ليبيا تحبس أنفاسها انتظارا لجلسة البرلمان .. الخميس !
من شأن اعتماد مجلس النواب الليبي في طبرق حكومة “فتحي باشاغا”، رفع التصعيد السياسي والعسكري في العاصمة طرابلس إلى درجة أعلى، أمام إصرار “عبدالحميد الدبيبة”، على عدم تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة.
وإلى وقت قريب حاز “باشاغا”، على “توافق” بين مجلسي النواب والأعلى للدولة (استشاري نيابي)، بالإضافة إلى دعم روسي مصري، إلا أن المظاهرات الحاشدة التي شهدتها بعض المدن في ذكرى ثورة 17 فبراير/شباط 2011، والرافضة للتمديد والمطالِبة بإجراء الانتخابات، دفعت مجلس للدولة لتغيير بوصلته.
“توافق” لا يحظى بـ”توافق”
وأقرّ “خالد المشري”، رئيس مجلس الدولة، أن رفض أعضاء المجلس لخارطة الطريق التي اعتمدها البرلمان، جاء نتيجة لضغوط شعبية، وقال “نحن حريصون للاستجابة لضغوط الشارع ومطالباته.. بتجديد الشرعية والأجسام القائمة”.
بينما اعتبر “محمد صوان” رئيس الحزب الديمقراطي (إسلامي)، جلسة الخميس الماضي، التي صوت فيها غالبية أعضاء مجلس الدولة ضد تعديلات مجلس النواب، بأنه “ليس لها أي أثر قانوني”.
وأشار “صوان” في هذا الصدد، إلى أن “أعضاء مجلس الدولة الموافقون على تعديلات النواب لم يحضروا الجلسة”.
لكن جلسة الخميس، سيكون لها أثر سياسي قوي، حيث عززت من موقف “الدبيبة”، الذي يحظى بتأييد شعبي بارز في المنطقة الغربية، ومن شأن موقف مجلس الدولة، أن يدفع بخطته لتنظيم الانتخابات البرلمانية والاستفتاء على الدستور بشكل متزامن في يونيو/حزيران المقبل.
وبعد أن استعاد “الدبيبة”، دعم مجلس الدولة، يعول هذه المرة على إقناع المجلس الرئاسي برئاسة “محمد المنفي” بالوقوف في صفه، رغم أن الأخير فضل الحياد في هذا الصراع.
وبحسب تسريبات صحفية، فإن تشكيلة حكومة “باشاغا”، التي سلمها إلى مجلس النواب، السبت، لن تقل عن 27 عضوا، وهو عدد كبير مقارنة بمطالبات سابقة لنواب بحكومة مصغرة تضم كفاءات وتكنوقراط، خاصة وأن دورها الأساسي سيقتصر على إجراء الانتخابات بالدرجة الأولى، وتوفير الخدمات خلال 14 شهرا التي حددتها خريطة طريق البرلمان.
بينما ذهبت قناة بانوراما (محلية) إلى أبعد من ذلك، عندما نقلت عن مصدر خاص، أن التشكيلة الوزارية لحكومة “باشاغا” تتكون من 31 حقيبة وزارية، موزعة على 14 وزارة للمنطقة الغربية، بينها الداخلية والخارجية، و10 للمنطقة الشرقية بينها المالية والعدل، و7 للمنطقة الجنوبية بينها الدفاع والحكم المحلي.
ما يرجح أن حكومة “باشاغا”، لن تكون حكومة كفاءات بقدر ما هي حكومة محاصصة إقليمية وترضيات، وهي ذات التهمة التي وجهها مجلس النواب لحكومة الوحدة وقبلها حكومة الوفاق.
إشكالية النصاب
بينما اشترط على حكومة الوحدة في مارس/آذار 2021، حضور 120 نائبا على الأقل كنصاب قانوني لاعتماد الحكومة، يبدو أن حكومة “باشاغا” لا تحتاج سوى لحضور 86 نائبا، بحسب النائبة “أسماء الخوجة”.
أي أن مجلس النواب لن يشترط حضور سوى نصف أعضائه بدل الأغلبية الموصوفة (120 نائبا)، كما سيعتمد الحكومة بالأغلبية المطلقة (50%+1) بحسب “الخوجة.”
