مفاوضات النووي الايراني تصل إلى طريق مسدود.. ماذا بعد؟
منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018، كانت المواقف التي تروج لها صحيفة “كيهان” الإيرانية اليومية المتشددة مؤشرًا مهما على اتجاه الأوضاع في الاتصالات الدبلوماسية لحل النزاع والآفاق القاتمة للمفاوضات.
وفي مقال افتتاحي بتاريخ 16 أبريل/نيسان، شن “حسين شريعت مداري”، رئيس تحرير “كيهان” الذي تم تعيينه مباشرة من قبل المرشد الأعلى الإيراني “علي خامنئي”، هجوما ضد كوريا الجنوبية لرفضها الإفراج عن أصول إيران المجمدة في بنوكها، والتي تبلغ حوالي 7 مليارات دولار.
وطالب “شريعت مداري” باستخدام القوة ضد ناقلات الوقود الكورية الجنوبية في الخليج، وكتب: “يمكننا ويجب علينا إغلاق مضيق هرمز في الخليج أمام السفن التجارية وناقلات النفط الكورية الجنوبية وجميع السفن التي تحمل البضائع من كوريا الجنوبية أو إليها، ومنع مرورها حتى تسديد مستحقاتنا البالغة 7 مليارات دولار”.
وتذكرنا تعليقات “مداري” بالهجمات الإيرانية ضد ناقلات الوقود الأجنبية قبالة سواحل الإمارات في عام 2019 وما بعده، وتشير إلى مسار العمل الذي قد يتخذه الحرس الثوري إذا طالت المفاوضات بشأن إحياء الاتفاق النووي واستمرت العقوبات الخانقة المفروضة على طهران.
ويعد هذا المسار العدواني مرجحا للغاية؛ لأن الحرس الثوري نفسه يقع في قلب الجمود الأخير في محادثات إحياء الاتفاق، نظرًا لإحجام إدارة “جو بايدن” عن إزالة الحرس من القائمة الأمريكية لـ”المنظمات الإرهابية الأجنبية”.
ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام المحلية، رفض المسؤولون الإيرانيون أيضًا اقتراحًا أمريكيًا بشطب الحرس الثوري من القائمة مع إبقاء ذراع العمليات الخارجية (فيلق القدس)، مدرجًا ككيان إرهابي.
القيادة الجديدة
مع الضغط المتزايد من واشنطن، يواصل المتشددون في إيران تمسكهم بموقفهم، ولا يبدو أنهم على استعداد لاتخاذ إجراءات مماثلة لتلك التي انتقدوا الإدارة “المعتدلة” للرئيس السابق “حسن روحاني” بشأنها، حيث اتهموها بالفشل في مقاومة المطالب الغربية والدفاع بقوة عن “حقوق إيران النووية”.
لقد فاز الرئيس الحالي “إبراهيم رئيسي” بالمنصب على أساس شعبوي محافظ مع “أقصى قدر من المقاومة” والتمسك بالحقوق الوطنية، وبدعم كبير من الحرس الثوري وبرلمان يهيمن عليه المتشددون. لذلك، لا يمكن رؤيته يتبع نفس سياسة الاعتدال البراجماتي التي اتبعها سلفه، وهو ما وضع “روحاني” ووزير خارجيته “محمد جواد ظريف” في مسار تصادمي مع المتشددين في المقام الأول.
في 18 أبريل/نيسان، وبعد وقت قصير من معارضة كبار المسؤولين الأمريكيين إزالة الحرس الثوري من قائمة الإرهاب ورفض الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة لدى الدول الحليفة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية “سعيد خطيب زاده”، في مؤتمره الصحفي الأسبوعي: “طالما لم يكن هناك اتفاق على كل شيء، فلا يوجد اتفاق على أي شيء.. واليوم ليس لدينا اتفاق نتحدث عنه”.
وبعد 44 عامًا من ثورة 1979، تستعد الجمهورية الإسلامية لخلافة المرشد “على خامنئي”، وسيكون هذا هو التغيير القيادي الثاني للجمهورية، حيث حدث الأول في عام 1988 عندما توفي “الخميني”.
