تطور كبير في سد النهضة.. قصة الطموح الإثيوبي والتهديد الوجودي لمصر
في ما يعد منعطفا كبيرا في المشروع المثير للجدل، تبدأ إثيوبيا، الأحد، عملية توليد الطاقة من سد النهضة الضخم الذي يثير توترات إقليمية، خصوصا مع مصر التي تعتمد على نهر النيل لتوفير حوالى 90 في المئة من احتياجاتها من مياه الري والشرب.
ولم يصدر بعد تعليق من القاهرة أو الخرطوم، اللتان تطالبان إثيوبيا بالتوقيع على اتفاق قانوني ملزم حول ملء السد وتشغيله، منذ بدء أعمال بنائه.
وقد أجرت الحكومات الثلاث عدة جولات من المحادثات لم تفض حتى الآن إلى أي مؤشر عن تحقيق اختراق.
والسد الذي يتوقع أن يكون أكبر مشروع في أفريقيا لتوليد الكهرباء من المياه، في قلب خلاف إقليمي منذ أن أطلقت إثيوبيا المشروع عام 2011.
وتتخوف دولتا المصب جارتا إثيوبيا، مصر والسودان، من تداعيات السد على أمنهما المائي، فيما تشدد أديس أبابا على أهميته لتوليد الكهرباء والتنمية.
عشر دول
يبلغ طول نهر النيل 6695 كيلومترا، وهو يعد بذلك، كما الأمازون، النهر الأطول في العالم، ويشكل مصدرا حيويا للموارد المائية وللطاقة الكهرمائية في منطقة أفريقية قاحلة.
وتساوي مساحة حوض النيل ثلاثة ملايين كيلومتر مربع، أي 10 في المئة من مساحة القارة الأفريقية، ويتوزع بين عشر دول هي بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومصر وإثيوبيا وكينيا وأوغندا ورواندا وجنوب السودان والسودان وتنزانيا.
ويقدر مستوى تدفقه السنوي بنحو 84 مليار متر مكعب.
وينبع النيل الأزرق من إثيوبيا، في حين ينبع النيل الأبيض من بحيرة فيكتوريا. وفي الخرطوم يلتقي هذان النهران ليشكلا معا نهر النيل الذي يعبر السودان ومصر ويصب في البحر المتوسط.
السد الأكبر في أفريقيا
تطمح إثيوبيا لإنعاش اقتصادها بفضل سد النهضة الذي تبلغ تكلفة بنائه أكثر من أربعة مليارات دولار، ويتوقع أن يصبح عندما يبدأ بإنتاج الكهرباء أكبر سد للطاقة الكهرومائية في أفريقيا، بقدرة إنتاج تفوق خمسة آلاف ميغاواط، أي أكثر بمرتين من إنتاج إثيوبيا من الكهرباء.
وكانت إثيوبيا تخطط في الأساس لإنتاج نحو 6500 ميغاواط، عندما أطلقت المشروع عام 2011، قبل أن تخفض هدفها.
وقال أديسو لاشيتيو من معهد بروكينغز في واشنطن إن “الكهرباء التي ستولد من السد يمكن أن تساعد على إحياء اقتصاد دمرته عوامل مجتمعة من حرب دامية وارتفاع أسعار الوقود وجائحة كوفيد”.
ويقع سد النهضة على النيل الأزرق، في منطقة بني شنقول-قمز، على بعد نحو 30 كلم من الحدود مع السودان، ويبلغ طوله 1,8 كلم وارتفاعه 145 مترا.
وفي منتصف 2020 بدأت إثيوبيا المرحلة الأولى من ملء السد الذي تزيد قدرته الإنتاجية القصوى عن خمسة آلاف ميغاواط.
وأعلنت أديس أبابا أن هدفها للعام 2021 هو ملء خزان السد بـ13,5 مليار متر مكعب إضافية من المياه، علما بأن سعته القصوى هي 74 مليار متر مكعب.
ورغم أن مصر والسودان حضتا مرارا إثيوبيا على تأجيل خططها لملء خزان السد إلى حين التوصل لاتفاق شامل، أعلنت أديس أبابا في يوليو الماضي، أعلنت إثيوبيا أن كمية المياه التي يخزنها السد باتت كافية لبدء عملية توليد الطاقة، لكنها لم تعط أرقاما محددة وسط اعتقاد بعض الخبراء بأن الهدف الذي حددته لم يتم بلوغه.
تهديد وجودي
يمد النيل مصر، البلد القاحل الذي يزيد عدد سكانه عن 100 مليون نسمة، بنسبة 90 في المئة من احتياجاتها المائية والزراعية.
وتتمسك مصر بـ”حق تاريخي” لها في مياه النيل، تضمنه سلسلة اتفاقات مبرمة منذ عام 1929. حينها، حصلت مصر على حق الفيتو على بناء أية مشاريع على النهر.
وعام 1959، حصلت مصر بموجب اتفاق مع الخرطوم حول توزيع مياه النيل، على حصة بنسبة 66 في المئة من كمية التدفق السنوي للنيل، مقابل 22 في المئة للسودان.
أما إثيوبيا فتقول إنها ليست طرفا في تلك الاتفاقات، ولا تعتبرها قانونية.
وشهد عام 2010 توقيع دول حوض النيل، باستثناء مصر والسودان، اتفاقا جديدا نص على إلغاء حق النقض الذي تتمتّع به مصر، وسمح بإقامة مشاريع ري وسدود لإنتاج الكهرباء.
فشل المحادثات
وتؤكد إثيوبيا، أن مشروع سد النهضة أساسي من أجل تنمية البلاد، وأنه لن يؤثر على مستوى تدفق المياه.
في المقابل تتخوف مصر من وتيرة ملء خزان السد، ومن أن تعبئته خلال فترة قصيرة، ستؤدي إلى انخفاض كبير في جريان مياه النيل على امتداد مصر.
وتعتبر مصر المشروع تهديدا “وجوديا” لها، فيما حذر السودان من “مخاطر كبيرة” على حياة الملايين من الناس، خشية من أن يلحق أضرارا بسدوده في غياب اتفاقية حول تشغيل السد غير أنه يأمل السودان في أن يسهم المشروع في ضبط الفيضانات السنوية.
ومنذ 2011، تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتفاق حول ملء السد وتشغيله، إلا أن جولات طويلة من التفاوض بين الدول الثلاث لم تثمر حتى الآن اتفاقا.
ولم تتوصل محادثات أجريت برعاية الاتحاد الأفريقي لاتفاق ثلاثي حول ملء السد وتشغيله. وطالبت القاهرة والخرطوم بأن تتوقف أديس أبابا عن ملء خزان السد إلى حين التوصل لاتفاق.
غير أن المسؤولين الإثيوبيين يعتبرون ملء السد مرحلة طبيعية من عملية بناء السد ولا يمكن وقفها.
وقد ناقش مجلس الأمن الأولي، في يوليو الماضي، المشروع، إلا أن إثيوبيا التي طالما عارضت بحث قضية السد في مجلس الأمن، اعتبرت بيان المجلس خروجا “غير مفيد” عن المسار بقيادة الاتحاد الأفريقي.
وتبنى مجلس الأمن، في سبتمبر، بيانا يوصي مصر وإثيوبيا والسودان باستئناف المفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي. وعقب البيان دعت مصر والسودان لاستئناف المفاوضات حول الأزمة.
توتر إقليمي
وأضيف إلى مصادر التوتر الإقليمية النزاع الدائر منذ نوفمبر 2020 في إقليم تيغراي في شمال إثيوبيا، والذي أدى إلى لجوء عشرات آلاف الأشخاص إلى السودان الذي يعاني أساسا أزمة اقتصادية خانقة.
ويواجه السودان صعوبات سياسية واقتصادية منذ سيطرة العسكر بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في أكتوبر، على الحكم.
كما تشهد العلاقات بين أديس أبابا والخرطوم توترا على خلفية نزاع حول السيادة على منطقة الفشقة الحدودية الخصبة التي تشهد اشتباكات دموية متقطعة بين الجانبين.