صدام سعودي أمريكى جديد| ‬الرياض تقود “أوبك” لرفض بيانات وكالة الطاقة

قالت مصادر مطلعة إن قرارا مدعوما من السعودية بأن تتوقف مجموعة أوبك+ عن استخدام بيانات وكالة الطاقة الدولية، وهي الهيئة الغربية لمراقبة قطاع الطاقة، يعكس المخاوف من التأثير الأمريكي على البيانات، مما يزيد التوتر بين الرياض وواشنطن.

وتتجاهل مجموعة أوبك+، التي تضم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بالإضافة إلى روسيا ومنتجين آخرين، حتى الآن دعوات غربية لزيادة الإنتاج في محاولة لخفض الأسعار البالغة حاليا حوالي مئة دولار للبرميل.

وهذه مسألة حساسة إذ أن غلاء أسعار الطاقة، الذي يرجع جزئيا إلى حرب روسيا مع أوكرانيا، قد أجج التضخم في حين يواجه الرئيس الأمريكي “جو بايدن” ضغوطا لخفض أسعار البنزين في الولايات المتحدة قبيل انتخابات التجديد النصفي المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني.

وتبدد أي استعداد من جانب الرياض وحلفائها لمساعدة الولايات المتحدة، إذ لم تعالج واشنطن مخاوف دول الخليج بشأن إيران في المحادثات النووية في جنيف، كما أنهت دعمها لعمليات هجومية ينفذها تحالف تقوده السعودية في اليمن وفرضت شروطا على مبيعات السلاح الأمريكي لمنطقة الخليج.

وإضافة إلى ذلك، لم يتعامل “بايدن” بشكل مباشر مع ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” الحاكم الفعلي للمملكة.

ورفض متحدث باسم البيت الأبيض التعليق.

وفي ضوء ذلك، انتهت المناقشات الفنية لمجموعة أوبك+ التي استمرت ست ساعات في مارس/ آذار باتخاذ قرار بالإجماع بإسقاط بيانات وكالة الطاقة الدولية عند تقييم حالة سوق النفط.

وقالت المصادر إن السعودية وروسيا شاركتا في رئاسة الاجتماع الذي حضره ممثلون عن الجزائر والعراق وقازاخستان والكويت ونيجيريا والإمارات وفنزويلا.

والقرار رمزي بدرجة كبيرة إذ أن أوبك+ يمكنها دائما اختيار البيانات التي تستخدمها من ست مصادر من خارج أوبك عند تكوين وجهة نظرها بشأن موازنة العرض والطلب في سوق النفط.

وقالت ستة مصادر إن إسقاط أوبك+ لهذه البيانات بشكل رسمي يشير إلى تنامي الاستياء مما تعتبره المجموعة انحياز وكالة الطاقة الدولية للولايات المتحدة، أكبر عضو فيها.

وأشارت المصادر، على وجه الخصوص، إلى تعديل الوكالة بالزيادة لمستوى الطلب التاريخي في فبراير/ شباط وتقديرها لكمية النفط الروسي الذي ستخرجه العقوبات من السوق والتي تراها المجموعة مبالغا فيها.

وقال مصدر مشارك بشكل مباشر في القرار لرويترز “وكالة الطاقة الدولية تعاني من مشكلة عدم الاستقلالية، وهو ما يُترجم إلى مشكلة فنية تتعلق بالتقييم”.

وتحدثت المصادر بشرط عدم الكشف عن هويتها بسبب حساسية الأمر.

ولم ترد وزارتا الطاقة في السعودية والإمارات على طلب للتعليق.

ووصل أحد المصادر إلى حد وصف الوضع بأنه “حرب باردة” وألقى اللوم على وكالة الطاقة الدولية في إشعالها.

وقالت وكالة الطاقة الدولية لرويترز إن تحليل بياناتها محايد سياسيا.

وذكرت في رد على أسئلة بالبريد الإلكتروني “تجاهد وكالة الطاقة الدولية لتقديم وجهة نظر غير منحازة ومستقلة لأساسيات سوق النفط، والاعتبارات السياسية لم تكن قط عاملا مؤثرا على كيفية تقييم الوكالة لتوقعات السوق”.

وأضافت “تقرير سوق النفط يشمل بيانات العرض والطلب والمخزونات من مصادر رسمية، مدعومة بتقديرات عندما لا تتوافر البيانات”.

ولدت من رحم أزمة

تأسست وكالة الطاقة الدولية عام 1974 لمساعدة الدول الصناعية على التعامل مع أزمة النفط بعد أن قلص الحظر العربي للنفط الإمدادات ودفع أسعار النفط للارتفاع.

وتقدم الوكالة، التي تضم 31 دولة صناعية في عضويتها، المشورة للحكومات الغربية بشأن سياسة الطاقة، والولايات المتحدة أكبر ممول لها.

وشهدت الوكالة تحولات في أسواق النفط منذ تأسيسها، كما مرت علاقاتها بأوبك بأوقات صعود وهبوط.

وحتى قبل تصاعد التوترات هذا العام حدثت نقطة تحول بالنسبة للسعودية وحليفتها الإمارات عندما أصدرت الوكالة تقريرها قبل محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ في جلاسجو أواخر العام الماضي.