وبالنظر إلى النوايا الواضحة للنخبة الحاكمة ذات الغالبية المتشددة لمواصلة الشعلة الثورية خلال مرحلة ما بعد “خامنئي”، تتضاءل فرص التغيير الرئيسي في السياسة بشكل متزايد، سواء كان ذلك على مستوى الاعتدال السياسي والانفتاح على الحريات المدنية في الداخل، أو السعي وراء الوفاق والتقارب في الخارج.
وبينما واصلت طهران المحادثات مع خصمها الإقليمي اللدود (السعودية) في عهد “رئيسي” – لكن دون جدوى حتى الآن – لم تُظهر استراتيجيتها الإقليمية، بما في ذلك الدعم المنهجي للحوثيين والعداء لإسرائيل، أي علامة تقريبًا على ضبط النفس أو الرغبة في التسوية. ودافع قائد فيلق القدس العميد “إسماعيل قاآني”، في كلمة ألقاها مؤخرًا، عن ضربات الحرس الثوري الصاروخية في مارس/آذار ضد “القواعد الإسرائيلية السرية” في أربيل بكردستان العراق.
ومع توقف محادثات إحياء الاتفاق النووي وتزايد احتمال حدوث المزيد من التقدم النووي الإيراني، انضم “رئيسي” إلى جوقة المسؤولين الذين حذروا من تداعيات أي هجوم إسرائيلي محتمل على المنشآت الإيرانية.
ومن اللافت أن السياسة الخارجية الأكثر حزماً وخط التفاوض الأكثر صرامة يحظى بتأييد وإعجاب علني من قبل “خامنئي”، ويبدو أن المرشد الأعلى راضٍ ومرتاح أكثر عن إدارة “رئيسي” فيما يتعلق بمسائل الأمن القومي.
وفي تناقض ملحوظ مع موقفه من الدبلوماسية النووية لإدارة “روحاني”، أشاد “خامنئي” بفريق التفاوض الحالي لمقاومته المطالب والضغوط الأمريكية، مؤكدًا أن موقف التحدي جعل إيران “مثال جذاب” بين الدول الأخرى. وقال: “لقد وصلوا إلى طريق مسدود.. لكننا لم نصل”.
لا خيار سوى “النظر شرقا؟”
سعت طهران بشكل متزايد إلى “شراكات استراتيجية” أوثق مع روسيا والصين، ولجأت إلى استراتيجية “النظر شرقًا” التي تنطوي على اعتماد شبه حصري على الأسواق الصينية والروسية لتصدير النفط في غياب المشترين والعملاء الآخرين.
ويرى القادة الإيرانيون أنه من الضروري تجنب التضخم المفرط، وتكرار الاحتجاجات الواسعة بسبب تدهور الظروف المعيشية، باختصار يجب تجنب الانهيار الاجتماعي والاقتصادي والفوضى.
وتم اتباع سياسة “النظر شرقاً” لأول مرة بشكل جدي في عهد الرئيس السابق “أحمدي نجاد” (2005-2013)، عندما تعرضت البلاد لعقوبات أمريكية وأممية بسبب برنامجها النووي.
ومن المفارقات، أن هذه السياسة استلزمت حتى الآن درجة كبيرة من التنازل في التعامل مع روسيا والصين بشأن مجالات مثل الطاقة والتجارة والبيئة وكذلك الجغرافيا السياسية، وهو نوع من “الليبرالية الاستراتيجية” أو التساهل الذي يغيب عن المفاوضات النووية مع القوى الغربية.
ومع استمرار الحرب في أوكرانيا وبدء تأثير العقوبات الأمريكية الأوروبية على موسكو، فإن الجمهورية الإسلامية مستعدة أكثر من أي وقت مضى للانضمام إلى صف الكرملين في “المقاومة القصوى” ضد الغرب، ويبدو أن إيران صارت أكثر إصرارا على سياسة “النظر شرقاً”.