“الالغام المدفونة” تهدد الحياة في جنوب السودان
رغم انقضاء الحرب الأهلية في جنوب السودان قبل أكثر من خمسة عشر عاما إلا أن مخاطرها لاتزال قائمة في باطن الأرض حيث يعيش كثيرون حياة يملؤها الخوف والتوجس جراء الألغام غير المنفجرة التي لم يتم اكتشافها.
وحتى الآن تشكل الذخائر غير المنفجرة خطورة على السفر إلى العديد من المناطق في جنوب السودان، ما يؤثر ذلك على كل شيء من الزراعة إلى توزيع المساعدات إلى إعادة توطين الأشخاص العائدين إلى ديارهم بعد الحرب الأهلية.
ومرارا، حذرت دولة جنوب السودان من عدم نزع الألغام بأراضيها، داعية المجتمع الدولي إلى ضرورة تمويل تلك العمليات لحماية الملايين.
وقالت السلطات الحكومية إن عدم التخلص من الألغام التي تمت زراعتها خلال فترة الحرب الأهلية السودانية من 1983 وحتى 2005، يمثل تهديدا كبيرا لحياة المواطنين خاصة في إقليم الاستوائية جنوبي البلاد.
وبحسب جوركوج براج جوركوج، رئيس الهيئة الحكومية لنزع الألغام، فإن البلاد لا تزال مهددة بانتشار الألغام البشرية غير المكتشفة، حيث يتركز معظمها في المنطقة الاستوائية التي شهدت مواجهات طويلة بين الجيش السوداني والجيش الشعبي قبل توقيع اتفاق السلام.
وأضاف المسؤول الجنوب سوداني، في تصريحات لـ”العين الإخبارية”، أن “خطر الألغام الأرضية المضادة للبشر والتي تمت زراعتها خلال الحرب الأهلية السودانية، لايزال قائما في البلاد”.
وتابع: “قامت الأطراف المتحاربة بزرع الألغام في عدة مناطق، لكن التركيز كان بإقليم الاستوائية التي مثلت ساحة القتال الرئيسية”.
وفي منطقة “نيايينق” القريبة من العاصمة جوبا، يعيش المواطنون حالة من الخوف الحذر، بسبب تواجد الألغام الأرضية في مساحات عديدة من المنطقة المحيطة بالقرية، مما اضطر السكان لحصر حياتهم وأنشطتهم المعيشية مثل الزراعة و جمع الفحم والحصول على مياه الشرب من النهر.
نتحرك بحذر
هيلين لوسوك، ربة منزل تعمل في زراعة وبيع الخضروات، قالت إن الخوف من الألغام جعلها تحصر مزرعتها داخل مساحة صغيرة من المنزل الذي تعيش فيه مع أفراد أسرتها.
وأضافت : “لقد أصبحت الألغام الموجودة في عدة أماكن بمحيط القرية واحدة من المهددات الكبيرة للأسر والأطفال، فهناك مساحات لم يتم مسحها بعد، حاليا نتحرك وحدنا وبحذر كبير حينما نذهب لجلب المياه من النهر، لا نصطحب معنا الأطفال، معاناتنا لن تنتهي إلا بعد إزالة جميع تلك الألغام”.
وبحسب إحصاءات أممية، فإن هناك أكثر من 5000 من المدنيين فقدوا حياتهم نتيجة انفجار ألغام أرضية قديمة، من بينهم 249 طفلا، كما جرح نحو 4000 شخص على امتداد جنوب السودان.
كما تم نزع أكثر من مليون لغم أرضي في جميع أرجاء البلاد، إلى جانب القنابل والقذائف الصاروخية الموجودة بالأراضي دون أن تنفجر خلال الحرب.
تهديد لمصدر رزقنا
وبالنسبة لـ”لوكا ديفيد” الذي يعمل في مجال صناعة الفحم بمنطقة “بيلينانغ” الواقعة شرقي العاصمة جوبا، فإن أكبر المخاطر التي تواجههم تتمثل في الألغام غير المتفجرة التي أودت بحياة أكثر من خمسة من زملائه خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
وقال ديفيد، في تصريحات : “نعاني من وجود الألغام التي تتواجد في عدة مناطق هنا، لذلك نضطر للذهاب لمسافات بعيدة لقطع الأشجار وحرقها للحصول على الفحم، الذي نقوم ببيعه للتجار في جوبا، إن الألغام تهدد مصادر رزقنا في المستقبل، لذلك نناشد الحكومة بمسارعة الجهود حتى نقوم بممارسة حياتنا بحرية وراحة”.
وأشار جوروكوج براج، رئيس الهيئة الحكومية لنزع الألغام، إلى أن عملية نزع الألغام في تلك المناطق قد تعثرت بسبب قلة الموارد المالية إلى جانب خطر الفيضانات التي ضربت أجزاء واسعة من البلاد والحرب الأخيرة التي شهدتها البلاد بين الحكومة والمعارضة.
وأضاف: “حاليا نواجه مشكلة عدم توفر الموارد المالية، فهناك حاجة لدفع رواتب الطاقم الفني الذي يقوم بنزع الألغام من المناطق المتبقية على امتداد البلاد”.
وفي جنوب السودان لا تزال هناك مساحة تقدر بـ90 مليون متر مربع مهددة بخطر الألغام والقنابل، التي خلفتها الحرب الأهلية التي دارت بين دولتي السودان وجنوب السودان، قبل إعلان استقلال الأخيرة.
أما “جادا فاولو”، من مواطني جزيرة “غندوكرو”، والذي ترك العمل بالزراعة واتجه نحو التجارة البسيطة، فإن الألغام غير المتفجرة تعطل حياة الناس كليا وتحدد خياراتهم في الحياة بشكل يصعب وصفه.
وأضاف : “لقد تركت الزراعة لأنها غير آمنة، مع وجود الألغام لا نستطيع ممارسة حياتنا الاقتصادية بشكل مرض، لقد قمت بفتح محل تجاري صغير حتى أعول أسرتي، لكن هذا لا يعود على بالدخل الذي كنت أجده في العمل بالزراعة”.
ونتيجة للبطء الذي صاحب عملية نزع الألغام، جددت سلطات جنوب السودان التفويض الممنوح للأمم لدائرة الأمم المتحدة حتى تتمكن من إزالة جميع الألغام بالبلاد في نهاية العام 2026 كموعد نهائي لإزالة جميع الألغام المضادة للأفراد.
وبحسب تقارير أممية فإن هناك حوالي 6 ملايين مواطن في جنوب السودان يعيشون ضمن مناطق مهددة بالألغام الأرضية والمتفجرات، لافتة إلى أن هؤلاء الأشخاص يعيشون تحت خطر الألغام والمتفجرات التي خلفتها الحرب الأهلية الثانية (1983-2005)، ما يهدد سلامتهم، ويساهم في عرقلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد.