الأزمة الأوكرانية تظهر أولويات السعودية: الحوثيون أولا ثم النفط
بعد سبع سنوات على تدخلها العسكري في اليمن، تقول فرانس برس إن السعودية تنكب على حشد الدعم الدولي لصالحها في الحرب ضد الحوثيين، في وقت يطالبها الغرب بالمساعدة على تهدئة سوق النفط المتقلبة على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا.
ونفذ تحالف عسكري مؤلف من دول عربية عدة وبقيادة السعودية، ضرباته الجوية الأولى في اليمن، دعما للحكومة اليمنية التي كانت تخوض قتالا ضد الحوثيين المدعومين من إيران، في 26 مارس 2015.
وكان الحوثيون قد استولوا آنذاك على العاصمة صنعاء ويواصلون تقدمهم. وإن كان التدخل العسكري أوقف هذا التقدم ومكن القوات الحكومية من استعادة أجزاء كبيرة من الأرض، لكنه لا يزال عاجزا عن حسم المعركة، بينما تتفاقم على الأرض أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
ومع مرور الوقت وبروز اتهامات من منظمات حقوقية عدة تنتقد عمليات التحالف التي أودت بحياة العديد من المدنيين، تراجع الدعم الأميركي للرياض الذي تجلى في بداية الحرب.
وتتعرض الرياض التي تقود منظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك” وتحالف “أوبك بلاس” مع موسكو، حاليا لضغوط من القوى الغربية لزيادة إنتاجها لتهدئة الأسعار المرتفعة منذ بداية الحرب الروسية على جارتها الشهر الماضي.
وتقول الباحثة السعودية في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، نجاح العتيبي، لوكالة فرانس برس: “الأزمة الأوكرانية تمنح السعودية إمكانية استخدام أداة تأثير مهمة، وهي النفط، للضغط على دول كبرى مثل الولايات المتحدة”.
ونأت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بنفسها تدريجيا عن الصراع في اليمن، وذهبت إلى حد شطب الحوثيين من قائمة التنظيمات الإرهابية بهدف تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية التي يعتمد عليها غالبية السكان، وعددهم 30 مليونا، إلى اليمن.
وترى العتيبي أن السعودية لن تزيد إنتاج النفط لخفض الأسعار حتى تحصل على موقف حازم ضد الحوثيين، الذين غالبا ما يشنون هجمات ضد أراضيها بالطائرات المسيرة والصواريخ البالستية، قائلة: “هذه أولوية للمملكة”.
طريق مسدود
وكثفت السعودية الضغوط، الاثنين، من خلال التلويح باحتمال حدوث نقص في كميات النفط بسبب الاعتداءات الحوثية، وذلك غداة سلسلة هجمات شنها المتمردون واستهدفت على وجه الخصوص مصفاة تكرير تابعة لشركة النفط العملاقة أرامكو، مما أدى إلى توقف جزء من إنتاجها.
وقال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السعودية إن الرياض “لن تتحمل مسؤولية أي نقص في إمدادات البترول للأسواق العالمية في ظل الهجمات التي تتعرض لها”.
وبحسب الباحثة في جامعة أكسفورد، إليزابيث كيندال، يمكن أن ينظر إلى هذا التحذير على أنه رسالة للغرب مفادها “نريد دعمكم لكي تأتي أي تسوية محتملة مع الحوثيين وفقا لشروطنا”.
وفي بداية التدخل العسكري عام 2015، جمع التحالف بقيادة السعودية تحت جناحه تسع دول، لكنه بات يعتمد بشكل أساسي على الرياض، وبدرجة أقل، على حليفتها الإمارات التي سحبت قواتها من اليمن، لكنها لا تزال تشن ضربات ضد المتمردين وتملك نفوذا في اليمن.
ونجح التحالف في وقف زحف الحوثيين جنوبا وشرقا، لكنه فشل في طردهم من شمال اليمن خصوصا، لا سيما من العاصمة صنعاء التي دخلوها عام 2014.
وتقول كيندال إن الصراع “وصل الآن إلى طريق مسدود”.
وتضيف “يستمر الحوثيون في ممارسة سلطتهم القمعية والتمييزية في حق ما يقرب من ثلثي السكان”، فيما تتحمل السعودية نفقات باهظة وصلت إلى “ما يقرب من مليار دولار أسبوعيا” في وقت من الأوقات.
24 ألف غارة
ويرى الباحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، عبد الغني الإرياني، أن النزاع بات عبارة عن “حرب استنزاف”.
وتشير كيندال إلى تأثير الهجمات المتكررة بالصواريخ والطائرات المسيرة على صورة السعودية، ومؤخرا الإمارات، في وقت تطمح الدولتان لأن تكونا محطتين مهمتين للشركات العالمية والاستثمارات، في خضم حملات تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط.
وترى أن السعودية “قد تميل للانسحاب من اليمن، لكن يجب أن تكون قادرة على تقديم هذه الخطوة على أنها انتصار، وألا ينتهي الأمر بدولة يسيطر فيها الحوثيون قرب حدودها الجنوبية”.
لكن لا يبدو أن المتمردين على استعداد لتقاسم السلطة بعدما وضعوا شروطا للدخول في أي مفاوضات، في موقف يرى خبراء أنه نابع من قوتهم العسكرية على الأرض، بينما يعزوه آخرون إلى قلة الضغوط الغربية عليهم.
في هذا الوقت، يدفع المدنيون اليمنيون الثمن الأكبر، في السنة الثامنة للحرب.
وتسببت الحرب في اليمن بمصرع أكثر من 377 ألف شخص بشكل مباشر أو غير مباشر، وفق الأمم المتحدة، أي أنهم قضوا إما في القصف والقتال، وإما نتيجة التداعيات غير المباشرة للحرب مثل الجوع والمرض ونقص مياه الشرب.
ويواجه ملايين السكان خطر المجاعة وسط نقص كبير في تمويل عمليات الإغاثة، وقد تسببت الحرب بنزوح نحو أربعة ملايين عن منازلهم.
وقالت منظمة “أوكسفام”، هذا الأسبوع، إن 24 ألف غارة منذ بدء عمليات التحالف تسببت بتضرر 40 في المئة من المساكن بالمدن اليمنية المختلفة.
وبينما ذكرت منظمة “سيف ذا تشيلدرن” في تقرير أن ما يصل إلى 60 في المئة من الأطفال يعرفون شخصا واحدا على الأقل أصيب في الصراع، قالت منظمة “المجلس النروجي للاجئين” إن اليمن يدخل “عاما آخر يكافح فيه ملايين الأطفال من أجل النوم ليلا ويعانون من الجوع الشديد”.