“دبلوماسية الصواريخ الإيرانية” قد تنمو مثل كرة ثلج لتتحول إلى صراع إقليمي
ضربت عشرات الصواريخ الباليستية مدينة أربيل الشمالية في العراق يوم الأحد، وأشارت بعض التقارير إلى أن العديد منها هبطت بالقرب من مبنى القنصلية الأمريكية في المدينة، أرعب الهجوم الصاروخي سكان المدينة، ونشر العديد منهم مقاطع فيديو عبر الإنترنت تظهر العديد من الانفجارات الكبيرة وقال البعض إن الانفجارات هزت منازلهم. ووسط تكهنات التورط الإيرانية، سارع فيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني لإعلان مسؤوليته عن الضربة الصاروخية.
تعد هذه أحدث جولة مما يصفه بعض المراقبين بأنه “توجيه رسائل بالصواريخ” من قبل إيران، وهو علامة تصعيد خطير في الشرق الأوسط.
أسلوب توجيه الرسائل بالصواريخ
لدى إيران سجل طويل من الهجمات الجوية -إما مباشرة بواسطة قواتها العسكرية أو عن طريق الوكلاء الإقليميين- التي ترتبط بأهداف طهران الاستراتيجية في المنطقة.
وعلى سبيل المثال، حدث هجوم صباح الأحد بعد أن بدا أن المفاوضات بين طهران وواشنطن وحلفائها الأوروبيين بشأن إحياء الاتفاق النووي الإيراني قد وصلت نهاية مسدودة، على ما يبدو بسبب المطالب الروسية التي من شأنها أن تخفف ضربة العقوبات الغربية على موسكو بسبب غزو أوكرانيا.
وفي أعقاب الهجمات الصاروخية، ركزت الكثير من التحليلات على الرسالة أو الإشارة التي يبدو أن إيران تريد إيصالها بهذه الضربة، لكن هذا النوع من “التفاوض من خلال الضربات العسكرية”، كما تجسد في هجمات يوم الأحد، يرفع خطر حرب أوسع في الخليج.
أصبح من الشائع في الشرق الأوسط رؤية القوى الإقليمية والخارجية تجري ضربات فتاكة وبعيدة على المناطق ذات السيادة في البلدان الأخرى. وعلى الرغم من أن هذه الهجمات لا تعادلها، إلا إنه من المهم وضع الضربات الصاروخية الإيرانية التصعيدية في أربيل يوم الأحد في سياقها الإقليمي والتاريخي الأوسع.
وعلى سبيل المثال، تنتهك القوات الجوية الإسرائيلية بشكل روتيني المجال الجوي اللبناني، كما تنفذ هجمات جوية في سوريا ضد مجموعة من الأهداف، بما في ذلك القوات الإيرانية والميليشيات العراقية ومسؤولي “حزب الله”.
وفي الوقت نفسه، نفذت الولايات المتحدة تفجيرات وضربات بالطائرات المسيرة في سوريا والعراق. وفي العراق، أجرت القوات الأمريكية عملياتها غالبًا بموافقة وتعاون الحكومة العراقية، كما هو الحال في مكافحة “تنظيم الدولة” ولكن ليس دائما.
على سبيل المثال، حدثت نقطة تحول في “دبلوماسية الصواريخ” في الشرق الأوسط عندما اغتالت الولايات المتحدة الجنرال العسكري الإيراني “قاسم سليماني” قائد فيلق القدس في يناير/كانون الثاني 2020. وبالإضافة إلى “سليماني”، قتلت القوات الأمريكية أيضًا مسؤولًا عراقيًا كبيرًا في هذا الهجوم، الذي نفذته واشنطن على الأراضي العراقية دون إخطار بغداد. وفي الوقت نفسه، فإن الولايات المتحدة -مثل إسرائيل- تجري الضربات في سوريا على أساس قانوني مشكوك فيه.
من جانبها، هاجمت إيران مرارًا خصومها الخليجيين جوًا، بما في ذلك الهجمات الصاروخية الأخيرة على الأراضي الإماراتية التي شنها من اليمن المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران وهجوم عام 2019 على منشأتي نفط سعوديتين، وعلى الرغم من أن الحوثيين زعموا مسؤوليتهم عن الهجوم، إلا إنه كان يعتقد على نطاق واسع أن إيران المسؤولة.
وقعت الهجمات الجوية الإيرانية الأخيرة في الخليج -سواء بواسطة الطائرات المسيرة أو الصواريخ- حتى في الوقت الذي كانت فيه طهران تسعى لانخراط دبلوماسي متردد مع السعودية والإمارات.
ما الرسائل الموجهة من الهجوم؟
يأتي الهجوم الصاروخي الإيراني على أربيل في وقت تغلي فيه التوترات الإقليمية بطريقة يمكن أن تتصاعد بسرعة إلى حرب صريحة، والتي ستكون كارثة إنسانية واستراتيجية.
