قضية الحرس الثوري تهدد بانهيار المفاوضات النووية مع إيران
بالرغم من تأكيدات جميع الأطراف على قرب إبرام اتفاق نووي مع إيران، فإن محادثات فيينا وصلت إلى عقبة أخرى مع تمسك طهران بشطب الحرس الثوري من القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية.
وبالرغم أن هذا الإجراء لن يكون له سوى آثار عملية قليلة، إلا أنه سلط الضوء على التحدي الذي يواجه الرئيس الأمريكي “جو بايدن” والذي قد يرى أن التكلفة السياسية لتأمين الاتفاق أعلى من تكلفة عدم إبرامه.
ولكي نكون واضحين، فإن رفع الحرس الثوري من القائمة ليس أكثر من عملية رمزية لدى كلا الجانبين، فهذا التصنيف ليس سوى طريقة واحدة من عدة طرق لمواجهة الحرس الثوري.
وحتى إذا أزال “بايدن” الحرس من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، فسيظل جهة إرهابية أجنبية وفقا للقرار الذي اتخذته واشنطن في عام 2007.
ولن تشعر الشركات الأجنبية بالراحة في التعامل مع الشركات المرتبطة بالحرس الثوري على أي حال.
ولن يستفيد الإيرانيون عمليا من مثل هذا الإجراء، ولن تتكبد الولايات المتحدة أي خسارة ملموسة.
ومع ذلك من الناحية السياسية، وضعت كل من طهران وواشنطن نفسيهما في زاوية ضيقة دون داع.
وفي منتدى الدوحة في قطر نهاية الأسبوع الماضي، أصر “كمال خرازي”، وزير الخارجية الإيراني الأسبق والمستشار الحالي للمرشد الأعلى الإيراني “علي خامنئي”، على هذا المطلب حتى تنجح المحادثات النووية.
وسيكون التراجع عن مثل هذه التصريحات القاطعة مكلفا بالتأكيد.
وبالمثل، أعطت هذه القضية مبررا لمعارضي خطة العمل الشاملة المشتركة في مجلس الشيوخ الأمريكي.
ومع تزايد معارضة شطب الحرس الثوري من القائمة، يخشى مؤيدو الاتفاقية في الكونجرس من أن تركز إدارة “بايدن” على التكاليف السياسية لمثل هذه الخطوة مع التقليل من تكاليف ترك خطة العمل المشتركة الشاملة تموت بسبب قضية رمزية.
ويبدو أن كل من إدارتي “رئيسي” و”بايدن” ترتكبان هذا الخطأ.
وقد تركت المحادثات الأخيرة التي شملت مفاوضين إقليميين وأمريكيين انطباعا قويا بأن خطر الوصول إلى مواجهة عسكرية أكبر مما افترضه الكثيرون في واشنطن.
ولا يعتقد الكثيرون أن طهران ستمتنع عن توسيع برنامجها النووي إذا فشلت المحادثات.
وقد أوضحت إدارة “بايدن” بالفعل أنه إذا حدث ذلك فلن يكون أمامها خيار سوى زيادة الضغط على إيران.
وأحد السبل لذلك هو إدانة إيران في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإحالة الأمر إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وعند هذه المرحلة ستطرد طهران مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتمنع مفتشيها من الوصول إلى المواقع النووية الإيرانية.
ومن المرجح أن تستخدم روسيا حق النقض لإجهاض أي قرار جديد ضد إيران في مجلس الأمن.
ومع ذلك، قد يقوم أعضاء الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات سريعة على النحو المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن رقم 2231، وهو القرار الذي أيد خطة العمل الشاملة المشتركة وجعلها ملزمة عام 2015.
ولا يمكن لروسيا أو الصين استخدام حق النقض ضد قرار العقوبات المرتبطة بالاتفاق الأصلي، وبالتالي سيتم إخضاع طهران للفصل 7 من عقوبات مجلس الأمن مرة أخرى.
ووفقا للأكاديمي الإيراني البارز “ناصر الهديان” الذي يتمتع بإمكانية وصول واسعة إلى مسؤولي الأمن القومي الإيراني، فإن طهران خططت بالفعل لهذا السيناريو وسترد بإعطاء إشعار بنيتها الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
وبعد فترة الإخطار الإلزامية البالغة 3 أشهر، لن تكون إيران ملزمة بأي من القيود التي تفرضها المعاهدة على إيران، بما في ذلك الالتزام بعدم تصنيع أسلحة نووية.
