ما هي السيناريوهات المتوقعة تجاه التصعيد الخطر للأزمة الأوكرانية؟
ما هي السيناريوهات المتوقعة تجاه التصعيد الخطر للأزمة الأوكرانية؟
وهل نحن أمام احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة، هي بكل المقاييس نهاية محتمة للبشرية؟!
الحروب فعل سياسي ساخن، تشن في الغالب، من قبل الطرف الواثق بتحقيق النصر، ومن غير ذلك تتحول الحرب إلى عمل انتحاري.
إدارة بوتين ستستخدم الوسائل المتاحة بما في ذلك القوة العسكرية لمنع تمدد حلف الناتو ويمثل إقليم دونباس ورقة روسية رابحة في الصراع.
يدرك الغرب تماماً أنه ليس بمقدوره عسكريا منع روسيا من احتلال أوكرانيا وجل ما لديه التلويح بعقوبات اقتصادية شاملة على روسيا حال إقدامها على الغزو.
* * *
العالم يحبس أنفاسه، والحرب الكلامية بين روسيا والغرب آخذة في التصاعد، وروسيا تستعرض قوتها العسكرية في مناورات ضخمة في بيلاروسيا، قريباً من الحدود الشمالية لأوكرانيا، شملت أحدث ما في ترسانتها العسكرية.
وبوتين يصدر مرسوماً رئاسياً بدعوة الاحتياط للتدريب العسكري، وجو بايدن يعلن من البيت الأبيض أن الغزو الروسي لأوكرانيا، بات مؤكداً ووشيكاً.
في الاتجاه ذاته نزوح واسع للأجانب من الأراضي الأوكرانية، خشية تعرضهم لأذى حرب توشك أن تنفجر في أي لحظة. ويشير تقدير روسي رسمي إلى أن عدد اللاجئين من شرق أوكرانيا الذين وصلوا الأراضي الروسية مؤخراً، تجاوز أربعين ألف شخص.
ما هي السيناريوهات المتوقعة تجاه التصعيد الخطر للأزمة الأوكرانية؟ وهل نحن أمام احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة، هي بكل المقاييس نهاية محتمة للبشرية جمعاء، خاصة بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن أمريكا وشركاءها، لن يكون لديهم الوقت الكافي للرد على أي هجوم نووي روسي.
الحرب تشن لغايات ومصالح لمن يشعلونها، والغرماء فيها يدخلونها بحسبان أنهم الكاسبين لنتائجها. والحروب فعل سياسي ساخن، تشن في الغالب، من قبل الطرف الواثق بتحقيق النصر، ومن غير ذلك تتحول الحرب إلى عمل انتحاري.
الحرب في أوكرانيا بدأت في الأعوام الأخيرة، بصيغة حروب الوكالة، بين المركز في كييف مدعوماً من الغرب، وبين الناطقين بالروسية الذين يشكلون أغلبية سكان إقليم دونباس، ويتلقون مختلف أشكال الدعم من قبل إدارة الرئيس فلاديمير بوتين.
والهدف المعلن للحرب في إقليم دونباس، هو الحصول على الاستقلال الذاتي ضمن الأراضي الأوكرانية، وذلك ما ترفضه وتتصدى له حكومة كييف.
هذا الرفض أدى مؤخراً إلى تصعيد في مطالب الدونباسيين، من الاستقلال الذاتي إلى المطالبة بالاستقلال الكامل عن الدولة الأوكرانية.
ويبدو في هذا السياق، أن كثيراً من أطراف الدولة العميقة في روسيا الاتحادية، باتوا أقرب إلى تأييد هذا المطلب والاعتراف بجمهوريتي دونيتسك وولوجانسك، دولتين مستقلتين.
تريد روسيا من حلف «الناتو» الابتعاد عن عمقها الاستراتيجي المتمثل في الجمهوريات السابقة للاتحاد السوفييتي، لأن التحاق تلك الجمهوريات بـ«الناتو»، يشكل خطراً مؤكداً على أمنها القومي.
وإذا لم يستجب الغرب للمطلب الروسي الحيوي، فإن إدارة بوتين ستستخدم كل الوسائل المتاحة، بما في ذلك القوة العسكرية، لمنع تمدد الحلف. ويشكل إقليم دونباس ورقة روسية رابحة في هذا الصراع.
والغرب يدرك تماماً أنه ليس بمقدوره عسكرياً، منع روسيا من احتلال أوكرانيا. وجل ما بمقدوره، هو التلويح بفرض عقوبات اقتصادية شاملة على روسيا في حال إقدامها على الغزو.
قراءة الموقف الروسي تشي بوجود ثلاثة سيناريوهات للتعامل مع الأزمة الراهنة.
الأول هو التوصل إلى حل سلمي يتسق مع مبدأ الأمن الجماعي لدول القارة الأوروبية، بما يعنيه ذلك من عدم التعرض لأمن الجرف الروسي بأي شكل من الأشكال. وإذا تمكن الروس من تحقيق ذلك، فإن مطلب تحقيق الاستقلال الذاتي لإقليم دونباس، سيكون في سلم أولولياتهم؛ لأنه يضمن لهم اختراقاً دائماً ووجوداً مستمراً في الأراضي الأوكرانية.
إذا لم يتمكن الروس من تحقيق السيناريو الأول، سينتقلون إلى المرحلة الأخرى، وهي تحقيق استقلال دونباس الكامل عن الدولة الأوكرانية تمهيداً لضمه مستقبلاً، للأراضي الروسية في استعادة مشابهة لما حدث في القرم. وذلك أمر سيضاعف من المشكلات الأوكرانية، ويضعف الحكومة في كييف. وسيجعل الغرب مهزوماً، وعاجزاً عن نصرة حلفائه في نظر معظم دول العالم.
أما السيناريو الأسوأ، وهو ما يخشاه الأمريكيون، والحلفاء في أوروبا، فهو الاحتلال الروسي الشامل للأراضي الأوكرانية، وهو أمر إن حدث يؤكد التفوق الساحق للاستراتيجية الروسية في مجال التنافس مع الغرماء في الغرب.
ومن شأن ذلك أن يلجم بقية جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة التي لم تنضم بعد إلى حلف «الناتو» عن الالتحاق به، ويقفل الباب نهائياً أمام توسع «الناتو» في العمق الاستراتيجي الروسي.
الغرب لن يخسر كثيراً بعدم انضمام أوكرانيا لحلف «الناتو»؛ لأنها في الأساس لم تكن في سياق عمقه الاستراتيجي، ولكن ذلك لا يعني أن الهزيمة لم تلحق بطموحاته في توسع «الناتو» ليشمل معظم أرجاء القارة الأوروبية.
سيقبل الغرب بالهزيمة وسيعمل جاهداً للحيلولة دون وقوع غزو روسي لأوكرانيا، مع التعهد بعدم التمدد العسكري الغربي إلى أراضيها، وذلك ما يمثل في حقيقته انتصاراً لاستراتيجية الرئيس بوتين في منع تمدد «الناتو» للعمق الاستراتيجي لبلاده.
الأيام القادمة ستكون حبلى بكثير من الأحداث، وليس علينا سوى الانتظار.
* د. يوسف مكي كاتب وأكاديمي سعودي