صاروخ محلي جديد.. نقلة نوعية لتأمين سماء السعودية
بصاروخ “كروز” بأيد محلية، ومدى يصل إلى حوالي 110 كيلومترات، تدخل الصناعات العسكرية السعودية مرحلة جديدة من التصنيع والتطوير، وتوطين الصناعات الدفاعية، وربما مستقبلا الاكتفاء الذاتي من أسلحة بعينها.
وتتعزز أهمية تلك الخطوة، بنجاح المملكة في تنظيم النسخة الأولى من معرض الدفاع العالمي بالعاصمة السعودية الرياض، والذى أنهى فعالياته قبل أيام، بمشاركة نحو 600 جهة عارضة من 80 دولة.
وسلط المعرض الضوء على آخر التطورات التقنية في الصناعة وأنظمة التوافق العملياتي عبر جميع مجالات الدفاع الخمسة؛ البر والبحر والجو والفضاء وأمن المعلومات.
وتبدي السعودية خلال السنوات الأخيرة، اهتماما كبيرا بمجال الدفاعات العسكرية، حيث خصصت عام 2020، إحدى أكبر ميزانيات الدفاع في العالم، وأنفقت 57 مليار دولار على حماية البلاد.
نقلة نوعية
الملفت أن الصاروخ الذي جرى عرضه في معرض الدفاع العالمي في الرياض تم تصنيعه وتطويره بأيد سعودية (أرض-بحر) و(أرض-أرض)، وفق الرئيس التنفيذي للاستثمار في شركة “تقنية علم”، “بدر الصبيحي”.
وتتضمن الخطط السعودية، تطوير الصاروخ ليصل إلى أضعاف قدرته الحالية (نحو 300 كيلو متر)، وربما مستقبلا الوصول به إلى مدى أكبر، في ظل حاجة المملكة لتعزيز منظومتها الصاروخية، وزيادة مخزونها الاستراتيجي من الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى.
وتتكتم الحكومة السعودية على طبيعة قدرات الصاروخ الجديد، وميزاته التكتيكية، وحجم تكلفته، وكذلك هوية الفريق الذي يقف على محاولات تطويره، والخبرات الأجنبية التي استعانت بها.
ويقف وراء المساعي السعودية خطط واعدة للاعتماد على الذات، لحماية منشآتها النفطية والبنية التحتية من هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ التي تشنها ميليشيا الحوثي الموالية لإيران.
وقبل شهور، أكدت وكالات الاستخبارات الأمريكية أن السعودية تعمل بنشاط على تصنيع صواريخها الباليستية بمساعدة الصين، وأن هناك عمليات نقل متعددة واسعة النطاق لتكنولوجيا الصواريخ بين البلدين، بحسب شبكة “CNN”.
وتظهرت صور أقمار صناعية التقطتها شركة “بلانيت”، وهي شركة تصوير تجارية، بين 26 أكتوبر/تشرين الأول، و9 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حدوث عملية حرق في منشأة بالقرب من الدوادمي غرب الرياض، وهو ما اعتبره باحثون في معهد ميدلبري للدراسات الدولية، “أول دليل لا لبس فيه على أن المنشأة تعمل لإنتاج صواريخ”.
ويعلق خبير الأسلحة والأستاذ بمعهد ميدلبري للدراسات الدولية، “جيفري لويس”: بالقول: “بينما تم التركيز بشكل كبير على برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني الضخم، فإن تطوير المملكة العربية السعودية وإنتاجها الآن للصواريخ الباليستية لم يتلقيا نفس المستوى من التدقيق”.
طائرات مسيرة
إلى جانب الصواريخ، يمكن القول، إن المملكة تمتلك أيضا برنامجا طموحا لتطوير صناعة الطائرات المسيرة “درون”، عبر شركات حكومية وخاصة، وبالتعاون مع شركات أمريكية وغربية وصينية.
وكانت الهيئة العامة للصناعات العسكرية السعودية، دشنت العام 2020، أعمال تطوير وتصنيع وتوطين منظومات طائرات بدون طيار، مستهدفة إطلاق 6 أنظمة طائرات من دون طيار في 2021، و40 نظاماً خلال 5 سنوات.
وتبلغ استثمارات المشروع، الذي بدأ تشغيله خلال الربع الأول من 2021، 750 مليون ريال (200 مليون دولار)، وفق وكالة الأنباء السعودية “واس”.
ووفق برنامج “نقدر”، المذاع عبر قناة “السعودية” الرسمية، فإن هناك أكثر من ألفي طائرة بدون طيار في السعودية، وإن تلك الطائرات يجري إنتاجها من قبل 6 جهات حكومية على الأقل، فيما توجد 3 شركات تابعة للقطاع الخاص تعمل في نفس المجال.
والعام الجاري، وقعت شركة أنظمة الاتصالات والإلكترونيات المتقدمة (ACES)، اتفاقا مع مجموعة تكنولوجيا الإلكترونيات الصينية (CETC)، يقضي بإنشاء مركز للبحث والتطوير وفريق تصنيع لأنواع مختلفة من أنظمة حمولة الطائرات بدون طيار.
ويتضمن الاتفاق السعودي الصيني، تصنيع وحدات الاتصالات ووحدات التحكم في الطيران وأنظمة الكاميرات وأنظمة الرادار وأنظمة الكشف اللاسلكية.
مصادر التسليح
يرى الرئيس التنفيذي لمعرض الدفاع “أندرو بيرسي”، أن النسخة الأولى ستشكل فرصة مثالية لرواد الصناعة من حول العالم للتعرف على منظومة الصناعات في السعودية وتوجهاتها الاستراتيجية خلال السنوات المقبلة.