وقالت الوكالة في تقريرها إنه إذا كان العالم جادا بشأن الوصول إلى صاف انبعاثات صفري بحلول عام 2050، فيتعين عدم توجيه أي استثمارات جديدة لمشروعات النفط والغاز.

وذكرت المصادر أن ذلك فاقم مخاوف مجموعة أوبك+ من أن تكون الوكالة تتجاهل حجم الطلب في الأجل المتوسط، وعارضت المجموعة مطالبة الوكالة بضخ المزيد من النفط من أجل خفض الأسعار بما يلائم الغرب، في وقت اعتبرت فيه أن السوق تتمتع بإمدادات مناسبة.

وإضافة إلى تعليقات المصادر انتقد البعض من داخل أوبك ذلك صراحة.

فقد طلب وزير الطاقة الإماراتي “سهيل المزروعي” في مؤتمر عن القطاع في مارس آذار من وكالة الطاقة الدولية أن تكون أكثر واقعية وألا تصدر معلومات مضللة.

تعديل التقدير الأساسي

فاجأت وكالة الطاقة الدولية سوق النفط في فبراير شباط عندما عدلت بالرفع تقديرها الأساسي للطلب العالمي بنحو 800 ألف برميل يوميا، أي أقل بقليل من واحد في المئة من سوق النفط العالمية البالغة حوالي 100 مليون برميل يوميا.

وقال محللون إن المراجعة، التي أعقبت إعادة تقييم بالزيادة للطلب على البتروكيماويات في الصين والسعودية حتى 2007، تؤدي إلى رؤية مفادها أن توازن سوق النفط أكثر دقة مما كان يعتقد سابقا، وهو ما يعزز الدعوى بأن أوبك يجب أن تحاول زيادة الإنتاج بسرعة أكبر.

وقال أحد المصادر إن السعودية اختلفت مع إعادة التقييم.

وذكرت وكالة الطاقة الدولية أن الاضطرابات الناجمة عن الجائحة جعلت من الصعب الحصول على أرقام دقيقة وأنها نشرت البيانات المعدلة بمجرد توفر المعلومات.

وأضافت الوكالة “لاحظت وكالة الطاقة الدولية لبعض الوقت عدم توافق متزايد في التغييرات الملحوظة والضمنية في المخزونات، كما أن تعديل تقديراتنا التاريخية للطلب على النفط المدرجة في تقرير فبراير قطعت شوطا جيدا في سد تلك الفجوة”.

وقالت المصادر إن توقعات وكالة الطاقة الدولية بشأن تأثير العقوبات على الإنتاج الروسي أثارت انتقادات من داخل أوبك باعتبارها تهدف إلى الضغط من أجل زيادة إنتاج المنظمة.

وأشارت وكالة الطاقة الدولية إلى أن إنتاج النفط الروسي قد ينخفض بواقع ثلاثة ملايين برميل يوميا اعتبارا من أبريل نيسان، بينما قالت شركات تجارية مثل فيتول وترافيجورا إن صادرات النفط الروسية قد تنخفض بواقع 2-3 ملايين برميل يوميا.

ووفقا لتقديرات محللين وبيانات روسية، فقد انخفض إنتاج النفط الروسي بأقل من مليون برميل يوميا في أوائل أبريل نيسان.

وقالت وكالة الطاقة الدولية “استندنا في تقييمنا الأولي للصادرات إلى تصريحات من عدد من الشركات التي أعلنت بالفعل أنها ستخفض أو تقلل مشترياتها من النفط الروسي، لكننا لاحظنا زيادة الاهتمام بالنفط ذي الأسعار المخفضة وهو ما يمكن أن يعوض ذلك.

“كما أشرنا، نظرا للظروف المتغيرة بسرعة، فإن التقدير قيد المراجعة المستمرة وسيتم تعديله حسب الضرورة”.

وقاومت أوبك+ حتى الآن دعوات من الولايات المتحدة ووكالة الطاقة الدولية لضخ المزيد من النفط لتهدئة أسعار الخام التي ارتفعت إلى أعلى مستوياتها في 14 عاما بعد العقوبات الغربية على موسكو في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير شباط، والذي تصفه روسيا بأنه “عملية عسكرية خاصة”.

وقالت كل من السعودية والإمارات، اللتين تمتلكان الجزء الأكبر من الطاقة الفائضة داخل أوبك، إن أوبك+ يجب أن تظل بعيدة عن السياسة، وفي اجتماع شهري في نهاية مارس آذار اتفقت المجموعة على الالتزام بزيادة شهرية متواضعة كانت مخططة مسبقا.

ويرى الرئيس “بايدن” وحلفاؤه أن هناك حاجة إلى مزيد من الإمدادات لخفض الأسعار. وأعلنت الولايات المتحدة أنها ستفرج عن ما يصل إلى 180 مليون برميل من النفط من احتياطياتها البترولية الاستراتيجية.

وقالت وكالة الطاقة الدولية الأسبوع الماضي إنها تعتزم الإفراج عن 120 مليون برميل من النفط على مدى ستة أشهر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى