالة التي يتحدث عنها الرئيس الروسي.
وأضافت الصحيفة أنه ”بينما أرسل بايدن المساعدات علنًا، إلا أنه كان غاضبًا خارج الكواليس بسبب التسريبات حول المساعدة الاستخباراتية الأمريكية لأوكرانيا، التي أدت إلى مقتل الجنرالات الروس وغرق الطراد موسكفا في البحر الأسود، خوفا من أن ذلك قد يدفع بوتين إلى التصعيد الذي سعى نظيره الأمريكي بشدة إلى تجنبه“.
وأشارت الصحيفة إلى أنه ”منذ بداية الحرب، سعت الإدارة الأمريكية إلى توخي الحذر بشأن تعاملها مع الحرب وتحديد الأسلحة التي يمكن وصفها بأنها دفاعية، وبالتالي من المقبول إرسالها إلى أوكرانيا، لكن الخط تغير في الأسابيع الأخيرة مع قيام الإدارة الأمريكية بشحن المزيد من المعدات العسكرية المتطورة والتعبير بشكل أكثر صراحة عن طموحاتها لهزيمة روسيا وحتى إضعافها“.
في غضون ذلك، قال بعض المسؤولين الحكوميين المخضرمين، إن بايدن ”كان محقًا في توخي الحذر بشأن وخز بوتين بشكل علني، لأن عواقب التصعيد مع روسيا المسلحة نوويا مدمرة للغاية، بحيث لا يمكن المخاطرة بها“.
ونقلت عن مايكل إيه ماكفول، السفير الأمريكي السابق لدى روسيا، قوله إن ”هناك فرقا بين المساعدة السرية للقوات الأوكرانية على استهداف القوات الروسية، والتباهي بها“.
وأضاف ماكفول: ”نعم، بوتين يعلم أننا نقدم معلومات استخبارية لأوكرانيا، لكن قول ذلك بصوت عال يساعد في روايته العامة بأن روسيا تقاتل الولايات المتحدة والناتو في أوكرانيا، وليس الأوكرانيين فقط. وهذا لا يخدم مصالحنا“.
أوكرانيا والهاوية الاقتصادية
على صعيد آخر، قالت مجلة ”فورين بوليسي“ الأمريكية، إن أوكرانيا تواجه ”هاوية اقتصادية“ جراء الحرب، وإنه يحب على الغرب أن يكون لديه مصلحة حيوية في الحفاظ على استمرارية اقتصاد البلاد في زمن الصراع، مشيرة إلى أن ذلك أمر بالغ الأهمية يتم تجاهله بشكل كبير.
وذكرت المجلة أنه ”على الرغم من أن عشرات الآلاف من الأوكرانيين يقاتلون على الجبهة، واضطرار ملايين الأشخاص إلى الفرار، لا تزال البلاد بحاجة إلى دعم حوالي 38 مليون مواطن بالطعام والوظائف، والحفاظ على بنيتها التحتية قيد التشغيل، وتمويل الخدمات العامة“.
وأشارت المجلة إلى أنه ”على مدار الأيام القليلة الماضية، بدأ الغرب في توفير شريان الحياة الاقتصادي لأوكرانيا من خلال تحرير التجارة غير المسبوق، بالإضافة إلى مليارات الدولارات المعبأة للمعدات العسكرية ومساعدات اللاجئين ودعم الميزانية“.
وقالت المجلة في تحليل لها: ”مثلما أصبح الغرب ترسانة للديمقراطية الأوكرانية، سيحتاج أيضا إلى فتح المزيد من الأبواب المالية إذا أراد أن تتغلب أوكرانيا على الغزاة“.
ووصفت الوضع الاقتصادي في أوكرانيا بـ“المروع“، بعد أن تجاوزت خسائر بنيتها التحتية بالفعل 100 مليار دولار، مشيرة إلى أن البلاد ”قد تحتاج إلى 600 مليار دولار لإعادة الإعمار بعد الحرب والمزيد كلما طال أمد الحرب“.
ورأت المجلة أن ”هناك موارد كثيرة للغرب لتمويل اقتصاد أوكرانيا في زمن الحرب من خلال المنح والقروض والامتيازات التجارية، معتبرة أن إعمار أوكرانيا وتماسك اقتصادها في مصلحة الغرب عامة وأوروبا خاصة.
وأضافت المجلة في تحليلها: ”لا يحتاج الاتحاد الأوروبي فقط إلى حصن فعال ضد روسيا الإمبريالية، لكنه أيضا الشريك التجاري الرئيسي لأوكرانيا، حيث تدعم سلاسل التوريد في أوكرانيا المصانع الألمانية، وتغذي الحبوب ومجموعة من المنتجات الزراعية الأخرى العالم، وقد يؤدي الانهيار الأعمق لاقتصادها إلى إرسال ملايين آخرين من اللاجئين إلى أوروبا“.
وتابعت: ”يبدو أن صانعي السياسة الأوروبيين يدركون ذلك، ففي الأسبوع الماضي، فتح الاتحاد الأوروبي وبريطانيا أسواقهما أمام الصادرات الأوكرانية من خلال رفع جميع الرسوم الجمركية. ولم يسبق أن قدم الاتحاد الأوروبي مثل هذه الإجراءات لتحرير التجارة“.
وأردفت: ”ومع إغلاق الموانئ الأوكرانية من قبل البحرية الروسية، التي أغرقت العديد من سفن الشحن في محاولة لالتقاط البضائع الأوكرانية، تحتاج الصادرات إلى الأسواق غير الأوروبية، مثل الحبوب، إلى ممر آمن وسريع عبر أوروبا عبر ما يسمى بالممرات الخضراء“.
واختتمت ”فورين بوليسي“ تحليلها بالقول: ”سيكون الجزء الأصعب هو حشد الأموال الكبيرة المطلوبة لتمويل الاقتصاد الأوكراني، لكن يمكن إنشاء مجموعات دولية نافذة للدعم الاقتصادي والمالي لأوكرانيا. وربما يمكن أيضا إقناع الصين بدعم الاقتصاد الأوكراني، بالنظر إلى قروضها واستثماراتها في البلاد وحصتها الأوسع في الحفاظ على شريان حياتها الاقتصادي والمالي إلى أوروبا والغرب“.