السعودية وباكستان.. هل يقود النووي سفينة العلاقات إلى بر الأمان؟

دلائل عدة، تلك التي تشير إلى أنه حانت لحظة عودة الدفء للعلاقات بين السعودية وباكستان بعد سنوات من البرود الممزوج بالتوتر بين البلدين الإسلاميين الكبيرين.

ويبدو أن كلمة السر في هذا الدفء ستكون محاولة السعودية الاستعانة بالخبرات الباكستانية النووية في إنشاء مفاعلات نووية للطاقة السلمية بالمملكة، ذلك الحلم الذي تأخر كثيرا، لكن لحظته باتت أيضا قريبة، بحسب مراقبين وإعلام غربي.

والسبت الماضي، أفاد موقع “إنتلجنس أونلاين” الاستخباراتي الفرنسي، بأن وكالة الاستخبارات الباكستانية، باتت محل اهتمام السعودية بسبب خبرتها في المجال النووي.

ونقل الموقع عن مصادره أن الرياض تعتزم ضخ تمويل جديد لـ”المجمع الصناعي العسكري” في باكستان مقابل المزيد من المساعدة في تطوير قطاعها النووي.

وأشارت المصادر إلى أن ولي العهد السعودي، الأمير “محمد بن سلمان” طلب من وزير الداخلية الأمير “عبدالعزيز بن سعود بن نايف” وقادة المخابرات إنشاء جهاز جديد لمكافحة التجسس النووي؛ والذي ستكون مهمته “حماية العلماء الفيزيائيين السعوديين والمنشآت النووية، وكذلك العلماء الباكستانيين والصينيين الموجودين بالمملكة”.

وسبق أن أرسلت الرياض باحثين من “مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة” للحصول على دورات تدريبية في المؤسسات النووية الباكستانية، وعلى رأسها مختبرات الأبحاث الذرية في كاهوتا بإقليم البنجاب.

وفي مؤشر على صحة ما ذهبت إليه المجلة الفرنسية، جرى في وقت سابق الأربعاء وبعد 4 أيام فقط من تقرير “إنتلجنس أونلاين”، الإعلان رسميا في باكستان عن زيارة مرتقبة لوزير الداخلية السعودي إلى إسلام آباد.

وأعلنت وزارة الداخلية الباكستانية أن وزير الداخلية السعودي، سيصل إلى إسلام آباد، الإثنين المقبل (7 فبراير/شباط)، في زيارة تستغرق يوما واحدا.

وذكر بيان للوزارة أن الأمير السعودي سيلتقى كبار المسؤولين الحكوميين والأمنيين خلال زيارته لباكستان، وعلى رأسهم وزير الداخلية الباكستاني “شيخ رشيد أحمد”، كما سيلتقي رئيس البلاد “عارف علوي”، ورئيس الوزراء “عمران خان”.

ومن المقرر أن يبحث الوزير السعودي، خلال زيارته، قضايا الوضع الإقليمي وعديد الملفات ذات الاهتمام المشترك، وفقا لما أوردته وكالة “أسوشيتد برس”.

المؤشران السابقان لا يمكن قراءتهما بمعزل عن مؤشر ثالث غاية في الأهمية ويتعلق بحزمة المساعدات الاقتصادية التي قدمتها السعودية لباكستان خلال الأشهر الأخيرة.

ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال وزير الإعلام الباكستاني “فؤاد تشودري” إن السعودية أعلنت دعم الاحتياطيات الأجنبية الباكستانية بـ3 مليارات دولار، فضلا عن تمديد التمويل الخاص بتجارة المشتقات النفطية بنحو 1.2 مليار دولار خلال العام، وقد تسلمت إسلام آباد بالفعل تلك المليارات في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

تلك المؤشرات، بحسب مراقبين، تبدو كافية وكفيلة للرسو بسفينة دفء العلاقات بين البلدين إلى بر الأمان، واستعادة عقود مضت من التعاون الوثيق، وطي صفحة سنوات التوتر والبرود.

ولعقود تمتعت علاقات إسلام أباد والرياض بشراكة استراتيجية، فتاريخيا كانت المملكة تهب دائما لإنقاذ باكستان ماليا، بينما كانت الأخيرة تقدم في المقابل مساعدات عسكرية وخبرات إلى المملكة.

وكانت السعودية أول من عرضت تسهيلات نفطية ومالية على باكستان في عام 1998، وذلك بعد الحظر الأمريكي والغربي عليها، بسبب (تجاربها النووية، في مايو/أيار من نفس العام.

لكن العلاقات بين البلدين توترت في الآونة الأخيرة. فقبل 6 سنوات، امتنعت إسلام أباد عن الانضمام للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وهو ما أغضب الرياض.

ذروة التوترات

وبلغت التوترات بين البلدين ذروتها على خلفية منطقة كشمير المتنازع عليها، حيينما بدت السعودية مستاءة من باكستان، في عام 2020، بعدما حاولت إسلام آباد دفع الرياض لاتخاذ موقف حازم بشأن كشمير.

