مرحلة جديدة.. مستقبل غامض للاتحاد الأوروبي بعد حرب أوكرانيا
عزز الغزو الروسي لأوكرانيا الرأي المعادي لموسكو في الاتحاد الأوروبي، لذلك من غير المرجح أن تعود الأيام التي شجعت فيها بعض الأصوات الأوروبية التقارب الاستراتيجي مع روسيا وتفهم مخاوفها الأمنية.
وكان من اللافت تراجع الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي بشأن روسيا والمستوى غير المسبوق من العقوبات التي إعلانها، حتى لو بقيت تساؤلات حول المدة التي سيستمر فيها هذا التماسك. ومع ذلك، فإن هذا التماسك وحده لا يعني بالضرورة أن الاتحاد الأوروبي سيخرج أقوى من هذا الصراع.
ويقدم اعتماد وثيقة البوصلة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي الشهر الماضي بعض المؤشرات، فالوثيقة تمثل خارطة طريق للتكامل الدفاعي أكثر من كونها “بوصلة” حقيقية أو استراتيجية كبرى. علاوة على ذلك، عند دراسة البيئة الإستراتيجية للاتحاد الأوروبي، يتم إيلاء الاهتمام بالجوار المباشر مع فكرة عابرة للمسرح الاستراتيجي الصاعد المعروف باسم “المحيطين الهندي والهادئ”.
وقد ينجح الاتحاد الأوروبي في تطوير أدوات الفاعلية الجيوسياسية في منطقته القريبة، لكن قد يكون ذلك وصفة مثالية للانكماش الاستراتيجي. ويجب أن تأخذ أي استراتيجية في الاعتبار أنه مع محدودية الموارد، لا يمكن السعي وراء جميع الأهداف بنفس الأولوية. ومن الصعب على الاتحاد الأوروبي أن يجد “طريق ثالث” بين الولايات المتحدة والصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لذلك فإن العالم متعدد الأقطاب قد يكون في صالحه.
علاوة على ذلك، أن تصبح أقوى لا يعني بالضرورة أن تصبح أكثر أمانًا. وحتى لو تم استئناف الحوار حول الحد من التسلح بين الولايات المتحدة وروسيا، فقد أصبح من المستحيل تخيل العودة إلى أي شيء يشبه “الهندسة الأمنية” السابقة طالما بقي “فلاديمير بوتين” في الكرملين. وبدلاً من ذلك، يبدو أننا بصدد مرحلة صراع طويلة مع روسيا (وربما الصين أيضًا) تتميز برؤى غير متوافقة حول النظام العالمي الذي أصبحت أوروبا فيه أقرب لمجرد مسرح إقليمي.
وبالنظر إلى ضعفه النسبي وطابعه الداخلي، فإن للاتحاد الأوروبي مصلحة أكبر من الولايات المتحدة في بقاء بعض التعددية القائمة على القواعد. لذلك، ستثير تداعيات الحرب في أوكرانيا أسئلة صعبة بشأن كيفية ضمان الأمن الأوروبي على المدى القصير، وكذلك حول مسار الشراكة عبر الأطلسي على المدى الطويل.
وحتى الآن، لم ينتج تحول جوهري في طريقة تفكير الاتحاد الأوروبي بشأن دول الجوار. وتظل الدول الأعضاء عالقة بين الرغبة في تقديم شيء ملموس لأوكرانيا (والمرشحين الآخرين للعضوية) والخوف من تقويض المعايير الجماعية للكتلة. لذلك أظهر الاتحاد الأوروبي حتى الآن سقفا معينا لتفاعله مع الأحداث، ويتجلى ذلك في موقفه من العقوبات على قطاع الطاقة الروسي.
ويعتمد الاتحاد الأوروبي على روسيا في تلبية 40% من احتياجاته من جميع أنواع الوقود الأحفوري. ولا يشكل النفط والفحم مشكلة كبيرة، حيث يمكن الحصول على هذه السلع بسهولة من السوق العالمية. وبالتالي من المحتمل أن يتمكن الاتحاد الأوروبي قريبًا من وقف استيراد الفحم والنفط من روسيا. ومع ذلك، سيكون لهذا تأثير سلبي بسيط على روسيا، حيث يمكنها بيع الإمدادات التي لم تعد مخصصة لأوروبا لعملاء آخرين، حتى لو كان على موسكو أن تعرضها بسعر مخفض.
وتكمن المشكلة الحقيقية في الغاز، حيث توفر خطوط الأنابيب الحالية التي تربط الاتحاد الأوروبي بروسيا أرخص وسيلة نقل. ويعتبر الغاز الروسي مهمًا بشكل خاص لألمانيا وإيطاليا وتخشى هذه الدول من ارتفاع التكاليف إذا تم فرض حظر فوري على واردات الغاز الروسي. وهناك اتفاق عام على الهدف طويل الأجل المتمثل في تقليل واردات الغاز من روسيا، ولكن هناك القليل من الوضوح حول المدى الزمني لهذا الهدف.
وبصرف النظر عن التقدم في اتجاه التكامل الدفاعي، فإن الفطام عن الغاز الروسي شرط أساسي للاتحاد الأوروبي للحصول على وحدة حقيقية وموقف قوي تجاه روسيا. يجب أن تكون هذه هي الخطوة الأولى – وليست الوحيدة – نحو تحويل البوصلة الإستراتيجية إلى خريطة طريق واضحة، إن لم يكن إلى إستراتيجية متكاملة.