تقول طهران إنها كانت تهاجم هدفا إسرائيليا في أربيل ردا على غارة جوية في سوريا في 24 فبراير/شباط أسفرت عن مقتل 4 أشخاص، من ضمنهم عضوان على الأقل من الحرس الثوري.
ولكن، أيًا كانت الرسالة المقصودة من الهجوم الصاروخي، فإن الهدف الفعلي لم يكن إسرائيليًا على الإطلاق، وإنما كانت فيلا لرجل أعمال كردي معروف، هو “باز كريم” المقرب من عشيرة البرزاني والمنتمي لـ”الحزب الديمقراطي الكردستاني” وهو القوة المهيمنة في كردستان العراق.
تشير هذه العلاقة إلى تفسير آخر محتمل لما كانت طهران تحاول إيصاله بهذه الهجمات الصاروخية؛ أي الضغط على الفصائل العراقية التي كانت تتحدى رغباتها في المفاوضات بشأن تشكيل الحكومة العراقية، حيث يحاول الزعيم الكردي “مسعود برزاني” إجراء اتفاق مع “مقتدى الصدر”، الذي حصل حزبه على أكثر عدد من الأصوات في انتخابات العام الماضي، و”محمد حلبوسي” رئيس البرلمان العراقي، لتشكيل حكومة “لا شرقية ولا غربية” وفق وصف “مقتدى الصدر”، حيث يعني بذلك الابتعاد عن التحالف المبالغ فيه سواء مع طهران أو واشنطن.
لكن إيران تصر على أنه لن تتشكل حكومة وطنية عراقية إلا إن توصلت الأحزاب الشيعية إلى اتفاق داخلي ينص على شروط اتفاقية تقاسم السلطة السياسية والمكاسب الممنوحة لمختلف الفصائل المقربة من إيران.
كرة ثلج تنمو إلى صراع
وأخيرًا، فإن حقيقة ضرب الهجوم الصاروخي الإيراني على أربيل بالقرب من القنصلية الأمريكية يدل على أن التهديد بالتصعيد لا يمثل رادعًا له.
من الواضح أن الزعماء السياسيين الإيرانيين لا يمانعون بالمخاطرة بمزيد من الصراع في العراق، ولا يبدو أنهم يضعون في الاعتبار إن كانت نتيجة “دبلوماسيتهم الصاروخية” هي انهيار المفاوضات الدبلوماسية مع خصومهم الإقليميين والدوليين.
ساهمت العديد من الأطراف في الوضع غير المستقر الذي أصبح فيه إرسال الرسائل والإشارات بانفجارات القنابل والهجمات الجوية هو العادي في الشرق الأوسط. لكن هجوم إيران يوم الأحد يثير المخاطر بنمو الهجمات الصاروخية فيما يشبه كرة الثلج إلى نزاع إقليمي أكبر، أي إن الخطر الكبير في توجيه طهران للرسائل بالصواريخ هو أنه يرفع احتمالات التصعيد.
رسالة إعدامات السعودية
أعلنت السعودية عن إعدام جماعي لـ81 شخصا يوم السبت، ما يقرب من نصفهم كانوا شيعة، في رسالة لا لبس فيها للمراقبين الدوليين بأن المملكة لا تفكر في تغيير في نهجها لحقوق الإنسان.
ويأتي الإعدام الجماعي في لحظة تضع فيها الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى ضغوطا على السعودية لرفع إنتاجها النفطي لخفض أسعار النفط العالمية.
وكان اغتيال الصحفي السعودي المعارض “جمال خاشقجي” في عام 2018 قد أثار انتقادات طويلة الأمد للسياسات السعودية التي تعاقب المعارضة السياسية وتقيد حقوق المرأة وتفرض عقوبة الإعدام في سياق عقابيّ مشكوك فيه عقابًا على مجموعة واسعة من الجرائم.
وكان ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”، حاسمًا ومستثارًا في مقابلة تمت مؤخرا مع مجلة “ذا أتلانتيك”، حيث قال إن الرياض وواشنطن لا تستطيعان “محاضرة” بعضهما البعض حول السياسات المحلية وأن قتل “خاشقجي” “أضر به كثيرًا.”
ومثل إعدام رجل الدين الشيعي الشيخ “نمر النمر” جنبًا إلى جنب مع 46 آخرين في يناير/كانون الثاني 2016، لحظة مماثلة من التوترات بين السعودية والولايات المتحدة المتعلقة بالاتفاقية النووية الإيرانية الموقعة للتو آنذاكّ، ومن الواضح أن إعدامات السعودية الأخيرة هذه تبيّن أن رؤية الرياض للإصلاح لا تمتد إلى حقوق الإنسان الأساسية، وأنها تنوي تجاهل انتقادات واشنطن بشأن سجل حقوق الإنسان.