أزمة أوكرانيا والاقتصاد العالمي .. 10 مخاطر وتريليون دولار خسائر
في أحيان كثيرة تتوقف آثار الحرب عند حدود أطرافها، لكن الأزمة الروسية الأوكرانية تجاوزت البلدين، لتضع الاقتصاد العالمي أسيرًا لمخاطر عدة.
ويبرز ذلك من خلال تعميق حالة عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي العالميين، فحرب أوكرانيا هي أخطر أزمة تواجهها أوروبا والعالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945.
ويرجع ذلك إلى التوترات الجيوسياسية والانقسامات السياسية الحادة على مستوى العالم، التي رافقت الحرب، وانتجت عقوبات اقتصادية كبيرة وغير مسبوقة من الدول الغربية وحلفائهم ضد موسكو.
خسائر الاقتصاد العالمي
وفقا للتقييمات الأولية، سيتكبد الاقتصاد العالمي خسائر تُقدر بنحو تريليون دولار، في شكل انكماش الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحوالي 1% بنهاية عام 2022، مع زيادة التضخم العالمي بنحو 3 نقاط مئوية خلال هذا العام.
وذلك في وقت يعاني فيه الاقتصاد العالمي من اختناق سلاسل الإمداد والتوريد، وتزايد حدة أزمة الطاقة، وارتفاع أسعار الغذاء، فضلاً عن أزمة الديون العالمية المتفاقمة.
ومن هذا المنطلق، يناقش هذا التحليل- الصادر عن مركز المستقبل- التداعيات المحتملة للعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا على استقرار الاقتصاد العالمي.
أبرز مخاطر الحرب على اقتصاد العالم
تفرض الحرب الروسية الأوكرانية تداعيات سلبية جمة على الاقتصاد العالمي، وهي عُرضة للتفاقم مع طول فترة الحرب ونطاقها، وتشديد العقوبات الغربية على موسكو، وحال فرض الأخيرة أيضاً عقوبات مضادة على الغرب. ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
1- تراجع نمو الاقتصاد العالمي
أربكت الحرب الحالية في أوكرانيا الاقتصادي العالمي بشكل غير مسبوق، وأضعفت من ثقة المستثمرين والمستهلكين في النشاط الاقتصادي العالمي، وسط ارتفاع تكاليف أسعار السلع الأساسية ومنها الطاقة والغذاء، وارتفاع تكاليف المعيشة للعديد من الأسر حول العالم.
وفي ظل تطورات الحرب الحالية، خفضت الصين، أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد العالمي، لمعدل نموها المستهدف في عام 2022 إلى 5.5% مقارنة بــ8.1% في عام 2021؛ الأمر الذي سيسفر عنه، إلى جانب التراجع المُحتمل للاقتصادات الأوروبية، انخفاض الناتج الإجمالي العالمي بأكثر من 1% في عام 2022، مع استمرار تراجعه خلال عام 2023.
2- صعود قوي لأسعار النفط
شهدت أسعار النفط ارتفاعاً قوياً في ظل التطورات الأخيرة؛ حيث صعدت أسعار خام برنت لأعلى مستوياتها منذ عام 2008، لتسجل قرابة 130 دولاراً للبرميل في الأسبوع الثاني من مارس 2022، فيما تم تداول 200 عقد آجل لخام برنت تسليم مايو في البورصة الأوروبية Intercontinental Exchange عند مستوى قدره 200 دولار للبرميل.
وفي ضوء الحرب الراهنة بين روسيا وأوكرانيا، سترتفع احتمالات حدة التقلبات في أسعار النفط، لتتراوح بين 100 و200 دولار للبرميل.
3- قفزة أسعار الغاز الطبيعي
أدت الحرب الأوكرانية إلى ارتفاع كبير في أسعار الغاز في أوروبا مع تنامي المخاوف وعدم اليقين بشأن مستقبل إمدادات الغاز الروسية عبر خطوط الأنابيب إلى الأسواق الأوروبية، خاصة مع تعليق ألمانيا المصادقة على تشغيل خط “نورد ستريم 2”.
وفي حال استمرار الحرب الحالية، قد تشهد أسعار الغاز موجة جديدة من الارتفاعات، خاصة مع زيادة إقبال المستهلكين الأوروبيين على شراء المزيد من شحنات الغاز الطبيعي المُسال من السوق الفوري، لضمان تأمين مخزونات كافية.
4- ارتفاع حاد في أسعار السلع الغذائية
منذ بداية الأزمة الأوكرانية، شهدت أسعار القمح ارتفاعاً حاداً بنسبة بلغت 40% لتصل إلى 396 دولاراً للطن، وهو أعلى مستوى لها منذ 14 عاماً، فيما ارتفعت أسعار الذرة بنسبة 21% نتيجة لتعطل حركة الصادرات الزراعية من أوكرانيا، بسبب التدخل العسكري الروسي.
ومن المتوقع حدوث زيادات إضافية في تكلفة الغذاء على المستوى العالمي، خاصة مع ارتفاع أسعار الأسمدة مع زيادة أسعار الغاز الطبيعي، واحتمالية تعطل إمدادات الأسمدة من روسيا.
بعد الجائحة وزوال العولمة.. قوى جديدة تغير الاقتصاد العالمي
5- تزايد الضغوط على قطاعي الطيران والسياحة
أدى التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا إلى حظر واسع للطيران في كل من روسيا وأوكرانيا، وإغلاق عدة دول لمجالها الجوي أمام الخطوط الجوية الروسية، ما تسبب في إنشاء مناطق محظورة ضخمة وزيادة وقت الرحلات الجوية الدولية؛ وهو ما سينجم عنه حدوث زيادة في التكاليف التشغيلية لشركات الطيران الروسية بحوالي 25 ألف دولار لكل رحلة ذهاباً وإياباً.
كما ألغت كبرى الشركات السياحية البحرية جميع رحلاتها المستقبلية إلى روسيا، الأمر الذي قد يعيد تشكيل خريطة الطيران والسياحة عالمياً.
6- تكريس أزمة سلاسل الإمداد والتوريد العالمية في البحر الأسود
في ضوء الحرب الراهنة، تم تصنيف البحر الأسود كمنطقة مرتفعة الخطورة بداية من شهر مارس 2022، مما أدى إلى رفع أقساط التأمين المطلوبة لشحن البضائع، وتأخر الشحنات، وازدحام الموانئ.
فضلاً عن تعطيل خطوط إنتاج السيارات بسبب ارتفاع مخاطر نقص الرقائق بين شركات صناعة السيارات في روسيا، حيث تعتبر الأخيرة ثالث أكبر مورّد في العالم للنيكل المُستخدم في صناعة بطاريات الليثيوم، كما توفر 40% من البلاديوم.
في حين يأتي 90% من مواد النيون المطلوبة لصناعة أشباه الموصلات من أوكرانيا، الأمر الذي يضيف المزيد من العراقيل أمام سلاسل التوريد الضعيفة بالفعل.
7- تفاقم أزمة الشحن والنقل العالمي للبضائع
أدت الحرب الأوكرانية وما صاحبها من تعطل النقل في البحر الأسود وبحر البلطيق، إلى ارتفاع أسعار “نوالين” الشحن البحري بحوالي 6 أضعاف في عام 2022 مقارنة بعام 2019.
وزيادة أسعار تأجير السفن بنسب تخطت 20%، علاوة على ارتفاع الرسوم المُقررة لكافة الخدمات المرتبطة بسوق النقل البحري، وارتفاع وقود النقل البحري لارتباطه بأسعار النفط؛ الأمر الذي سينعكس في زيادة أسعار البضائع عالمياً خلال الفترة المقبلة.
8- تخبط أسواق المال العالمية
شهدت أسواق المال العالمية اضطراباً حاداً في مختلف الأسواق الدولية في ظل موجات بيع الأسهم العالمية وعزوف المستثمرين عن شراء الأسهم، بالإضافة إلى الانخفاض الواسع النطاق في عوائد السندات. وتواكب ذلك أيضاً مع استبعاد الأسهم الروسية من مؤشري “ستاندرد آند بورز” و”داو جونز” الأمريكيين.
9- شبح الركود التضخمي
في ظل الحرب الدائرة، تتصاعد بشدة مخاطر حدوث ركود تضخمي في العالم، حيث شهدت أسعار السلع والمعادن والطاقة والحبوب ارتفاعات قياسية وسط تراجع آفاق نمو الاقتصادات العالمية.
ويتوقع المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية في بريطانيا NIESR أن الحرب في أوكرانيا قد تضيف 3 نقاط مئوية إلى التضخم العالمي المُتفاقم بالفعل، بينما قد تمحو 1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي هذا العام.
10- تكاليف إضافية
ستضيف تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا أعباءً أخرى أمام الاقتصاد العالمي، خاصة مع تزايد أعداد اللاجئين الأوكرانيين للدول الأوروبية المجاورة، والتوقعات بزيادة حجم الإنفاق العسكري خاصة لدول أوروبا.
وذلك مع تسريع وتيرة استخدام العملات الرقمية جنباً إلى جنب مع التصاعد المُحتمل للهجمات الإلكترونية في العالم، والتغير المُحتمل للنظام التجاري العالمي في ضوء التطورات الأخيرة.