إدارة بايدن بين تراجع كبير أو أزمة أكبر: تبدل الأجواء بواشنطن بشأن أوكرانيا

 

كشف سوليفان عن مزيد من الخفض في الجهاز الدبلوماسي بأوكرانيا مما ينذر باقتراب الحرب!

احتمال العمل العسكري الروسي بدأت ترجح كفته في التقديرات والتوقعات الأميركية، أكثر من أي وقت سابق.

ثمة “أزمة من العيار الثقيل” وتحذير من تداعيات الحرب على “استقرار أوروبا”، ومحدودية التأثير الأميركي والغربي على المجرى الذي قد تتخذه الأزمة.

مسار الأزمة مرهون بقرار بوتين الذي لا يستبعد أن يقرر ترجمة “استعداداته العسكرية” وترى مصادر موثوقة أن بوتين قد اتخذ قراره، والعمل جارٍ لتنفيذه.

المسألة بلغت نقطة القرار بواشنطن: إما تنفيس وتراجع جيوسياسي مكلف لواشنطن والحلفاء الراغب معظمهم بحل الأزمة والاستجابة لشروط موسكو.

وإما أن تواجه واشنطن أزمة مجهولة الكلفة والتداعيات، أوروبياً وأميركياً ودولياً. وهي آخر ما تريده وتتحمله إدارة بايدن الغارقة أصلاً في المتاعب.

* * *

تبدّلت الأجواء بسرعة في واشنطن بخصوص أزمة أوكرانيا. خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية. احتمال العمل العسكري الروسي بدأت ترجح كفته في التقديرات والتوقعات الأميركية، أكثر من أي وقت سابق.

تصريحات المسؤولين وتحذيراتهم أوحت بتضاؤل الأمل، وربما انسداده، في تجاوب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع المخارج التي طُرحت.

وعليه، دعت الإدارة الأميركيين المتواجدين في أوكرانيا، ولأول مرة، بصورة عاجلة إلى وجوب “المغادرة فوراً، والاتصال بالسفارة في كييف في حال كانوا بحاجة إلى مساعدة” للسفر.

كما كشف مستشار الأمن القومي جيك سوليفان عن المزيد من “الخفض في الجهاز الدبلوماسي في السفارة” هناك.

وهذه خطوات يجري اتخاذها عادة في ظلّ ظروف تنذر بحرب أو بحدوث تطورات أمنية خطيرة.

ومع ذلك، حرص على التنويه بأن هذه الإجراءات ليست مبنية على يقين بوقوع الاجتياح، بقدر ما هي مستندة إلى “معلومات ومؤشرات وتعزيزات عسكرية” تؤشر في هذا الاتجاه، وبما يحمل على وضعها في خانة “الخطر الكبير”، الذي يمكن أن تندلع أحداثه “في أية لحظة”.

في الأسابيع الماضية كان مثل هذا التطور احتمالاً وارداً، لكن غير مؤكد. الآن في حسابات الإدارة صار من غير الموضوعي استبعاده.

وذهب سوليفان، وللمرة الأولى أيضاً، إلى حد الحديث عن تحرك عسكري روسي في أوكرانيا “حتى قبل انتهاء الألعاب الأولمبية” الشتوية التي تستضيفها الصين، والتي يفترض أن يراعيها بوتين، بوصفه حليفاً، ولا يخرّب عليها المناسبة.

تحرك قد يأخذ عدة أشكال؛ منها “الانقضاض السريع على العاصمة كييف، أو احتلال مناطق معينة، أو بعض المدن”، من غير استبعاد احتمال الغزو الشامل.

تقديم هذه الصورة، التي تولى مستشار الرئيس رسمها اليوم خلال مشاركته غير المتوقعة إلا قبل ساعات، في المؤتمر الصحافي اليومي للبيت الأبيض، وردوده على الأسئلة؛ سبقتها إشارات مماثلة أمس من الرئيس جو بايدن، شدد فيها على ضرورة مغادرة الأميركيين لأوكرانيا.

وأتى ذلك في أعقاب فشل لقاء برلين الرباعي؛ الذي ضم ألمانيا وروسيا وأوكرانيا وفرنسا، في فتح أي كوّة في جدار الأزمة.

كما جاء على خلفية اللقاءات والمحاولات الدبلوماسية العديدة المستمرة، منذ أواخر العام الماضي، والتي بدأت بقمة بايدن-بوتين، ثم الاتصال الهاتفي بينهما، وما أعقب ذلك من مباحثات في جنيف وفيينا وبروكسل وموسكو، شارك فيها الأميركيون، وأخيراً الأوروبيون، وبخاصة فرنسا وألمانيا.

وخلالها كان كلاهما يشدد على استعداده للحوار وتفضيله لمخرج دبلوماسي، وفي الوقت ذاته كانت موسكو تواصل حشودها، وواشنطن تتخذ ما أمكن من خطوات “الردع”، المرفق بالتحذيرات والتلويح بالكلفة الباهظة للاجتياح. في الواقع، كانت لعبة شراء وقت وعضّ على الأصابع.

الآن، وفق كافة التقديرات، وخاصة العسكرية؛ وصلت اللعبة أو تكاد إلى خواتيمها. ثمة “أزمة من العيار الثقيل”، كما يقول الجنرال المتقاعد جون آلن، الذي يحذر من تداعيات الحرب على “الاستقرار الأوروبي”، مع الإشارة غير المباشرة إلى محدودية التأثير الأميركي والغربي على المجرى الذي قد تتخذه الأزمة.

كما يلفت غيره، مثل ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، إلى “ضعف حلف الناتو في زمن الإدارتين السابقتين، إذ لم تقوَ الإدارة الحالية على تصحيح” هذا الوضع.

وبناء عليه، فإن مسار الأزمة مرهون بقرار بوتين الذي ليس من المستبعد أن يقرر ترجمة “استعداداته العسكرية”، حسب هاس. تشاركه في ذلك شبكة “سي بي إس” الموثوق بها عادة، والتي تقول إن بوتين قد اتخذ قراره، والعمل جارٍ لتنفيذه.

سوليفان نأى عن النفي، مكتفياً بالقول إن الإدارة “لا علم لها” بهذا الخبر. لكن في الواقع هي تتصرف أقله منذ أمس على هذا الأساس. وتصرفها في اللحظات الأخيرة بهذا الشكل المتشدد يحتمل تفسيرين:

– إما أنها تلعب آخر ورقة تهويل على موسكو لحملها على القبول بمخرج يحفظ ماء الوجه، وذلك عبر الإيحاء بأن الغرب لن يسلم بشروطها، وبالتالي على الكرملين تحمّل مسؤولية اجتياحه وعواقبه.

– وإما أنها تعتمد التشدد في الظاهر لتغطية التراجع والتسليم بشروط موسكو، على أن يجري إخراجها بصيغة مقبولة.

ما يجمع عليه المعنيون في واشنطن أن المسألة بلغت نقطة القرار:

– إما التنفيس وتراجع جيوسياسي مكلف لواشنطن والحلفاء، الراغب معظمهم في حل الأزمة، والاستجابة لشروط موسكو،

– وإما مواجهة أزمة مجهولة الكلفة والتداعيات، أوروبياً وأميركياً ودولياً. وهي آخر ما تريده وتتحمله إدارة بايدن الغارقة أصلاً في المتاعب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى