بوتين يلغي “الغزو الروسي لأوكرانيا”
بقلم المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
إذا كنت تعتقد أن السيرك حول الغزو الروسي المزعوم لأوكرانيا قد بلغ ذروته عندما حدد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، موعداً للغزو الروسي بدلاً من الرئيس بوتين نفسه، فأنت مخطئ للغاية.
تجاوز الممثل الكوميدي الأوكراني الشهير، فلاديمير زيلينسكي، المعروف على نطاق واسع مؤخراً كرئيس لأوكرانيا، نظيره الأمريكي بايدن، ورفع مستوى الهوس إلى سقفه بحيث لم يكن من الممكن الوصول إليه من قبل. ففي يوم أمس الاثنين، 14 فبراير، أصدر زيلينسكي مرسوماً يعلن فيه يوم السادس عشر من فبراير، اليوم المرتقب للغزو المزعوم، عطلة وطنية: يوم وحدة أوكرانيا. صدر هذا المرسوم قبل يومين من الغزو المزعوم!!! سيصبح يوم عطلة وطنية!!!
ولا داعي حتى لذكر تفاهات من عينة دعوات نفس هذا الزيلينسكي وأعلى الحناجر المريضة برهاب الروس في الكونغرس الأمريكي وأوروبا لفرض عقوبات ضد روسيا بسبب “العدوان على أوكرانيا” على نحو استباقي، حتى قبل حدوث العدوان المزعوم.
على ما يبدو، لم يعد وجود للقوات الروسية في “يوم الغزو الروسي لأوكرانيا” ضرورياً، على أي حال، فقد تم اعتماد هذا اليوم مسبقاً باعتباره التاريخ الرسمي للغزو. بطبيعة الحال، سيتم فرض عقوبات إضافية تلقائياً، بغض النظر عما يفعله بوتين.
ومع ذلك، فقد نسيت النخبة الأمريكية أن “الغزو الروسي” الافتراضي الموجود فقط في الصحافة الغربية يمكن إلغائه بنفس ذات البساطة.
هل يذكر أحد ذلك المشهد من الفيلم الأمريكي الرائع “ذيل الكلب”، عندما يثير فريق الرئيس الأمريكي الحالي حالة من الهستيريا حول حرب خيالية في ألبانيا من أجل إعادة انتخابه في الانتخابات المقبلة على قمة موجة من الوطنية. لكن وكالة المخابرات المركزية، التي تدعم مرشحاً آخر، تدلي بتصريح مفاده أن الأزمة قد تم حلّها وإلغاء الحرب الافتراضية.
لقد استخدم بوتين نفس الطريقة، وألغى الغزو الروسي غير الموجود أساساً. وأوضحت وزارة الدفاع الروسية أن وحدات المناطق العسكرية الغربية والجنوبية عادت إلى قواعدها بعد الانتهاء من تدريباتها. وحقيقة أن هذه التدريبات كان يجب أن تنتهي كانت واضحة بالفعل. ومن الواضح كذلك أن هذه الوحدات بقيت، حيث شاهدتها الأقمار الصناعية الأمريكية، في قواعدها.
الملاحظ هنا أن بوتين يستخدم هذه التقنية للمرة الثانية، تماماً مثلما تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية الهيستيريا الافتراضية للمرة المائة.
اسمحوا لي أن أذكركم أنه في عام 2017، استخدمت الولايات المتحدة والغرب نفس الأساليب بالضبط لتضخيم الهيستيريا حول الادعاءات الكاذبة بشأن استخدام القوات السورية للأسلحة الكيماوية في سوريا. كان الوضع هو نفسه بالضبط، فقط مع “بيادق” أخرى من الولايات المتحدة. نفذت الخوذ البيضاء استفزازات بالأسلحة الكيماوية، وخلقت ذريعة، بينما أثارت الولايات المتحدة نفس الهيستيريا في الصحافة العالمية، كما يحدث الآن حول أوكرانيا.
ثم، وكما نذكر جميعاً، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية الاستعداد لغزو سوريا. اختار بوتين اللحظة، وأعلن انسحاب القوات الروسية من سوريا. غادرت القوات الروسية، ولكن، دعنا نقول، ليس بالكامل. على أي حال، لم يحدث الغزو الأمريكي لسوريا.
إنه نفس الشيء يحدث بالضبط الآن في المعركة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
ربما كانت أوكرانيا ستطلق النار على نفسها، يوم غد 16 فبراير، أو كانت الصحافة الأمريكية ستكتب ببساطة وأريحية عن الغزو الروسي باعتباره أمراً واقعاً، وسيكون هذا دليلاً كافياً. كان هذا كافياً بالفعل لفرض عقوبات خلال ما سمي بـ “التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية”، والذي تبيّن الآن، أنه كان خداعاً ممولاً من هيلاري كلينتون.
فروسيا تطالب، في إنذارها النهائي ديسمبر الماضي، بتقليص الوجود الأمريكي في أوروبا الشرقية، بينما تحاصر واشنطن العالم أجمع، عبر وسائل إعلامها، وبغرض التهرّب من المطالب الروسية، بفرض قضية “الغزو الروسي لأوكرانيا”.
ومع ذلك، فإن الطبيعة القاطعة للإنذار الروسي، ورفض الغرب له، وحقيقة أن أوكرانيا بالكاد تم ذكرها في هذا الإنذار، تجعلني أعتقد أن إلغاء بوتين “للغزو الروسي لأوكرانيا” غير الموجود بالأساس بعيد كل البعد عن نهاية القصة. أعتقد أنه تكتيك لنزع سلاح واشنطن، وطريقة لتغيير موضوع الرواية الغربية. وبعد تحييد الجولة الراهنة من الهيستيريا الأمريكية حول أوكرانيا، ستعود روسيا للضغط على الولايات المتحدة بشأن القضية الأوسع التي تهمها.
إلا أن خطر الحرب على أي حال كبير. حدد بايدن موعداً لـ”الغزو الروسي”، حيث قامت جميع الدول الغربية تقريباً بإجلاء موظفي سفاراتها من كييف، وتوقفت الطائرات عن التوجه إلى أوكرانيا. مستوى الهيستيريا لا يصدق. لقد رفعت واشنطن المخاطر إلى درجة أنه إذا لم يحدث “الغزو”، فإن هذا السيرك برمّته سوف يشوّه ويقلّل من قيمة جميع الجهود الغربية لشيطنة صورة روسيا. فلم يعد من الممكن للولايات المتحدة أن تسمح لكل هذه الحملة الإعلامية الضخمة للغاية حول “الغزو الروسي” بأن تنتهي إلى لا شيء.
لا أعرف عدد المعارك الافتراضية التي سنشهدها، لكنني أخشى أنه سيتعيّن على الأطراف، عاجلاً أم آجلاً، ترتيب الأمور “على أرض الواقع”، في العالم الحقيقي.
وإذا لم تكن قد شاهدت الكوميديا الأمريكية الرائعة “ذيل الكلب”، فأنصحك بشدة بمشاهدتها، وسوف تساعدك كثيراً على فهم الوضع حول “الغزو الروسي”.