وفي بيان شديد اللهجة في أغسطس/آب 2020، دعا وزير الخارجية الباكستاني “شاه محمود قريشي” منظمة التعاون الإسلامي التي تقودها السعودية إلى عقد اجتماع رفيع المستوى بشأن كشمير المتنازع عليها مع الهند.

وأثار التعليق غضب الرياض التي رأت فيه تحذيرا من أن باكستان تستعد للدعوة لعقد اجتماع لدول إسلامية خارج منظمة التعاون، وبالتالي محاولة لتقويض قيادتها للمنظمة الإسلامية المكونة من 57 عضوا.

وآنذاك، استدعت المملكة مليار دولار من قرض بقيمة 3 مليارات دولار من باكستان التي تعاني من ضائقة مالية، كما لم يتم تجديد تسهيل ائتماني نفطي منتهي الصلاحية بمليارات الدولارات.

مساعي التهدئة

وبعد أشهر من زيادة حدة التوتر هذه، بدأت مساعي من قبل البلدين لحلحلة هذا البرود، لا سيما مع العزلة النسبية التي عاشتها الدولتان مع بداية عهد إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في عام 2021

وبعد أشهر من محاولات جس النبض من الطرفين، زار رئيس الوزراء الباكستاني “عمران خان”، وقائد الجيش الجنرال “قمر جاويد باجوا” السعودية في مايو/أيار 2021، والتقيا بقادة المملكة وبحثا العديد من الملفات.

وآنذاك قالت مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية، إن كلا من السعودية وباكستان يواجهان عزلتهما الدولية بالعمل على إصلاح العلاقات بينهما.

وأضافت أن العلاقة السعودية الباكستانية أظهرت مرونة في تحمل التحديات الناشئة عن التغيرات الجيوسياسية في جنوب آسيا والشرق الأوسط.

واشارت المجلة إلى “عوامل تعكس التقارب السعودي الباكستاني”، من بينها “العزلة” التي تواجه كل من إسلام أباد والرياض، حيث تحتاج كل منهما إلى الأخرى أكثر من أي وقت مضى.

وقالت: “توقفت الدول الغربية التي تقودها الولايات المتحدة عن مساعدة الرياض في حربها في اليمن، بما في ذلك بعض الدول التي تفرض حظرا على الأسلحة على المملكة. وفي الوقت نفسه، يتضاءل بروز باكستان في عواصم غربية مهمة مع انسحاب الولايات المتحدة وقوات الناتو من أفغانستان”.

وتابعت: “الرياض بحاجة إلى إسلام أباد -القوة النووية المسلمة الوحيدة- لضمان عدم انجراف الأخيرة نحو تركيا والاحتفاظ بمكانتها كزعيم بلا منازع للعالم الإسلامي. لقد دعمت باكستان تاريخياً قيادة المملكة للأمة. في غضون ذلك، تحتاج باكستان إلى سخاء السعودية لأسباب اجتماعية واقتصادية لتجنب الشروط القاسية التي يفرضها صندوق النقد الدولي”.

وبشكل عام تحرص باكستان على علاقات وطيدة مع السعودية حيث يعيش ويعمل أكثر من 2.5 مليون من مواطنيها، لكنها تحافظ أيضا على علاقات وثيقة مع إيران وتمثّل المصالح القنصلية لطهران في الولايات المتحدة.

الهند وكشمير

ومع حرص السعودية على دفء العلاقات مع باكستان، يقول مراقبون إن المملكة حريصة أيضا على عدم إثارة غضب الهند، الشريك التجاري الرئيسي والمستورد للنفط الخام السعودي، والتي تتنازع مع باكستان بشأن منطقة كشمير، وهو الأمر الذي لا يجب إغفاله أبدا.

وأدت الاضطرابات العالمية والإقليمية إلى جعل الهند والسعودية تعيدان النظر في أولويات سياستهما الخارجية. ففي السنوات الأخيرة، وسّعت السعودية علاقاتها مع الهند؛ ووصفت نيودلهي بأنها واحدة من “القوى العظمى” الثمانية، وسعت لتأسيس شراكة استراتيجية بين البلدين في إطار “رؤية 2030”.

ومن وجهة نظر الهند، أصبحت السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي جهات فاعلة رئيسية في الشرق الأوسط، ما يجعل التعاون معها مهما.

وفي 18 سبتمبر/أيلول 2021، وصل وزير الخارجية السعودي “فيصل بن فرحان آل سعود” إلى نيودلهي في زيارة استغرقت 3 أيام، لتكون الأولى له كوزير خارجية.

وتشير هذه الزيارة إلى تحول في العلاقات السعودية الهندية قد يكون له تأثير على التكامل الاقتصادي والأمن الإقليمي.

وفي عام 2020، ارتفع حجم التجارة الثنائية بين السعودية والهند إلى 33 مليار دولار، وتأخذ الغالبية العظمى من هذه التجارة (81% أو حوالي 27 مليار دولار) شكل واردات هندية إلى السعودية؛ فيما بلغت الصادرات السعودية إلى الهند 6.24 مليار دولار فقط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى