بن سلمان يتقرب للصين ويزلزل عرش “بايدن” بسلاح النفط !
24 ساعة فقط، فصلت بين تسريب أنباء دعوة السعودية للرئيس الصيني “شي جين بينج” لزيارة المملكة، وبين تداول أنباء عن قيام الرياض بإجراء محادثات نشطة مع بكين لتسعير بعض مبيعاتها النفطية للصين باليوان بدلا من الدولار.
تلك التطورات التي وصفها مراقبون بأنها “دراماتيكية”، تشير بشكل واضح إلى مسارعة السعودية في التقرب من الصين الغريم الأبرز للولايات المتحدة على المستويين الاقتصادي والسياسي، وكذلك على مستوى صراعات النفوذ.
هذه التطورات تشير أيضا إلى حجم الخلافات أو التوترات بين الرئيس الأمريكي “جو بايدن” وولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، الذي لم يفوت فرصة خلال الأسبوعين الأخيرين في الضغط على “بايدن” مستغلا سلاح النفط الذي قويت شوكته مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا أواخر الشهر الماضي.
وحتى هذه اللحظة، يرفض “بايدن” التحدث إلى “بن سلمان” مباشرة، ويقول إن نظيره هو الملك “سلمان بن عبدالعزيز”، البالغ من العمر 86 عاما، رغم أن الأمير الشاب هو من يدير في واقع الأمر شؤون المملكة، وكانت تربطه علاقة وثيقة مع سلف “بايدن”، الرئيس السابق “دونالد ترامب”.
واهتزت العلاقات المتينة بين الرياض وواشنطن منذ أن أعلن “بايدن” تقريرا مخابراتيا أمريكيا يرجح تورط “بن سلمان” في مقتل الصحفي “جمال خاشقجي” عام 2018، وقرر وضع نهاية للدعم الأمريكي لحرب اليمن.
وعلق ولي العهد السعودي في مقابلة مع مجلة “ذي أتلانتيك”، هذا الشهر، على تلك التوترات بالقول إنه “لا يهتم” وذلك ردا على سؤال عما إذا كان “بايدن” يسيء فهم أمور تخصه.
توتر سعودي أمريكي متصاعد
لكن صحيفة “وول ستريت جورنال” نشرت تقريرا، الأربعاء الماضي، ذكرت فيه أن البيت الأبيض فشل في محاولة إجراء اتصال هاتفي بين “بايدن” ووليي العهد في السعودية وأبوظبي “محمد بن سلمان” و”محمد بن زايد”.
غير أن المتحدثة باسم البيت الأبيض “جين ساكي”، سارعت بنفي تلك الأنباء بعد 24 ساعة فقط من تداولها، وقالت الخميس الماضي، إن “بايدن” لم يطلب مهاتفة “بن سلمان”، مشيرة إلى أن تقرير صحيفة “وول ستريت جورنال” بشأن ذلك غير صحيح.
“ساكي”، أوضحت في تصريحاتها أن “الملك السعودي هو النظير المناسب لـ “بايدن”، لافتة إلى أن الرئيس الأمريكي سيتحدث مع ولي العهد السعودي فقط “في حال جمعتهما فعالية دولية مشتركة، كما هو الحال مع بقية القادة”.
لم تمر تصريحات “ساكي” وتأكيدها أن الملك السعودي هو النظير المناسب لـ”بايدن”، مرور الكرام، ويبدو أنها أشعلت غضب الفتى الثلاثيني “بن سلمان”، فلم يكد يمر أسبوع واحد على تلك التصريحات حتى تسربت الأنباء شبه المؤكدة على دعوة رئيس الصين لزيارة الرياض، ومن بعدها أنباء تداول النفط باليوان.
فمع صباح الإثنين، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أن السعودية وجهت دعوة للرئيس الصيني لزيارة الرياض، قد تحدث قريبا وربما في مايو/أيار المقبل.
زيارة رئيس الصين
وأوضحت الصحيفة أن السعودية تعتزم تكرار الاستقبال الحار الذي قدمته للرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” في 2017 عندما زار المملكة في أول رحلة خارجية له كرئيس.
ونقل التقرير عن مسؤول سعودي قوله: “ولي العهد وشي صديقان حميمان وكلاهما يدرك أن هناك إمكانات هائلة لتعزيز العلاقات، ليس الأمر مجرد أنهم يشترون منا النفط ونحن نشتري منهم أسلحة”.
وفي حال حدوثها، ستكون هذه الزيارة الأولى لرئيس الصين إلى المملكة العربية السعودية منذ عام 2016، وهي أول رحلة خارجية له منذ تفشي فيروس كورونا، وفق الصحيفة الأمريكية.
الصحيفة ذاتها، نقلت الثلاثاء، عن مصدرين مطلعين أن السعودية تجري مشاورات مع الصين لتسعير بعض من صادراتها النفطية باليوان، في خطوة يتوقع أن تؤثر على سيادة الدولار في أسواق النفط العالمية، وتعد مؤشرا على توجه أكبر مصدّر للخام في العالم نحو آسيا.
وذكرت الصحيفة الأمريكية أن المباحثات حول العقود المتوقع تسعيرها باليوان، بدأت منذ حوالي 6 سنوات، إلا أنها شهدت نموا بشكل خاص خلال العام الحالي، في وقت أظهر فيه السعوديون استنكارهم للالتزامات الأمريكية بشأن الدفاع عن سلامة المملكة، في ظل الحرب القائمة ضد الحوثيين في اليمن.
النفط باليوان
من جهته، وصف مسؤول أمريكي رفيع لـ”وول ستريت جورنال” توجه السعوديين لبيع النفط إلى الصين باليوان بأنها فكرة “شديدة التقلب وعدائية”، مستبعدا حصول ذلك بالفعل، مشيرا إلى أن الرياض كانت طرحت هذه الفكرة في الماضي عندما شهدت علاقاتها مع واشنطن توترا ملحوظا.
ورجحت الصحيفة أن يتراجع السعوديون عن القيام بتلك الخطوة، لأن تغيير تسعير النفط باليوان عوضا عن الدولار “قد يهز الاقتصاد السعودي”، بالأخص وأن الريال مرتبط بالدولار.
وأشارت “وول ستريت جورنال” إلى أن مستشاري ولي العهد السعودي حذروه من “أضرار اقتصادية غير متوقعة” إن بادر بتنفيذ خططه على عجلة.
وتشتري الصين أكثر من 25% من صادرات السعودية النفطية، وإن تم تسعيره باليوان، فإن تلك المبيعات ستنعش مرتبة العملة الصينية عالميا.
محاولات التقارب السعودي الصيني رصده أيضا موقع “بيزنس إنسايدر”، الذي سلط الضوء على محاولة بكين استغلال الفتور الذي يشوب العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة.
وذكر تقرير للموقع الأمريكي أن بكين تسعى لتعزيز الروابط التجارية والدفاعية مع الرياض.
وخلال السنوات الماضية، أنعشت بكين علاقاتها مع الرياض، حيث ذكرت تقارير أن السعودية تعمل على تطوير صواريخ بالستية خاصة بها بمساعدة صينية، ووفرت استشارات بشأن برنامج المملكة النووي وبدأت استثماراتها في مشاريع ولي العهد الاقتصادية، مثل مدينة “نيوم”.
كما تضخم معدل الاستيراد الصيني من النفط السعودي خلال العقود الثلاثة الماضية، لتصبح المملكة من أكبر مزودي النفط لبكين عام 2021، وبلغت صادراتها 1.76 مليون برميل يوميا، تليها روسيا بحوالي 1.6 ملايين برميل يوميا، بحسب أرقام الدائرة العامة للجمارك الصينية.
زيارة “بلينكن”
ومع توالي الأنباء عن التقارب السعود الصيني، ترقب الجميع رد الفعل الأمريكي، لكن هذا الترقب لم يدم طويلا، فمع مساء الأربعاء، جاءت الإجابة سريعا.
إذ كشفت 5 مصادر أمريكية وإسرائيلية وفلسطينية، أن وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكين”، يعتزم زيارة السعودية والإمارات وإسرائيل والضفة الغربية المحتلة في وقت لاحق من هذا الشهر.
وستكون هذه أول زيارة يقوم بها “بلينكين” وهو في منصبه كوزير للخارجية إلى السعودية والإمارات، كما أنها تأتي في ظل توترات بين إدارة “جو بايدن” واثنين من الحلفاء الخليجيين، إذ تسعى الإدارة الأمريكية لدفعهم لزيادة إنتاج النفط.
وقالت 3 مصادر إن وزارة الخارجية الأمريكية تعمل على تنسيق الزيارة مع الإسرائيليين والفلسطينيين والإماراتيين والسعوديين منذ أكثر من أسبوع.
ويبقى السؤال الملح، هو هل تستطيع زيارة “بلينكن” إرضاء طموح “بن سلمان” وإذابة جليد التوتر في العلاقات بين السعودية وأمريكا، أم أنه سيصر على أن يهاتفه “بايدن”؟.