وفي تلك المرحلة، ستتبنى إيران سياسة “الغموض الخلاق” على غرار الموقف النووي الإسرائيلي، بحسب “هديان”.
وبدون الوصول المباشر لبرنامج إيران النووي، ستترك طهران العالم في حالة تخمين ما إذا كانت إيران تصنع قنبلة نووية.
وبعد بضعة أشهر، سيخمن العالم ما إذا كانت إيران امتلكت واحدة بالفعل.
وغني عن القول أن واشنطن ستنظر إلى مثل هذا الإجراء على أنه استفزاز وتصعيد كبير، وربما غير مسبوق.
ومن المرجح أن ترد الولايات المتحدة على إخطار إيران بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي من خلال الاستعداد لخيار عسكري سيشمل على الأرجح نقل مجموعات من حاملات الطائرات إلى الخليج العربي.
وسوف تتصاعد التوترات بشكل حاد. ويكون الأمر بحاجة إلى شرارة واحدة أو مجرد سوء تقدير لبدء الحرب.
وعلى عكس التوقعات السابقة في السعودية والإمارات، قررت إيران بالفعل إطلاق صواريخ باليستية ضد هذه الدول خلال أول 48 ساعة بعد التبادل المحتمل للضربات العسكرية الأولى بين الولايات المتحدة وإيران، بحسب “هديان” الذي أكد أنه تم إبلاغ الرياض وأبوظبي بذلك أيضا.
وحتى إذا تجنبت الولايات المتحدة مسار الأمم المتحدة، فإن خياراتها الأخرى للضغط على إيران تنطوي أيضا على مخاطر تصعيد كبيرة. وأحد الخيارات المتاحة لـ “بايدن” هو قيام السفن الحربية الأمريكية باعتراض ومصادرة ناقلات النفط الإيرانية في أعالي البحار ثم بيع حمولتها من أجل خنق الصادرات الإيرانية دون تقليص إمدادات النفط العالمية.
وفي حين أنه من الصعب وصف هذا الإجراء بشيء آخر غير القرصنة، إلا أنه ليس مستبعدا؛ فقد صادرت إدارة “بايدن” بالفعل إحدى هذه الناقلات، وباعت النفط، واحتفظت بالعائدات.
ونظرا لخيارات “بايدن” المحدودة فيما يتعلق بفرض عقوبات جديدة، ستكون هذه وسيلة مهمة لممارسة ضغط جديد.
ولدى طهران حاليا 25 مليون برميل من النفط مخزنة على صهاريج مؤجرة.
ومع بيع النفط بسعر يتراوح بين 90 دولارا و 110 دولارات للبرميل، فإن هذا يصل إلى ما بين 2.3 و2.7 مليار دولار تقريبا، أو ما يقرب من نصف الأموال الإيرانية المجمدة حاليا في البنوك الأجنبية.
ومن المرجح أن يؤدي هذا الخيار إلى دفع إيران للانتقام، وقد يشمل ذلك هجمات ضد القوات الأمريكية في العراق، الأمر الذي قد تتعامل معه إدارة “بايدن” على أنه إعلان حرب، حتى لو نفذتها الميليشيات العراقية المتحالفة مع إيران وليس إيران نفسها.
وربما يكون الإيرانيون مخادعين.
وربما لم يتم اتخاذ هذه القرارات بالفعل.
وحتى لو كان الأمر كذلك، فيمكن دائما التراجع عن القرارات في أي وقت.
ولا يمكن افتراض حتمية هذه السيناريوهات، لكن ما يبدو واضحا هو أنه لا يمكن لإيران أو الولايات المتحدة زيادة الضغط على الطرف الآخر إذا انهارت خطة العمل الشاملة المشتركة دون المخاطرة بتصعيد خطير قد يصل إلى حد المواجهة العسكرية.
ويبقى السبب الرئيسي لعدم وجود هذا التصعيد في الوقت الحالي هو الأمل في إمكانية إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة.
وبالتالي، من المرجح جدا أن يؤدي الفشل في تأمين الاتفاق النووي إلى تصعيد لا يمكن التنبؤ به وربما لا يمكن السيطرة عليه.
ومع ارتفاع أسعار النفط والغاز قبل أشهر فقط من انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر/تشرين الثاني ستكون التكاليف السياسية هائلة على كل من إدارتي “بايدن” و”رئيسي”. وبالمقارنة، قد تكون التكلفة الأقل هي تحمل التداعيات السياسية المرتبطة بقرار شطب الحرس الثوري من قائمة الإرهاب.