كذلك يعد المعرض بوابة إلى الصناعة الدفاعية الوطنية للمملكة، ويمثل نقطة تحول بالنسبة لصناعة الدفاع، من خلال خلق فرص جديدة عبر جميع مستويات سلسلة التوريد والأسواق العالمية.
ويبدو أن المملكة تنتهج استراتيجية عملية لتنويع مصادر السلاح، وعدم الاعتماد فقط على واردات السلاح الأمريكية، خاصة في ظل التوتر القائم بين الرياض وواشنطن، والقطيعة القائمة بين الرئيس الأمريكي “جو بايدن” وولي العهدالسعودي “محمد بن سلمان”، وقيام واشنطن بسحب أنظمة “باتريوت” من الأراضي السعودية، العام الماضي.
وتشمل استرتيجية المملكة، إعادة ضبط موازنة إنفاقها على صناعة الدفاع من خلال زيادة معدل التوطين إلى أكثر من 50% على مدار العقد المقبل.
وسبق أن دشنت المملكة تحالفا حكوميا يضم الهيئة العامة للصناعات العسكرية، ووزارة الصناعة والثروة المعدنية؛ والهيئة الملكية للجبيل وينبع، لدعم توطين الصناعات العسكرية، وتأسيس تجمعات صناعية عسكرية، منتصف العام 2020.
وفي العام 2019، دشنت المملكة كذلك برنامجا يتيح إصدار تراخيص مزاولة أنشطة الصناعات العسكرية للشركات العاملة في القطاع؛ بهدف تصنيع “الأسلحة النارية والذخائر والمتفجرات العسكرية والمعدات العسكرية والتجهيزات الفردية العسكرية والإلكترونيات العسكرية”.
وتعد السعودية واحدة من الدول الخمس الأكثر إنفاقا على قطاع الدفاع في العالم، وهي أكبر مستورد للأسلحة عالميا، في الفترة بين عامي 2014 و2018، بزيادة نسبتها 192%، وفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري”.
استثمارات مستقبلية
تخطط المملكة لضخ استثمارات ضخمة في القطاع العسكري، ستصل خلال العام 2030 إلى نحو 10 مليارات دولار، وفق وسائل إعلام سعودية.
وتستهدف الشركة السعودية للصناعات العسكرية “سامي”(حكومية)، أن تكون بين أكبر 25 شركة لإنتاج معدات الدفاع بحلول 2030، وذلك في إطار مسعى لتصنيع مزيد من العتاد العسكري داخل البلاد.
وتضم الشركة التي أنشئت العام 2017، مجموعة من الشركات التابعة لها، بما فيها شركة الإلكترونيات المتقدمة “AEC” المملوكة بالكامل لشركة “SAMI”، وشركة المعدات المكملة للطائرات المحدودة “AACC”، وشركة “سامي نافانتيا” للصناعات البحرية، وشركة “سامي إل ثري هاريس تكنولوجيز”، وكذلك شركة “سامي سي إم آي” للأنظمة الدفاعية.
وتجاوزت القمة الإجمالية للعقود التي وقعتها (SAMI)، على هامش معرض الدفاع العالمي، 10 مليارات ريال، تنوعت ما بين دعم وصيانة وتصنيع أجهزة وأنظمة اتصالات، بالإضافة إلى عقود تطويرية ونقل تقنية وعقد شراكات مع 14 شركة أجنبية بينها 3 من كبرى الشركات في العالم.
والعام الماضي، وقعت السعودية، اتفاقية توطين وتطوير قدرات بين شركتي “الشرق الأوسط لمحركات الطائرات المحدودة”، و”هانيويل” الأمريكية، لتوطين قدرات الإصلاح والصيانة والعَمْرة لمحركات (AGT1500).
وفي العام ذاته، وافقت الهيئة العامة للمنافسة في السعودية على مشروع مشترك بين الشركة العربية السعودية للاستثمارات الصناعية “دسر” والشركة السعودية للصناعات العسكرية (SAMI) وشركة “فيجيك أيرو” الفرنسية (Figeac Aéro) في مجال صناعة مكونات هياكل الطائرات.
ويعد الاتفاق الأكثر أهمية، توصل السعودية قبل أيام إلى اتفاق مع شركة “لوكهيد مارتن” الأمريكية، يقضي بتوطين صناعة منصات إطلاق صواريخ الاعتراض بالإضافة إلى تصنيع حاويات الصواريخ محليا، وذلك بالتعاون مع شركة “لوكهيد مارتن العربية السعودية” المحدودة (الفرع المحلي للشركة الأم الأمريكية)؛ لتوطين منظومة الدفاع الجوي الصاروخي “ثاد”.
كذلك تخطط عملاق الصناعات الدفاعية الأمريكية “ريثيون” (Raytheon) لتصنيع جزء من مكوّنات صواريخ “باتريوت” (Patriot) في السعودية، وهو ما يعزز دفاعات المملكة، ويرفع مخزونها الاستراتيجي من منظومات الصواريخ.
في غضون سنوات، من المتوقع أن تصبح المملكة قوة في مجال التصنيع العسكري، مع تنويع مصادر السلاح، وتوطين تكنولوجيا الصواريخ والطائرات المسيرة من الولايات المتحدة والصين، وربما إسرئيل وتركيا لاحقا، في خطوة تؤمن سماء المملكة ومنشآت النفط، تجاه أية تهديدات مستقبلية.