ومن المتوقع أن تحصل التشكيلة الوزارية لـ”باشاغا”، على ثقة مجلس النواب في طبرق بسهولة، خاصة وأنه تم تسميته “بالإجماع” رئيسا للحكومة في 10 فبراير/شباط، ومنحت له مهلة أسبوعين.
غير أن نواب المنطقة الغربية، الذين يعتقد أنهم يمثلون أكثر من نصف (دستوريا 100 نائب من إجمالي 200 من المنطقة الغربية)، يواجهون ضغوطات شعبية من مدنهم بعدم المشاركة في عملية التصويت على الحكومة الجديدة.
كما أن عددا ليس بالقليل من النواب يدعمون حكومة “الدبيبة”، لكن لم يظهر تأثيرهم فعليا في جلسة انتخاب رئيس الحكومة في 10 فبراير/شباط.
إذ إن العديد منهم يفضل مقاطعة الجلسة، وهو ما عبر عنه “الدبيبة”، الأحد، قائلا “عدد من النواب لن يحضروا جلسة الغد (الإثنين) ولن يعطوا فرصة أخرى لمعرقلي الانتخابات”، مشددا أن “صفقة الغد في مجلس النواب حلم بعيد المنال”.
فرهان “الدبيبة”، أن لا تحظى جلسة مجلس النواب في طبرق لمنح الثقة لحكومة “باشاغا”، بالنصاب الكافي حتى ولو تم الاكتفاء بـ86 نائبا بدل 120.
وعدم حصول جلسة الإثنين، على النصاب الكافي، يجعل من السهل التشكيك في شرعية حكومة “باشاغا”.
من يفوز بطرابلس؟
منذ 2014، لم تحتمل طرابلس أكثر من حكومتين، رغم التعايش الصعب بين حكومتي الوفاق والإنقاذ ما بين 2016 و2017، والذي انتهى بمواجهة عسكرية حسمت لصالح الأولى.
واليوم من المتوقع أن نشهد نفس السيناريو، خاصة مع إصرار “باشاغا” على أن تعمل حكومته من طرابلس وليس من أي مدينة أخرى، وإلا ستصبح حكومة موازية.
وتجلت رغبة “باشاغا” هذه، من خلال إدلائه بتصريح صحفي من مطار معيتيقة بطرابلس، بعد ساعات من تسميته رئيسا لحكومة “الاستقرار”.
وينطلق “باشاغا” من ثقته في قدرته على إزاحة حكومة “الدبيبة” من المشهد السياسي، من خلال الدعم الذي يحظى به من عشرات الكتائب في المنطقة الغربية خاصة في مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس).
غير أنه بالمقابل، تقف عدة كتائب مسلحة بما فيها من مصراتة إلى جانب “الدبيبة”، وتعارض شخصيات لديها نفوذ على كتائب مسلحة في الغرب الليبي، على غرار “عبدالرحمان السويحلي”، الرئيس السابق لمجلس الدولة، الذي أعلن وقوفه ضد تحالف “باشاغا” مع قائد قوات الشرق الليبي “خليفة حفتر”.
وقال “السويحلي”، الأحد، إن “صفقة حفتر-“باشاغا”، ليس لها أي أساس قانوني أو توافقي، خاصة بعد قرار مجلس الدولة رفض هذا العبث”.
وتشكيل “الدبيبة”، “قوة حماية الانتخابات والدستور”، ووضعها تحت سلطته بصفته وزيرا للدفاع، يكشف استعداده للمواجهة العسكرية إذ حاول “باشاغا”، والكتائب الداعمة له، تنحيته بالقوة.
لذلك تصر المستشارة الأممية “ستيفاني وليامز”، في أكثر من مناسبة، على “التوافق” و”الحفاظ على الاستقرار”، في إشارة إلى احتمال انزلاق البلاد مجددا إلى الاحتراب الداخلي.
فالوضع في ليبيا حرج وحساس، وجلسة الإثنين، من شأنها إدخال البلاد في مرحلة خطيرة من الصراع المتجدد بأشكال مختلفة منذ 2014.