المحادثات النووية.. الرفض الروسي يدفع ايران لمواصلة العنف !
كانت مطالب روسيا المفاجئة في اللحظة الأخيرة من محادثات فيينا سببا في إرباك المفاوضات وربما تؤدي إلى إفشالها تماما. ويهدد ذلك آمال الغرب في إدخال النفط الإيراني إلى السوق وتخفيف السلوك العدواني لطهران في المنطقة.
وفي 11 مارس/آذار، قال رئيس السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل” إن النص النهائي للاتفاق النووي كان جاهزا لكن المحادثات توقفت مؤقتا “بسبب عوامل خارجية”، في إشارة إلى مساعي روسيا الأخيرة لتخفيف العقوبات المفروضة عليها.
وعلى مدى الأيام الـ10 الماضية، طالب المفاوضون الروس في فيينا بضمان ألا تهدد العقوبات المتعلقة بغزو أوكرانيا العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع إيران.
وحاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون الوصول إلى تفاهم مع موسكو، ما دفع المفاوضين الروس إلى تقديم نسخة معدلة من مطالبهم، والتي كانت هي نفسها من الناحية العملية. وأدى هذا المأزق إلى توقف المحادثات مؤقتا دون تحديد جدول زمني واضح لاستئنافها.
وردا على تعليق المحادثات، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية: “لن يؤثر أي عامل خارجي على إرادتنا المشتركة للمضي قدما نحو اتفاق جماعي”. وقال كبير المفاوضين الصينيين في فيينا إنه يأمل أن تُستأنف المحادثات في غضون الأيام المقبلة، وقال إن نص الاتفاق يحتاج فقط إلى “لمسات أخيرة”.
وتحاول روسيا إحباط محاولة الغرب إضافة المزيد من النفط إلى السوق لتخفيف اعتماده على النفط الروسي. وقبل غزوها لأوكرانيا، كانت روسيا تلعب دورا ميسِّرا في المفاوضات النووية الإيرانية. لكن العقوبات الشاملة المفروضة على روسيا في الأسابيع الأخيرة حولت أولويات الأمن القومي للكرملين.
وستؤثر أسعار النفط المرتفعة، التي تساعد روسيا وتؤذي الغرب، على نطاق ومدة العقوبات الغربية على روسيا، وتحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها إضافة أي كمية من النفط إلى السوق لتخفيف الأسعار. وتعد إيران، التي يمكنها زيادة إنتاج النفط بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا في غضون 6 أشهر تقريبا، أكبر مصدر للنفط في العالم غير متصل حاليا بالسوق بسبب العقوبات الأمريكية.
علاوة على ذلك، فإن انهيار المفاوضات سيكون في صالح روسيا لأنه سيتسبب في تحويل بعض الاهتمام الغربي بعيدا عن العملية العسكرية في أوكرانيا، لا سيما إذا اندلعت أزمة نووية مع استمرار تقدم برنامج إيران.
وبدون موافقة روسيا، من غير المرجح أن يتوصل الغرب وإيران إلى اتفاق في الأسابيع المقبلة، فروسيا ليست فقط عضوا دائما في مجلس الأمن، ولكنها عضو في اللجنة المشتركة لخطة العمل الشاملة المشتركة التي تشرف على الاتفاقية.
وسيتطلب التوصل إلى اتفاق نووي جديد بدون روسيا صيغة مختلفة عن خطة العمل الشاملة المشتركة، والتي ستكون بمثابة إعادة فتح للمفاوضات حول كل شيء تتضمنه خطة العمل الشاملة المشتركة فيما يتعلق بالقيود المفروضة على برنامج إيران النووي ونطاق رفع العقوبات الأمريكية.
ومن شبه المؤكد أن واشنطن سترفض الابتعاد عن صيغة خطة العمل الشاملة المشتركة لأنها ستمنح إيران فرصة لتقديم بعض الطلبات، مثل استخدام وتطوير أجهزة طرد مركزي أكثر تقدما وكفاءة.
وفي ظل هذه الخلفية، يمكن لإيران والولايات المتحدة محاولة التفاوض على صفقة مؤقتة أضيق نطاقا حيث تجمد الأولى برنامجها النووي عند المستويات الحالية وتسمح الأخيرة بقدر محدود من تخفيف العقوبات. لكن طهران رفضت حتى الآن فكرة إبرام اتفاق لا يؤدي إلى رفع كامل للعقوبات بموجب الشروط الأصلية لخطة العمل الشاملة المشتركة.
ومن المرجح أن يؤدي استبعاد روسيا من المفاوضات النووية مع إيران إلى انهيار المحادثات. وقد تخفف روسيا مطالبها في المستقبل، لكن ذلك يعتمد إلى حد كبير على ما إذا كان الصراع في أوكرانيا سيتطور بطريقة تعالج مخاوف موسكو الأساسية بشأن “الناتو” وقدرة أوكرانيا على الانضمام إلى التحالف أو الاتحاد الأوروبي.
وكلما طال تعليق المحادثات النووية، زاد خطر انهيار المفاوضات دون اتفاق، ما قد يؤدي إلى مزيد من العنف المرتبط بإيران في الشرق الأوسط، بما في ذلك الهجمات على الناقلات ودول الخليج، فضلا عن تزايد وتيرة النشاط السري المضاد لبرامج إيران النووية والصاروخية.
وعندما استؤنفت المحادثات النووية في أواخر عام 2021، قال دبلوماسيون أوروبيون وأمريكيون إن نافذة التفاوض لن تستمر إلى ما بعد فبراير/شباط بسبب التهديد الوشيك الذي تشكله مخزونات إيران النووية المتزايدة ومستويات التخصيب، وقالوا إن عدم التوصل إلى اتفاق بحلول ذلك الوقت سيدفعهم إلى النظر في خيارات أخرى للرد على النشاط النووي الإيراني.
وبالرغم أن الأزمة في أوكرانيا وزيادة أسعار النفط ستؤدي إلى انخفاض استعداد الولايات المتحدة وأوروبا لتصعيد الأمور مع إيران، إلا أن تشديد العقوبات لا يزال ممكنا.
وبدون اتفاق، ستواصل إيران توسيع نشاطها النووي وستدعم استراتيجية إقليمية أكثر عدوانية. وقد يؤدي ذلك إلى تنفيذ الميليشيات الموالية لإيران، مثل المتمردين الحوثيين في اليمن، مزيد من الهجمات ضد السعودية والإمارات.
علاوة على ذلك، يمكن أن تهاجم إيران الناقلات في الخليج العربي بشكل مباشر، فضلا عن شن المزيد من الهجمات الإلكترونية التخريبية التي تستهدف الولايات المتحدة وشركائها في الشرق الأوسط.
وكلما تقدم البرنامج النووي الإيراني وتعثرت المحادثات لفترة أطول، زادت احتمالية قيام إسرائيل أيضا بتسريع وتوسيع النشاط السري ضد برامج إيران النووية والصاروخية، حتى لو عارضت الولايات المتحدة مثل هذا الإجراء.